حرص الرئيس الجديد عند إعلان انقلابه الطبي أن ينعت الرئيس المقال بلقب الأب الروحي..أول رسالة ذكية أرسلها ابن علي عبر بريد الشعب التونسي إلغاء فكرة الرئاسة مدى الحياة التي رسخ لها بورقيبة..لكن حينما حان موعد مغادرة القصر الرئاسي بعد عشر سنوات ولدت فكرة تعديل الدستور عبر استفتاء شعبي..عبر تلك الآلية مدد بن علي إقامته في قصر قرطاج إلى ثلاثة وعشرين عاماً أنهتها ثورة شعبية في العام ٢٠١١. انشغل السودانيون بزحمة عيد الفطر المبارك ففاتهم التقاط رسالة مهمة من الرئيس البشير..في خطاب رسمى أعلن الرئيس بدء مشاورات كتابة دستور دائم.. تلك الإشارة تعيد للأذهان تجارب تصفير العداد في دولة تشابه ملامحنا..كما أن الفكرة تتجاوز مخرجات الحوار الوطنى التي عهدت بالمهمة إلى جمعية تأسيسية منتخبة بعد العام ٢٠٢٠..وقد كان عراب الحوار الوطنى الشيخ الترابي حريصاً على الاحتفاظ بالدستور الانتقالي حتى لا يتم تجيير الدستور الجديد لصالح من بيدهم الأمر في الحكومة الحالية. هل هنالك ما يدعو للخوف من الدستور الجديد؟..في اعتقادي الشخصي أن دعوة لدستور جديد يجب أن تثير مخاوفنا جميعاً.. حكومة الوفاق الحالية جاءت للسلطة بشرعية استثنائية جعلت بعض المشرعين يتم تعيينهم كحال إخوتهم في السلطة التنفيذية..كما أن هنالك قوىً مؤثرة ما زالت في مربع التشكيك في نوايا السلطة الحاكمة..في مثل هذه الظروف تبدو الدعوة لدستور جديد حمالة أوجه . داخل الحزب الحاكم ما زال الحديث عن الخلافة السياسية يشكل خطاً أحمر..رغم أن الرئيس غير مرة أكد أنه مغادر لكابينة القيادة بنهاية هذه الدورة وذلك لأن الدستور لا يسمح..لكن ماذا إذا سمح الدستور؟..في حوار تلفزيوني أجريته مع البروفيسور إبراهيم أحمد عمر أكد أن قرار ترشيح البشير مجدداً بيد مؤسسات الحزب الحاكم..ذات الإجابة الغامضة جاءت على لسان الأستاذ إبراهيم محمود ،نائب رئيس الحزب الحاكم، الذي وصف الأمر بأنه سابق لأوانه وذلك خلال مؤتمر صحفي مشهود.. وبما أن الحزب الحاكم لم يحسم الأمر ولا يكترث للدستور فتصبح دعاوى تجديد الدستور تحمل مؤشرات مخيفة. في تقديري ان الوقت غير مناسب لإطلاق الدعوة لدستور جديد..الدستور الانتقالي السائد فيه ما يكفل الحريات إن تم الالتزام به..من الأفضل انتظار قيام انتخابات ذات صدقية أكبر وإجماع حاشد ثم التفكير في كتابة دستور جديد..هذه الدعوة الملغومة ستشكل أول اختبار أمام أحزاب الحوار تثبت فيه برفضها الواضح للفكرة أنها لم تبتلع طعم السلطة وتقع في شبكة الصياد الماهر. بصراحة..الدعوة لدستور جديد ستكون خطوة لتصفير العداد وهزيمة لمشروع الإصلاح داخل الحزب الحاكم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة