ما آل اليه اليوم حال هذا المارد الجبار بامكاناته المهولة فوق الأرضوتحتها جعل الكثيرين من أبناء السودان يحرّفون مثل هذا العنوان ويحولونالقاف فيه الى غين عمداً وعن قصد مشيرين الى أن الاستعمار مازال قائماًولكنه خلع البدلة والبنطلون ليرتدي الجلابية والعِمّة. لا بل ان بعضهؤلاء الكتّاب السودانيين ذهب الى أبعد من ذلك ونادى بضرورة عودةالاستعمار من جديد حتى ينصلح الحال وتستقيم الأمور , وبنظر هؤلاء – ومنيشاركونهم الرأي – ان هذا السودان لم ينعم بالاستقرار قط طوال سنياستقلاله منذ يناير 1956 , حيث تناوبته الدائرة الشريرة : انقلاب عسكريفديمقراطية قصيرة ثم انقلاب عسكري اخر فديموقراطية مشوهة .. وهكذا دواليكوالى اليوم . وقد كنتفي مقال سابق لي بعنوان : يوم مشهود في تاريخ السودان الحديث ) لخصتمادار في جلسة تاريخية للبرلمان يوم 19- 12- 1955 انتهت باجماع أعضائهعلى اعلان استقلال السودان من داخل البرلمان , حيث بدأ الشروع في تنفيذذلك الاعلان بقيام جمعية تأسيسية منتخبة من 13 عضوا تمثل كافة أطيافالشعب السوداني على الصعيدين السياسي والاجتماعي لتتولى نيابة عنه مساعيالتخلص من قبضة استعمار الحكم الثنائي البريطاني – المصري . ورغم زعم بعض مؤرخي تلك الحقبة بأن ذلكم الاستقلال انما كان منحةمن المستعمر جاءت بموجب اتفاقات هادئة بين أهل السياسة من السودانيينآنذاك وجنرالات ورجالات الحكم الثنائي الا أن كتابات آخرين أكدت أن معركةسياسية حامية كانت تدور بين الجانبين قادت في نهاية المطاف الىالاستقلال وبدء جلاء الجيوش الأجنبية من أرض السودان .وأيا كان – رأي هؤلاء أو أولئك – فان صبيحة 1-1-1956 كانت صبيحة دوّنتنفسها بأحرف من ذهب على صفحات الخلود ورقصت على ايقاعها جموع الشعبالسوداني ابتهاجا باعلان استقلال بلادهم وغروب شمس الامبراطورية التيكانت تتباهى بأن شمسها تلك لن تغب يوما.مؤتمر الخريجين ووفود سودانية تجوب العالم :بدأت المسيرة الحقيقية نحو استقلال السودان بقيام مؤتمر الخريجينالسودانيين عام 1946 والذي جمع تحت لوائه دهاقنة السياسة ورجالات الفكروالرأي من النخبة السودانية في ذلك الزمان وهم رجال شقوا طريقهم نحوغايتهم تلك وسط أمواج عاتيات تحيط بها الصخورمن كل جانب ونحتوا أسماءهمفي سجلات التاريخ على غرار ما حدث في ثورة 1924 بقيادة البطل السودانيالخالد علي عبد اللطيف . فقد تحدّت تلك النخبة – من قادة الحركة الوطنيةوفي شموخ واباء وكبرياء – كافة قرارات المستعمر التي هدفت لترسيخ حكمهواطالة امده هناك . وقد جاء ذلك التحدي في وقت لم يكن فيه للسودان صلةبالعالم الخارجي لاسماع صوته وكانت وكالات الأنباء الغربية كلها تقومعلى أساس خدمة أهداف الامبراطوية التي لا تغيب عنها الشمس بريطانيا .في يوم 22- 3- 1946 سافر وفد سوداني رفيع برئاسة الزعيم الخالد اسماعيلالأزهري رئيس مؤتمر الخريجين ورئيس حزب الأشقاء – أكبر الأحزاب وأكثرهاتنظيماً وشعبية – حيث اكتتبت جموع الشعب السوداني وجمعت الأموال تبرعالتمويل سفر الوفد بعد ان استقبلته استقبالا جماهيريا حارا في تجواله عبرمناطق السودان المختلفة وهو يبشر بالنبأ العظيم , وكان تلك الجموعالهادرة تهتف باسم السودان وبحياة هؤلاء الأبطال وفي مصر كان استقبالالوفد لا يقل حرارة مما حدا بالزعيم الأزهري أن يقف مخاطبا لهم قائلا :ان قضية السودان لن تحلها الا تلك الجماهير التي ودعتنا في الخرطوم وهذهالتي استقبلتنا هنا في القاهرة ) كان الغرض من سفرهذا الوفد أن يكون علىمقربة من مسرح المفاوضات التي بدأت هناك آنذاك بين كل من وزير الخارجيةالبريطاني ورئيس الوزراءالمصري بشأن الحراك السياسي المدعوم شعبيا الذيانتظم كافة انحاء السودان أملا في نيل استقلاله والتخلص من ربقة استعمارالحكم الثنائي . وفي اطار تدويل مطالبهم واطلاع دولالعالم عليها سافر أيضا وفد سوداني آخر برئاسة السيد الصديق المهدي –والد الصادق المهدي رئيس الوزارء الأسبق – الى كل من انجلترا وأميركاوفرنسا .. وقد كان لهذه التحركات الأثر الأكبر في التعجيل باستقلالالسودان . وهو ما تحقق فعلياً وبوعي وارادة سودانية خالصة ارتكزت علىالاجماع الوطني الذي تمثل في وحدة الصف والكلمة حتى أصبح الشعار الأوحدآنذاك هو ) السودان أولاً وأخيراً ) . فكان أعظم حدث شهده هذا البلد فيالقرن العشرين هو استرداد الحرية والكرامة ورفع علم السيادة واضعاً بذلكنهاية حقبة لاستعمار الحكم الثنائي البريطاني – المصري الذي دام نحو نصفقرن من الزمان . ولكن ييقى – في الختام – سؤال جوهري :هل حافظ السودانيون على استقلال ووحدة بلدهم ؟؟ .. وأين هم اليوم من تلكالروح التي سادت أولئك القادة التاريخيين الميامين ؟؟. أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة