|
حول الدور السياسى للقضاء الدستوري : الحق في التقاضي تصادره السلطة ام يسلبه القاضي ؟د. محمود شعراني
|
قد يستغرب البعض الحديث عن دور سياسي للقضاء الدستوري وهو عندي احد ركائز العملية الديمقراطية وان بداا منذ الوهلة الاولى كقضية قانونية بحتة وقد اشار الكثيرونا الى مخاطر تحصين قرارات السلطة التنفيذية من الرقابة القضائية ، وهذا عندى من اكبر معوقات ومهددات التحول الديمقراطي ذلك ان المحاكم الدستورية تعتبر من المكونات الضروريةللمجتمع الديقراطى ودورها الاهم حراسة الدستور الذى هو التعبير الحقيقي للارادة الشعبية ، ومن وجهة نظري فان للمحكمة الدستورية دورها السياسي اذ انها تستطيع عبر المراجعة القانونية ان تتخطي رغبات الاغلبية المؤقتة وذلك بالغاء او استبعاد القوانين التى اقرتها السلطة التشريعية المنتخبة بواسطة الاغلبية وكل ذلك وفقا للمبادىء والقيم المؤكد عليها في الدستور ونصوص الدستور هى آمرة وعلى المحكمة الدستورية ان تنتهج نهجا يتسق مع الموجهات الديمقراطية في الدستور حتى وان ادى ذلك الى ادخال القضاء في صراع مع السلطات الاخرى المنتخبة ( كماحدث في قضية حل الحزب الشيوعى 1965م ). وعندما تكون لغة الدستور ونصوصه واضحة فان التفسير لهذه النصوص ينبغي ان ياتى متسقا مع وثيقة الحقوق التى هى اهم باب في الدستور وهو القانون الاساسي والقاعدة التى ينبغي العملبمقتضاها وهو ما سمي بالقانون الاساس الا لانه ينص على الحقوق الاساسية ، وعليه فان اى توجه حقيقي لتفسير الدستو ريجب ان يحترم وثيقة الدستور في كل اجزائها بمعنى ان يكون هذا التوجه مخلصاا للدستور في مجمله . . . وضمان كل ذلك هو استقلال القضاء واستقلالية القضاة الذين على الرغم من ان تعيينهم يتم بواسطة رئاسة الجمهورية وفقا لتوحية من المفوضية القومية للهيئة القضائية وموافقة مجلس الولايات . . الا ان كل هذا لا يعنى انتقاصا من استقلاليتهم وانما هم يعملون وفقا لضمائرهم ورفيع سلوكهم ومسئوليتهم امام الله والشعب بعد ان ادوا القسم على احترام الدستور والقوانين ومراعاة موازين العدل والتجرد دونما رغبة او رهبة او محاباة وبهذا يكون للمحكمة الدستورية دور حقيقي في المجتمع الديمقراطي يتمثل في تجذير وتثبيت قيم العدالة المجردة وحقوق المواطنة والكرامة الانسانية في اداء يتميز بعمي الالوان – ان صح التعبير – فيعامل الجميع كافراد خاضعين لسيادة حكم القانون حكاماا كانوا او محكومين – وهذا كله ييعنى بالضرورة عدم المساس بحق التقاضي . طريق وفي هذا المضمار اريد ان اشير اولا ومن حيث التنظير المواد في الدستور قد لا ياتى وضعها متسقا مع وثيقة الحقوق ومع الدستور في كل اجزائه واعنى بهذا القواعد والنصوص التى تحكم العلاقة بين القضاء الدستورى والسلطة التنفيذية التى تتكون وفقا للدستور – من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ، فهذه العلاقة يجب ان تصاغ بصورة سليمة وصحيحة بحيث تحفظ استقلالية القضاة وتصون مبداء الفصل بين السلطات ، ولتوضيح ذلك نقول ان المادة 12(1) من الدستور الانتقالى تنص على ان تعيين رئيس المحكمة الدستورية يتم بواسطة رئيس الجمهورية وموافقة نائبه الاول – ويكون مساءلا – اى رئيس المحكمة الدستورية – لدى رئاسة الجمهرية ان هذا النص في منطوقة وتفسيره كفيل بان نيضع المحكمة الدستورية تحت عباءة ووصاية السلطة التنفيذية التى هى الجهة التى تعين القضاة وتحقق معهم وتعزلهم والذى يزيد هذه العلاقة بين السلطة التنفيذية والمحكمة الدستورية غموضا وابهاما هو ان المحكمة الدستورية نفسها تملك اختصاصا جنائيا في مواجهة رئيس الجمهورية والنائب الاول وذلك وفقا لنص المادة 122(2) من الدستور الانتقالى لسنة 2005. ان هذا النص مقرؤا مع المادة 12(1) من الدستور والوارد ذكرها آنفا يشير بكل وضوح الى ان المسالة امر متبادل بين السلطة التنفيذية والقضاء الدستورى فرئيس المحكمة الدستورية مساءل لدى رئاسة الجمهورية وبنفس المستوى تملك اختصاصا جنائيا في مواجهة رئيس الجمهورية ونلئبه الاول . . ولكن السؤال المشروع هنا هو : لمن تكون اليد الطولي والمهيمنة الراجحة ؟ والذى جعل من هذا السؤال سؤالا مشروعا هو ان الشق الاول من المادة 12(1) من الدستور يقرر ان تعيين قضاة المحكمة الدستورية يتم بواسطة السلطة التنفيذية وعليه فهل يستطيع المعين ( بضم الميم وفتح العين ) ان يحاسب ويواجه الجهة التى تعينه وتملك حق عزله ؟ كما ذكرت آنفا فان القواعد التى تحكم العلاقةبين القضاء الدستورى والسلطة التنفيذية يجب ان صاغ بصورة صحيحة وسليمة تحفظ للقضاة استقلاليتهم وعليه فان هذه القواعد يجب ان تصاغ بحيث تتم مساءلة وعزل قضاة المحكمة الدستورية عن طريق البرلمان ورئاسة الجمهورية معا ( وهذا مقترح نامل ان يجد حظه من النقاش الجاد من قبل السياسيين قبل القانونيين ) وقد يشكل هذا ضمانا لاستقلالية قضاة المحكمة الدستورية اكثر من انفراد السلطة التنفيذية بامر المساءلة والعزل وذلك منعا لاستغلال السلطة التنفيذية وهيمنتها على القضاء الدستورى وازدرائها باحكامه . . نقول هذا ونحن لانريد اعادة انتاج لازمة عانينا منها في السابق حيث كانت الحكوماتالوطنيةا المتعاقبة – مدنية كانت ام عسكرية – لاتحفل باحكام القضاء فتجعل منها احكاما غير ملزمة واحياناتقريرية وليس لها اثر قانونى واحيانا تزدريها وتعتبرها تدخلا لا رقابة على شئون الحكم في الجانب التشريعي والتنفيذى حتى ان القوانين كانت تسن لتلبي رغبات احزاب سياسية بعينها وهكذا اصبح المسار الطبيعى في الدولة هو العمل بالقوانين الفرعية واهمال الدستور . تلك كانت نمازج سابقة من اهدار الحقوق عن طريق قوانين وضعت لا لتحقيق العدل والانصاف وانما لغرض توفير الحماية السياسية السلطة التنفيذية احياناوعن طريق القضاء احيانا اخرى ، ولقد اشار بعضهم الي قوانين كقانوننقابات العماللسنة 2001 حول حق التقاضى وتصادره عن طريق اصدار القوانين كقانون نقابات العمال لسنة 2001م وقانون تنظيم الاتحادات المهنية وهى قوانين تجعل من قرارت السلطة التنفيذية قرارت قضائية ملزمة كقرارت المسجل العام للنقابات – وعندى انهاوسيلة لتقليل النقابات والاتحادات ولتحصين قرارت السلطة التنفيذية بل وتوفير الحماية لاعضائها بحيث لاتطال افعالهم الرقابة القضائية ومن امثلة تلك القوانين المصادرة لحق التقاضي في عهد الانقاذ القوانين الخاصة بالرسوم القضائية والتى تقف في كثير من الاحيان حائلا دون الحق الدستورى في التقاضي ومن واقع الممارسة العملية فقد تبين لي من خلال السير في إجراءاتاحدى الدعاوى المتعلقة بالتركات ان نصيب الهيئة القضائية من الرسوم يفوق النصيب الشرعى للوارث الواحد في التركة ! ! ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لاحكام المواريث . . . ولا ادرى لم يصمت دعاة الشريعة وعلماء السودان عن كل هذه الممارسات غير الشرعية بينما يهبون هبة رجل واحد لتكفير الناس وتهديد حيواتهم عبر بيانات مدفوعة القيمة تنشر وللاسف في الصحافة المحلية وقد قصد من كل ذلك توفير الحماية والغطاء السياسي للنظام حتى وان كان الثمن اهدار حق التقاضي عن طريق فرض الرسوم القضائية التعجيزية . ويبدو الامر اكثر غرابة حينما تفرض الرسوم القضائية الباهظة على اداء الواجب الوطنى ، ولقد سبق لي وان تقدمت بالطعن ( رقم م د / ع د / 46/2000 م) للمحكمة الدستورية ضد هيئة الانتخابات العامة طاعنا في قرارها القاضي باعتماد شرعية المرشحين عمر حسن البشير وجعفر محمد نميرى لرئاسة الجمهورية وقد طالبتني المحكمة الدستورية وقتها ووفقا للقانون بدفع رسوم للتقاضي تبلغ في جملتها اكثر من مليوني جنيه سوداني ولقد تقدمت بطلب للاعفاء من هذه الرسوم التى تشكل قيدا على اداء واجبي الدستوري كمواطن الى جانب واجباتي الدستورية كمحام ولكن كل كل جهودي ذهبت ادراج الرياح