|
حوار المستقبل مع الحزب : علامات العقم! بقلم محمد قواص / ميدل ايست أونلاين
|
يتسلى سياسيو لبنان في التقليعة المترجلة حديثاً عن حوار ميمون بين "مستقبل" و"حزب". والتسليةُ لا تنسحبُ على اللبنانيين، ذلك أنهم منشغلون بهموم أخرى، ليس أولها سقوط جنود البلد الأسرى الواحد تلو الآخر، ولا آخرها استغراقهم في ضجيج الأعياد التي يزيدونها ضجيجاً. يتقدمُ تعبيرُ التسلية كونه الوصف الوحيد، وربما الوصفة، للمشروع الذي أخرجه سعد الحريري في اطلالته التلفزيونية الأخيرة. تُستنتجُ التسلية من تهافت السياسيين على إطلاق التصريحات المرحّبة، كأنهم يستيقظون على اختراع عالمي لم تشهده البشرية من قبل، أو كأن تلك الفكرة لم تخطر ببال أحد، ذلك أنها نادرة معقّدة قلما أدركها حيٌ يرزق. وتحضُر التسلية في ادعاء الطبقة السياسية انبهارها من الحدث اللافت الذي حمله الحريري "عند مارسيل"، فراحت تتبرعُ بنفاق التفاؤل والتغني بـ "عين الصواب" واكتشاف أن الحريري "رجل دولة." بشكل تقليدي بليد وممل حضّر تيار المستقبل اطلالة زعيمه. تحدّث وجهاؤه عن ضرورات الحوار وحكمة مكانته، لكنه (أي التيار)، كما بقية تيارات البلد، انتظر إطلالة الزعيم لكي يتحوّل النظري إلى عملي، وينتقل الأمر من درجة الأفكار إلى أفران الطبخ والابداع. ومع أن ضجيج الـ "ما قبل" ينضحُ بما انتجه الـ "ما بعد"، إلا أن ساسة البلد، متواطئون، ركبوا الموجة الجديدة، ربما للادعاء بلعب أدوار تعطيهم شرعية وجود، بعد أن مثّل التجديد للبرلمان أحد وجوه لزوم ما لا يلزم، وبعد أن سحب العامل الإقليمي من أقطاب البلد أي وزن فاعل في التأثير على يومياته او في استشراف رذاذ من مستقبله. ماذا يملك تيار المستقبل غير الحوار مع حزب الله؟ يمسكُ الحزب بزمام المبادرة السياسية والعسكرية. يتدخلُ علنياً في الداخل السوري ويفاوضُ لإطلاق أسراه خارج سياق الدولة وأصولها. والحزب جزءٌ من منظومة سياسية إقليمية تقودها طهران، تُدلي بدلو وفير الماء في ميادين البحرين واليمن والعراق وسوريا ودول أخرى، فيما المجتمع الدولي يجهد لاتفاق مع جمهورية الوليّ الفقيه. والحزب هو من يقررُ شلّ البلد في "وسط البلد"، وهو من يقررُ حسم التوازنات في "7 أيار"، وهو من يقررُ الانقلاب على حكومة سعد الحريري وفرض حكومة نجيب ميقاتي، والحزب، على ما يبدو، مسؤولٌ عن ابعاد الحريري كما عن عودته. تتشارك طهران مع واشنطن والمجتمع الدولي في التصدي لداعش ودولة البغدادي. وفي المشاركة الإيرانية، المعلنة أخيراً، تعايشٌ مع دول خليجية أخرى في خندق التحالف الدولي ضد داعش. يستفيدُ نظام بشار الأسد من الجهد الدولي الجوي، على ما تبرّم منه وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هيغل، فيما المقاربة الأميركية - الغربية، لا سيما في سوريا، تروم عدم استفزاز إيران أو المضي عكس مصالحها. في ذلك، يظهرُ حزب الله في موقع فوقيّ ينبغي الصعود نحوه لممارسة هوايات التفاوض. يحددُ حزب الله شكل علاقته بالدولة التي يدعو إليها سعد الحريري وتياره. يختارُ الحزب مواقيت السماح لتلك الدولة في التدخل في مناطق نفوذه، كما يختارُ شكل الحكومة التي يطيب له التعايش معها، وداخلها. وفق تلك المواقيت، ينزع الحزب التغطية عن علي ورفعت عيد في جبل محسن شمالاً، أو يسمحُ لمزاج وزير الصحة وائل أبو فاعور أن يتسللَ إلى مناطقه، أو يغضّ الطرف عن "حزم" وزير الداخلية نهاد المشنوق في يعض المواقف وفي بعض المناطق وفي بعض الأوقات. لا يحتاج حزب الله لسلم ينزله عن