|
حول الزندقة والإلحاد في الاسلام (3-5) بقلم محمد يوسف
|
ابن المقفع وتهمة الزندقة: ولد عبد الله بن المبارك الملقب بابن المقفع في عام 106 للهجرة في خرسان وكان مطلعا على الثقافة الفارسية والهندية واليونانية، بالإضافة إلى فصاحة بيانه العربي. عبد الله بن المقفع فارسي الأصل، وُلِد في قرية بفارس اسمها (جور) كان اسمه روزبه پور دادوand#1740;ه (روزبه بن دادوية)، وكنيته "أبا عمرو"، فلما أسلم تسمى بعبدالله وتكنى بأبى محمد ولقب أبوه بالمقفع لأن الحجاج بن يوسف الثقفى عاقبه فضربه على يديه حتى تقفعتا (أى تورمتا واعوجت أصابعهما ثم شلتا). وعاصر كلاً من الخلافة الأموية والعباسية. وله في الكتب المنقولة الأدب الصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به، والأدب الصغير حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة ومن أعماله أيضاً مقدمة كليلة ودمنة. اشتهر (عبد الله بن المقفع) بذكائه وكرمه وأخلاقه الحميدة ونستطيع أن نعرف عنه صدقه من خلال كتاباته وحبه للأصدقاء حتى قال:"ابذل لصديقك دمك ومالك" وذات مرة سُئل ابن المقفّع عن الأدب والأخلاق فقيل له: "من أدّبك"؟ فقال: "إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته". وقد اتهمه حساده بفساد دينه، وربما كان الاتهام واحد من أسباب مقتله. في ظل الدولة العباسية اتصل ابن المقفّع بعيسى بن علي عم السفاح والمنصور واستمر يعمل في خدمته حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور. والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور. وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين (عبد الله بن علي والمنصور) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فقال: "أما من أحد يكفينيه"؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر قيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور ويكرهه على أكل جسده مشويًا حتى مات. ولم ترد هذه الرواية في كتاب (اليتيمَة الثانَية في أخبار زيَاد وَالحجّاج والطالبين والبرامكة) في العقد الفريد لاحمد بن محمد بن عبدربه الأندلسي. وفي هذا الكتاب اورد اقوال من زعموا أن الحجاج كان كافرا. جاء فيه " ميمون بن مهران عن الأحلج، قال: قلت للشعبي: يزعم الناس أن الحجاج مؤمن. قال: مؤمن بالجبت والطاغوت(كل ما عبد من دون الله)، كافر بالله." ومما كفَّرت العلماءُ الحجاج، قوله ورأى الناس يطوفون بقبر رسول الله(ص ) ومنبره؛ إنما يطوفون بأعواد ورمة. وفي نفس الكتاب جاء " وكان عبد الملك كتب إلى الحجاج في أسرى الجماجم أن يعرضهم على السيف، فمن أقرّ منهم بالكفر بخروجه علينا فخلّ سبيله، ومن زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه ففعل، فلما عرضهم أٌتي بشيخ وشاب، فقال للشاب: أمؤمن أنت أم كافر؟ قال: بل كافر فقال الحجاج: لكن الشيخ لا يرضى بالكفر ! فقال له الشيخ: أعَن نفسي تخادعني يا حجاج؟ والله لو كان شيء أعظم من الكفر لرضيت به ! فضحك الحجاج وخلى سبيلهما." وكل من خالف وقال إنه ليس بكافر ضرب عنقه. كتاب "كليلة ودمنة" وسوف نتناوله فى مقال تالي وهو كتاب هندي ألأصل صنَّفه البراهما وكان يسمى قبل أن يترجم إلى اللغة العربية باسم الفصول الخمسة وهي مجموعة قصص رمزية ذات طابع يرتبط بالحكمة والأخلاق يرجح أنها تعود لأصول هندية مكتوب بالسنكسريتية (لغة قديمة في الهند وهي لغة طقوسية للهندوسية، والبوذية، والجانية.) وهي قصة الفيلسوف بيدبا. ويقال أن ابن المقفع أخذه من الفارسية وأُدرج فيه بابٌ جديد تحت عنوان (الفحص عن أمر دمنة)، وأُلحق به أربعةُ فصولٍ لم ترِدْ في النصّ الفارسي. يعتقد البعض إن تهمة الزندقة وجهت إليه كجزء من الخلافات السياسية داخل الأسرة العباسية ولكن البعض الآخر يرى في بعض من كتاباته وبالأخص في باب برزويه من كتاب كليلة ودمنة مؤشرات على الإلحاد حيث يقول "وجدت الأديان والملل كثيرة من أقوام ورثوها عن آبائهم وآخرين مكرهين عليها وآخرون يبتغون بها الدنيا ومنزلتها، فرأيت أن أواظب علماء كل ملة لعلي أعرف بذلك الحق من الباطل ففعلت ذلك وسألت ونظرت فلم أجد من أولئك أحدا إلا يزيد في مدح دينه وذم دين من خالفه ولم أجد عند أحد منهم عدلا وصدقا يعرفها ذو العقل ويرضى بها" استنادا إلى كتاب "المعلمين" للجاحظ الذي يصف ابن المقفع كالتالي "قد يكون الرجل يحسن الصنف والصنفين من العلم فيظن بنفسه عند ذلك كالذي إعترى الخليل بن أحمد بعد إحسانه في النحو والعروض إن إدعى العلم بالكلام وأوزان الأغاني فخرج من الجهل إلى مقدار لايبلغه إلا بخذلان الله تعالى". يوجد في كتاب التوحيد لإبن بابويه القمي رواية منسوبة إلى ابن المقفع مفاده أنه قال يوما إن الذين يطوفون حول الكعبة هم "رعاع وبهائم". يتبع .
محمد يوسف mailto:[email protected]@yahoo.com
|
|
|
|
|
|