لان التقنين الخاص بالاعفاء من الرسوم يفرض شروطا قاسية لاثبات الفقر وعدم مقدرة المدعى على دفع الرسوم التقاضي التى بلغت في عهد الانقاذ مستوى عاليا من الكلفة يعجز حتى الاغنياء عن سداده ومن واقع التجربة فقد ترك الكثيرون من المتاقاضين حقوقهم خوفا من هذه الرسوم التعجيزية الباهظة وهكذا تتم مصادرة حق التقاضي وبموجب قانون غير دستوري يجعل من القضاء جابيا ينافس حتى مصلحة الجمارك حيث يصبح موردا من موارد الخزينة العامة ، علما بان الواجب الاول للقضاء هو تحقيق العدل ثم ان النظام القضائى في كل الدنيا يعمل بالخسارة- ان صح التعبير- ومن اجل هذا قام مبدا المساعدة القانونية وهو مبدا يتضمن اعفاء من له دعوى وثبت عجزه عن دفع الرسوم القضائية اما نهائيا او وقتيا ، وهذا المبدا يقوم على قواعد الانصاف والعدالة المطلقة ، والانصاف من الناحية القانونية مقابل للتقيد بنص القانون لانه عدل طبيعي وليس عدلا قانونيا وهو اسمي من القانون واكثر مرونة منه ، والفرق بين الانصاف والعدل هو ان الانصاف يوجب الحكم على الاشياء بحسب روح القانون في حين ان العدل يوجب الحكم علبها بحسب نص القانون ، ولكن القانون نفسه قد يكون جائرا ومهدرا للحقوق ومن اجل هذا قام مبدا الطعن في دستورية القوانين واللوائح وكل الاعمال التفيذية . ولكن لانعيد انتاج مثل هذه الازمات التى عاشها الشعب السوداني عبر عقود عديدة من الزمان فانه لابد ومنذ اليوم من اعمال مبدا الدستورية وبشفافية تامة لاعادة النظر في كل القوانين والاعمال التنفيذية التى تهدر الحقوق ومن بينها حق التقاضي الذى هو احد ركائز سيادة حكم القانون ولان الحقوق الاساسية لا تقبل التاجيل او التعطيل ولا تجدى في هذا الامر المماطلة ولا التاجيل او الاعتزار بتسوية الاوضاع السياسية اولا او التملص من قبل بعض منسوبي الحكومة بالقول بانهم لا يقاتلون معارك الاخرين علما بان الاخرين هم الشعب السوداني في مجمله في كل بقعة من بقاع السودان والذين هم يتحدثون مثل هذا الحديث لا يحق لهم ان يتحدثوا عن حكومة تسمى حكومة الوحدة الوطنية ولا ان يتحدثوا عن سودان جديد مساحته مليون ميل مربع وله ارتباط اقليمي يمتد من الاسكندرية الى نمولي ومن كسلا الى انجمينا . ان الذين يصنعون مثل هذا الصنيع انما هم بصدد معاقبةة الشعب السودانى كله والذى يريدون له ان يدفع ثمن اخطاء القادة السياسيين والعسكريين والدينيين ، وقد ظل الشعب السودانى- ومنذ يناير 1956 م يدفع ثمن هذه الاخطاء والخطايا من دمه وقوته ولكنه قد تعلم كثيرا بمثل هذه التجارب المريرة التى عاشها في اللحم والدم بعد ان تقاعس ابناؤهه من القادة السياسيين والمثقفين الا قليلا فلم ينهضوا في حقه بواجب التوعية بل حجبوا عنه المعلومات واجهضوا كل شعارات ثوراته المجيدة التى نادت بالوحدة الوطنية والديقطراطية وقد اصبح الوطنيونالاحرار غرباء في بلادهم بعد ان عزلوا واغتيلوا وابعدوا عن القضية الوطنية ولن نعيد اليوم انتاج الماساة فقد زاد وعي الشعب السوداني اليوم بحقوقه وزالت عنه الغشاوة بفضل هذه التجارب المريرة التى ابانت زيف الشعارات التى ترفع من قبل المتحكمين والمتسلطين من حكامه الذين لاهم لهم الا الجلوس على كراس الحكم ولكن هيهات فان الرهان على الشعب وحده : وليس كمثلك بين الشعوب جليل المهابة ماضي الفكر .. لك المجد والخير والتضحيات وبذل العزيز وما يدخر مكانك فوق الذرى الشامخات . .. وفوق السماك وفوق القمر .. تجنت عليك عوادى اللئام وجارت عليك ذئاب البشر . . .. ونارك تحت رماد الزمان ستلهبها ثورة تستعر . . صدقت وعيدك للمرجفين . . فهل يسمع المرجفون الخبر ؟ وهل انت مسمع من في القبور ؟ اذا كان في سامعيه الوقر !! ليعلم كل خفاف الرؤى .. بانك وحدك من ينتظر .. ملكت بكفيك مجد الشعوب حديثا وفي ماضيات السير . .
د. محمود شعراني رئيس المركز السوداني لدراسات حقوق الإنسان المقارنة
|
|
|
|
|
|