|
خالد المبارك ومحمد مراد: ليس كل ما يهتف نضالاً بقلم عبد الله علي إبراهيم
|
05:03 AM Jun, 07 2015 سودانيز اون لاين عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA مكتبتى فى سودانيزاونلاين
سألت جمهور إحدي محاضراتي في 2006 في واشنطون:"من منكم قرأ الأستاذ على أفندي نور أو يعرف من هو؟" وخيم صمت. لم يتعرف عليه أحد. وأردفت ذلك بالسؤال: "من منك يعرف الشيخ بابكر بدري؟". وهمم الحضور بما فهمت أنهم استنكروا سؤالي واستجهالي لهم. وتابعت: "أنا آسف فلم أرد أن استفزكم بالسؤال عن هذا الرجل المعروف بالضرورة. ولكن سأعود بكم إلي عام 1938. فلو استدبرنا أمرنا 70 عاماً وسألتكم في ندوة بدار الخريجين بأم درمان هذا السؤال عن الرجلين لما جهل أي منكم المهندس على نور شاعر مؤتمر الخريجين بلا منازع وريحانة منابره. ولكنتم استنكرتم سؤالي عن بابكر بدري لا جهلاً به بل استخفافاً. فقد اشتهر بين أمثالكم من المناضلين في المؤتمر وغيره بأنه من المخلصين للاستعمار ولا يستحق ذكراً. وقال الدكتور عبد الله الطيب أنهم كانوا في كلية غردون التجهيزي إذا قالوا لك "يا مخلص" فقد طعنوا وطنيتك طعنة نجلاء. سنعود لهذه القصة بعد شهادتي بحق الدكتور خالد المبارك الذي رأينا الدكتور محمد مراد يعيد علينا ماثور الشيوعيين عنه وهو أنه ممن "خفت موازينه" بطلاقه للنضال وملازمة المستبدين. وحكى في السياق واقعة لم يحسن حكايتها عن فصله لطلاب أو اساتذة بمعهد الموسيقي والمسرح على عهده كمدير له في أوائل الثمانينات. من بين الفرص القليلة التي اسعدتني حين استقلت من الحزب الشيوعي في 1978 فرصة عضوية المجلس الأكاديمي لمعهد الموسيقي والمسرح التي وفرها لي خالد. كان معي الطيب زين العابدين والطيب حاج عطية. وغير خاف أن كانت تلك ذاكرة لخالد من عهد اتحاد طلاب جامعة الخرطوم أيام التمثيل النسبي. وأتاح لي ذلك التعرف كخالد في غير شرط الجامعة التي لم يبق فيها لسوى سنة حين دخلتها عام 1960. ولكنه كان صحوة قدوة. كنت أغبطه علي وقاره الجم وخلوه من عادات الشباب الشيوعيين من تدخين ومعاقرة بنت الحان. لقيته أول مرة في غبش مساء عند ممر النخيل الكاذب أمام المكتبة ورسخ عندي كصورة لرفيق أريد أن أكونه ويحول نزقي وتسخطي دون ذلك. وأذكر ضحي يوم جمعة تنادينا في "حشد" رفاقي لنتبرع بالدم لأمه إثر عملية جراحية بمستشفى الخرطوم. وكان بنك الدم حديث عهد يسقيك شراب البرتقال بعد دفق دمك في أنابيبه. لم أعرف متى وكيف خرج خالد من الحزب ولماذا وكيف. فالخروج من جماعة تُعرف نفسها بأنها "اتحاد طوعي لمناضلين" لا يستوجب التفتيش عن دخائل الناس. ولكنهم يقولون ذلك مكاء وتصدية. والحق أن الحزب "زواج كاثوليكي" وهي من أوائل العبارات التي سمعتها في أروقة الحزب بمعنى أن من يريد الخروج منه فباب الطلاق فاتح لا كما في الزواج الكاثوليكي. ولكن فهمت منه أنه يريد أن يفرغ بالكلية للخدمة الأكاديمية. وكان. وقد جاءت به هذه الخدمة مديراً لمعهد الموسيقي والمسرح في عهد وزيرها دفع الله الحاج يوسف، قد وضع لنفسه هدفين. أولهما أن يُقَوم شهادة المعهد وسط حمى رغبة كل طلاب التعليم فوق الثانوي الحصول على إجازة جامعية (لا دبلوم) التي تتنزل بهم في الدرجة "كيو" التي كان يستأثر بها خريجو جامعة الخرطوم حصرياً. وعاقبة هذه الحمي أن فقدنا كليات التدريب التكنولوجي والمهني بما أتفق للناس أنه كارثة التعليم التقني. وكان على المعهد، متى طلب الإجازة الجامعية أن يأخذها بشرها: أي بشروط التعليم العالي التي لا اعتبار فيها للموهبة. والموهبة عماد شغل المعهد. وقد كتبت عن هذا الشاغل مقالة عنوانها "معهد الموسيقي والمسرح: شَهد الموهبة وإبر الشهادة" نشرتها في كتابي "عبير الأمكنة". وقد أنجز خالد مهمة تقويم شهادة المعهد بما جمع بين الشهد والإبر بنجاح. كان شاغل خالد الثاني