|
خواطر زول مستاء ومحبط من حكايات التمرد والتهميش الفارغة ( الجزء السابع )
|
منذ فترة طويلة والمثقفون السودانيون يدغدغون مشاعرنا بان التنوع العرقي أوالإثني الذى يتشكل منه البنية المجتعية فى السودان عامل قوة وليس عامل ضعف أو تقويض لإستقرار البلاد وكنا بين متشائم ومتفائل نأخذ مثل هذه الإحاديث المعسولة بكثير من الحذر والترقب لعل السنون القادمة تبدد المخاوف الكامنة فى النفوس جالبة معها مزيد من الترابط والتسامح الإجتماعى بيد ان الصراعات والنزاعات الإثنية التي ظللنا نشهدها منذ فترة في دارفور وذات سخونتها أخيرا تنفى بقوة صحة الأحاديث التخديرية التى يطلقها مثل هؤلاء المثقفين من وقت إلى اخر . فالمشهد الإجتماعي السوداني الماثل بين أيدينا اليوم لا يبشر بالخير ولا يدعم الأقاويل التى تقول بان فى التنوع الإثنى قوة ووحدة فها هم السودانيين وبعد مضى الخمسين عاما وأكثر من الإستقلال ما زالوا مبعثرين طوائف وقبائل متناحرة وحتى إذا نظرنا إلى التركيبة الإجتماعية أو السكانية على نطاق الولاية الواحدة وليس السودان بأجمعة نجد أن الولاية الواحدة كذلك منقسمة إلى جهويات وقبائل شتى ولكيلا لا نطلق الكلام على عوانهه كما يقولون فان دارفور لوحدها بها ما لايقل عن مائة وخمسون مجموعة قبلية أو أكثر ونجد مثلها أو أقل قليلا في ولايات كردفان أما عن جنوب البلاد فحدث ولا حرج فالقبائل وعلى كثرتها ما أنفكت تشهد ميلاد قبائل جديدة تعمق وترفد الإنقسام والتشرذم الجهوىإلى مزيد من التبعثر والشتات في إطار القبيلة الواحدة كما ان الجزيرة هى الأخرى تعانى من التخمة القبلية والبطون الجهوية المتعددة وإذا إنحدرنا شرقا نجد ان مناطق كسلا والبحر الأحمر لا تقلان سوء في التشرذم والتعدد القبلى عن أخواتها في دارفورأو الجنوب والحال كذلك لا يتبدل فى ولايتى النيل الأبض والأزرق أما أقل الولايات التي تعانى من داء التشرزم القبلى فهي مناطق الشمال السوداني إذا لا يتجاوز عدد القبائل الرئيسية الموجودة فيها عن خمسة قبائل فقط هى قبائل الجعليين والرباطاب والمناصير وهم أولاد عمومة فى كل شئ يخطرعلى البال فضلا على قبائل بنى شايق والنوبيين وهم أولاد عمومة كذلك في العادات والتقاليد والإرث الحضارى ولم يسجل التاريخ فى مساره القريب أو البعيد اي شكل من أشكال النزاع بين هذه القبائل الشمالية .. وفي تقدريرى فان تأثير الحضارات القديمة التي قامت في الشمال السودانى ( كوش ومروى ) ساهمت وبشكل إيجابى فى تقليص التعقيدات القبلية وأعداها فى هذه المنطقة إلى الحد الأدنى المطلوب لإستقرار اى مجموعات بشرية تقطن فى منطقة جغرافية واحدة الشئ الذى جعل من المناطق الشمالية مراكز تعايش وإخاء إجتماعى إنداحت منها أسباب الإستقرار وقيم التسامح الإجتماعى إلي مناطق السودان الأوسط وكردفان الخ ويمكن تلمس ذلك في إنعدام الجريمة والعنف وإندياح التسامح الإجتماعى الحاصل في الشمال وهذا قطعا لم يتأتى حسب إعتقاد بعض الأخوة السودانيين من إستئثار هذه المناطق بإهتمام المركز لكون ان القراءة المتمهلة والأمينة لخارطة الخدمات والتنمية في السودان تكشف بجلاء ان الرقعة الجغرافية الشمالية من البلاد هى من أتعس الولايات حظا فى توفرالخدمات الأساسية ومشاريع التنمية والدليل القاطع على ذلك يتمثل فى حركة النزوح الواسع الذى تشهده المناطق الشمالية بإتجاه العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى فى أواسط السودان .. وفى ظنى وإستنادا على ما ورد بعالية من حقائق فان التعايش السلمي أو التسامح الذى ننشده فى الغرب والجنوب السودانى لن يتأتى بالصورة التى تجلب الإستقرار المجتمعى المطلوب فى مثل هكذا المناطق إلا بمزيد من التصاهر والتزاوج البينىintermarriage بين قبائل الشمال المتسامحة وتلك القبائل المتشاكسة فى الغرب والجنوب وليكن معلوما لدينا بان حشد إرتال من رجال الشرطة والأمن فى دارفور أو الجنوب سوف لن يجلب الإستقرار المجتمعى المطلوب .. ووحده التصاهر البينى مع قليل من الإنتشار الشرطى كفيلان بمرور الزمن بتوطيد دعائم الإستقرار في تلك المناطق المضطربة إجتماعيا منذ زمن بعيد هذا وإذا كنت لا توافقنى على ما ذهبت إلية من طرح فى هذا السياق فارجو ان تسأل نفسك لماذا ينعم أهل الشمال بإستقرار إجتماعى مذهل ونقاط الشرطة تكاد تنعدم فيها ولماذا يضطرب الجنوب السوداني أو دارفو رغم إنتشار الألاف من رجال الشرطة العاديين وشرطة الإحتياطي المركزى والدفاع الشعبى والجيش وقوات الدرك والشرطة الشعبية والسجون الخ .. ولأن الشئ بالشئ يذكر فإننا نقول بان السمعة الطيبة التي يتمتع بها السودانى فى جميع بقاع الدنيا ويستفيد من مظلتها جميع السودانيين بكافة ولاياتهم المختلفة إنما بنيت على أكتاف السودانيين الشماليين لوحدهم ومهما حاول المتفلتون والمتمردين فى السودان تدمير هذا الإرث الحضارى المتميز الذى بناه الأسلاف إلا إننا نقول لهم هيهات هيهات فقد خاب مسعاك وقديما قيل لا يصح إلا الصحيح ..
فيصل طه / الرياض
|
|
|
|
|
|