|
حول الأتفاق الإطارى الموقع بمدينة جدة
|
وقع السيد محمد عثمان الميرغنى رئيس التجمع الوطنى الديمقراطى إتفاق إطارى مع نائب رئيس سلطة الخرطوم السيد على عثمان محمد طه فى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية. فى محاولة للخروج من عنق الزجاجة التى ادخلتهم فيها أتفاقية مشاكوس و الضغوط الأمريكية و توابعها من دول اروبا، لوقف الحرب سعيا وراء البترول السودانى. وقد جاء فى هذا الأتفاق بعض النقاط التى يجمع عليها الشعب السودانى و كل المحبين للسلام مثل النقطة الثانية و الخامسة و السابعة وتتحدث عن المواطنة و حماية امن البلاد و الحكم الامركزى، و فى القسم الثانى النقطة الثالثة و السابعة و تتحدثا عن حقوق الأنسان و السياسات الخارجية للدولة المرتقبة، و فى القسم الأخير من الأتفاقية التاكيد على ضرورة ايجاد الية للحوار بين الحكومة و التجمع الوطنى الديمقراطى. هناك ايضا نقاط إيجابية اخرى ولكن تعودنا ان نجدها على الورق فقط و لا تمثل اى واقع ملموس فى الحياة اليومية ففى النقطة الثالثة من القسم الأول يتحدث الطرفان عن سيادة حكم القانون و إستقلال القضاء و الممارسة اليومية ترينا البعد الشاسع بين ما هو مكتوب وبين الواقع المعاش فحتى الجهاز القضائى لم يبق فيه الا دمى تحركها السلطة كأننا فى مسرح العرائس للأطفال. وقبل هذه النقطة تأتى النقطة الأولى فى الأتفاق حيث يدعم الطرفان إتفاق مشاكوس حول وحدة السودان و حق تقرير المصير و علاقة الدين بالدولة. و بالرجوع الى إتفاق مشاكوس نجد ان هذا الأتفاق يقسم السودان الى شمال اسلامى و جنوب مسيحى، و كذلك لم يتحدث عن حقوق الأنسان او إستقلال القضاء و سيادته. تأتى بعد ذلك نقطة مهمة فى مستقبل السودان حيث تنص الأتفاقية على ان " نظام الحكم فى السودان ديمقراطى يقوم على التعددية و جمهورى رئاسى يكفل التداول السلمى للسلطة " ان اول هذه الجملة " ديمقراطى يقوم على التعددية " كلنا نتوق الى ذلك، و منتصف الجملة " جمهورى رئاسى " يجب ما قبلها و ما بعدها، فهذا إنقلاب صريح على كل الحقوق و المكتسبات، حيث ان التجربة فى العالم الثالث تثبت ذلك، و لنا امثلة كثيرة فى مثل ذاك نظام ( مصر، سوريا، تونس، الجزائر) هذه فقط الدول العربية و امثلتها كثيرة فى افريقيا. حتى السودان ظل 16 عاما تحت حكم الدكتاتور نميرى باسم الجمهوربة الرئاسية. تلى هذه النقطة الحديث عن قومية القوات المسلحة و القوات النظامية بما فيها جهاز الأمن و بما لا يعنى تصفيتها او إلغائها. و اعتقد ان هذه النقطة ليس الا تكريس لنفس الجلادين و إضفاء الشرعية لهم. يتناول القسم الثانى من الأتفاقية حرية العمل السياسى و حرية الصحافة و الألتزام بالمواثيق الراعية لحقوق الإنسان، و كما اسلفت الواقع يعكس التطبيق الفعلى لهذه القيم النبيلة حيث تمنع الصحف و تغلق ويسجن الصحافيين و يعتقل السياسيين بدون اى تهمة توجه لهم، و مازالت صحيفة الأيام ممنوعة و مؤخرا أغلق مكتب قناة الجزيرة. كذلك يتناول هذا القسم السياسة الأقتصادية للدولة المرتقبة