أن يبني مقراً خاصاً للمعهد. وكان المعهد على عهده، ولزمن بعده، "شايل بيتو" كما وصفته في مقال قديم. فهو أجري (في لغة أهل بري للمؤجر) طاف أنحاء العاصمة الأربعة على رجل كلب. وكان مطلب خالد في أن يكون للمعهد بيته الخاص في أصل خلافه مع الشيوعيين الذي ساء ثم ساء ثم ساء. وتداول مجلس إدارة المعهد بند تدبير الأرض الخاصة تلك وأجازها. وربما كانت عينهم على الأرض الخلاء آنذاك أمام شقق الجامعة والبنك العقاري المقابلة لمعسكر الجيش الرياضي. واتفق لهم أن أسرع طريقة لها هو أن يرعاها الرئيس نميري كجاري عادة الاستبداد. ولما بدا الاستعداد لمناسبة تبني الرئيس مشروع دار المعهد "نجر" الشيوعيين والطلاب. وقرر اتحاد الطلاب مقاطعة المناسبة. وتضامن معهم أساتذة شيوعيون ويساريون هم محمد شداد، وجعفر النصيري، ومامون زروق، وعوض سرالختم ممن عينهم خالد نفسه بالمعهد اعترافاً بالزمالة وبخبرتهم في المسرح التي كان هو طرفاً فيها بجامعة الخرطوم. وعينك لا ترى إلا النور. تدخل الأمن وجرى فصل الطلاب والأساتذة الذي يعاب خالد عليه. لقيت خالد خلال هذه المحنة. وأذكر له كلمة من تلك التي قدحت في فكري شرراً سياسياً مختلفاً. قال لي يا عبد الله ممكن جامعة الخرطوم دي تضرب وظلت تضرب بالطبع لنحو قرن. ولكن تعود بعد كل إضراب مؤسسة لا تستغني عنها البلاد. لكن المعهد دا لو أضرب يوم نميري ببساطة ممكن يشلعو لأنو مكتوب بقلم الرصاص في سجل ثقافتنا. وهو مكتوب بقلم الرصاص عند الناس الذين لم يتخلصوا بعد من الإزراء بالفنان كخالي شغل وصعلوك ومشخصاتي.
طرب ذهني لكلمة خالد. فهي من القول يصيب المقاصد الكلية ندرأ به عاجلة النضال الذي لا نعرف له مصرفاً سوى الاحتجاج حتى لو إنهد السما. لا تساوم ولو . . . ماعارف شنو وبطيخ. وفتحت الكلمة باباً إنتهيت به في مابعد إلى التفريق المفهومي ما بين المقاومة والنهضة. ففعل طلاب المعهد وأساتذتهم باب في المقاومة لا تثريب. ولكن قول خالد هو النهضة كمقاومة. لا يريد بموقفه المهني تسجيل موقف، أو إتباع عادة في لقاء المستبدين، بل أن يحفر للمعاني الغراء مثل تعليم الغناء والموسيقي حفراً يؤسسها لا في وجه الطاغية بل في وجه جمهرة كبيرة من الشعب نفسه تجدها تقول لك هو نعلم الناس طب وتكنولجا ولا غنا. فالمقاومة النهضة هي أن تعرف أن لك عدو ظاهر وعدو مدفون. وهذا طريق التغيير البطيء في تركيبة المجتمع لا في دست الحكم.نعم. ومعروف أن مؤسسة في علم جامعة الخرطوم وألمعيتها كانت قد طردت كلية الفنون من حظيرتها لتلزقها في معهد الخرطوم الفني الناشيء. Good Riddance ثم نعود لقصة بابكر بدري وعلى أفندي نور لنتأمل إن كانت المعارضة المقاومة قد استعدت لمثل خدمة خالد المهنية في الدولة لا تكلفه (ولا غيره من مثله) ما لاطاقة به، ولاتحمل عليه إصراً.
أحدث المقالات
- أبو خليل .. خاتم الزِفَريين! بقلم محمد رفعت الدومي 06-07-15, 04:59 AM, محمد رفعت الدومي
- حان الوقت لاستراتيجيّة جديدة بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر 06-07-15, 04:57 AM, ألون بن مئير
- مقاطعة إسرائيل لا تحرر أوطاناً بقلم د. فايز أبو شمالة 06-07-15, 04:54 AM, فايز أبو شمالة
- الفساد و التنمية بقلم ماهر هارون 06-07-15, 04:53 AM, ماهر هارون
- مدنية Vs. عسكرية ! بقلم م.أ ُبي عزالدين عوض 06-07-15, 03:53 AM, أ ُبي عزالدين عوض
- من يسمع شكوى العاجزين عن الكلام بقلم نورالدين مدني 06-07-15, 03:51 AM, نور الدين مدني
- دفع الفتيات كتعويضات لدى بعض القبائل العربية!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 06-07-15, 03:49 AM, فيصل الدابي المحامي
- هيَ وهوَ!! بقلم صلاح الدين عووضة 06-07-15, 03:48 AM, صلاح الدين عووضة
- جهاد الطلب وجهاد الدفع بقلم الطيب مصطفى 06-07-15, 03:47 AM, الطيب مصطفى
|
|
|
|
|
|