حيث تقول النقطة (ب – 5) إنتهاج سياسة إقتصادية متوازنة مع التاكيد على المضى قدما فى سياسات الأنفتاح بما يصل بالأقتصاد الوطنى الى إقتصاد السوق الحر. و كأننا نقرا برنامج السلطة و نهجها الحضارى فى أفقار الشعب و استمرار الخصخصة و إنعدام مجاينة التعليم و العلاج، وكما نرى الواقع تكريسا لتلك السياسات منذ الأنقلاب و الى الأن فملامح الميزانية الجديدة فى إتجاه السوق الحر فرضت ضرائب إضافية على المواطن البسيط و ارتفعب اسعار السكر و البترول بالرغم من ارتفاع الأيرادات العامة بنسبة 39% ومن المتوقع زيادة هذه النسبة عندما يرتفع الصادر اليومى من البترول خلال العام المقبل من 230 الف برميل الى 300 الف برميل و الذى يوفر حوالى مليار و نصف جنية سودانى يوميا. و لربما أرتأت السلطة الحاكمة ان تعوض ما قد تخسره من عائدات البترول عند إقتسامها له مع الحركة الشعبية لذلك فرضت هذه الزيادات. فى اخر القسم الثانى تندرج ثلاث نقاط مبهمة من حيث التعبير اللغوى حيث ان النقطة السادسة تقول "استقلال اللجنة الوطنية للأنتخابات و حيدتها" و النقطة التى تليها " قومية اللجان التى تكقل مراجعة الدستور" ، نلاحظ إختلاف الألفاظ " اللجنة الوطنية " و " قومية اللجان " فما الفرق و كلنا نعى مقدرة خلفاء الترابى باللعب بمعنى الألفاظ و تفاسير اللغة حتى يتملكك الأحساس بعدم إالمامك و لا حتى بالقليل من مبادئ اللغة العربية. اما النقطة الثالثة فهى " الألتزام برفع المظالم و دفع الضرر" ، أى ضرر هو المقصود و عن اى ظلم نتحدث و ما هو التعويض الذى ينسينا العذاب و التشريد و الذل الذى نحن فيه. اخيرا تذيل الوثيقة بأن الطرفان اتفقا على إيجاد آلية للحوار بين التجمع الوطنى الديمقراطى و السلطة و على قيام حكومة ذات قاعدة عريضة لتنفيذ ما جاء فى هذا الأتفاق. اعود مرة اخرى لأكرر نفس منطق اللعب بالألفاظ فمعنى حكومة ذات قاعدة عريضة تشمل كل الأحزاب السياسية السودانية و لا ادرى ما المقصود بها فى هذا السياق قد يكون غير ذلك. اما آلية الحوار مع التجمع فهى مبهمة و تحتمل كل التأويلات، فإذا كان السيد محمد عثمان وهو يمثل قمة التجمع يصل الى إتفاق بهذه البنود يختلف جذريا عن مبادئ التجمع و حتى مبادئ حزبه و وثيقة الأجماع الوطنى التى نادى بها التجمع قبل شهور معدودة. ان التجمع ما هو إلا حكومة سودانية فى المنفى تطرح قضايا و هموم المواطن و الوطن على مائدة المفاوضات و البحث لإيجاد حل لها و مراجعة سلبيات الماضى للخروج بحلول جاهزة ينقصها التطبيق على ارض الواقع، اما وثيقة الإجماع الوطنى فما هى فى نظرى سوى استفتاء حول مستقبل السودان و إعطاء مساحة للمواطن البسيط ليدلو بدلوه فى قضايانا الأساسية، و اعتقد ان تمسكنا بالتجمع و مبادئه و هذه الوثيقة هو اللبنة الأولى فى تحديد مستقبلنا و مستقبل الأجيال من بعدنا ووضع جدار فاصل يعزل الطغاة و ضعاف النفوس من التغول على حقوقنا و حقوق الأخرين و حفظ كرامتنا و كرامة وطننا الغالى. د/ محمد شمام هولندا [email protected]
|
|
|
|
|
|