الشجرة السورية العالية. أولاً، لأنه لا يريد ذلك، ثانياً، لأن أمر ذلك يُقرر في طهران، وثالثاً، لأن المزاج الدولي (والعربي) يذهب مذهبه في مكافحة "قوى التطرف والتكفير". ولا يظهرُ أن تحرّج جمهور الحزب، والشيعة عامة في لبنان، وصل إلى حدّ التبرّم أو الامتعاض المقلق. الأمر ما زال تحت السيطرة وما زال الجمع يحلف بعباءة السيّد. وإذا ما كانت الرياض قد بدأت التعاطي مع بغداد بإيجابية، أو عقلنت اتصالاتها مع إيران، لا سيما في لبنان، بيْد أن استراتيجيتيّ البلدين متناقضتان متنافستان لا يفسرها حماسُ الحريري لمدّ اليد لحزب الله. بين "المستقبل" وحزب الله حكاية دراماتيكية طويلة. المحكمة الدولية مستمرةٌ في محاكمة متهمين ينتمون لحزب الله بجرم اغتيال الرفيق الحريري. الحزب فرض على التيار بالقوة والسلاح خيار اتفاق الدوحة. والحزب خرج بعد أيام من اغتيال رفيق الحريري ليقود مسيرة وفاء لسوريا الأسد. والحزب منخرطّ، ودون حرج، في القتال إلى جانب نظام دمشق. والحزب هو المسؤول المباشر عن إخراج زعيم "المستقبل" من الحكم، وبعد ذلك من البلد. فإذا ما تقدّم الحريري بوعاء الحوار، فمؤنة ذلك ليست حاجة عند الحزب ولا هو ساع لها. يستطيع السيدّ حسن نصرالله أن ينعمَ بصوابية خيارات حزبه، حيث يأتيه الخصم محاوراً، أي تحت سقف تلك الخيارات. لا يختلفُ حزب الله مع تيار المستقبل على السياسات الزراعية أو التربوية أو البيئية أو حتى المالية. فالحزبان متعايشان بنجاح لافت ضمن حكومة تمام سلام. تتراكمُ الخلاف في ملفات يبدو أن الحوار العتيد سيتجنبها أو سيأتيها مواربة، بما يجرُّ ماءً وفيرا إلى طاحونة الحزب. وإذا ما كان هدفُ الحوار ليس انتخاب رئيس للجمهورية، حسب تصريحات الحريري، فلأن أمر ذلك متعلّق بتلك الملفات الإقليمية العسيرة التي لا تحسم في حارة حريك. حوارُ الحزب والتيار واقعٌ داخل الحكومة اللبنانية كل يوم، والتنسيقُ الأمني بين الحزب ووزراء التيار حاصلٌ بحكم الأمر الواقع، وهذا ليس سراً ولا يجري في الخفاء. اسباب تتعلقُ بحزب الله وسياسات إيران هي التي أمّلت الاستغناء عن حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي. حسابات تتعلقُ بحزب الله وأجندة إيران هي التي منحت صقور تيار المستقبل وزارات سيادية مهمة داخل حكومة برئاسة تمام سلام. كل ذلك جرى دون ذلك الحوار الذي يبشّر به سيّد "المستقبل". فما الذي قد يحمله الحوار المتوخى؟ للاحتقان السني الشيعي أسبابٌ تتجاوز التفصيل اللبناني وحده لا يخفف منها حوار يتجنب الخوض في أصل العلّة. وإذا ما كان جمهور الحزب ملتصقٌ مخلص للحزب مطيع لخياراته، فالأمر ليس كذلك في علاقة "المستقبل" بجمهوره، وقد تعب ذلك الجمهور من مزاجيات قيادة "التيار" التي تقحمه في المعارك الخاسرة، وهو لا شك يرى في الدعوة للحوار مع الحزب مناورة خارج سياق المكان والزمان. وإذا ما كان الحريري يروم حواراً ينقذ البلد ومؤسساته، فإن الاختلال الدراماتيكي لتوازن القوى لصالح حزب الله وذراعه العسكرية يكشف هوية من يهدد البلد ومؤسساته. وهو اختلال يبتسم له الحزب ويعمل على تعظيمه، ولن يسمح لحوار الساعة أن يربك خطط العقود. أمر الحوار لا يقنع الحزب وحلفاؤه، ولا يقنع المستقبل ومعسكره. وأمر الحوار يكشفُ علّة مقلقة في قيادة العمل السياسي المتناقض مع حزب الله. يتقدّم الحريري مستغنيا عن مرشحه للرئاسة مقابل شخصية توافقية، فيما لا يبدو أن الحزب متنازل عن مرشحه الذي يمثّل تفوقه ويعكس فائض القوة لديه. وما لا يحترم العقل تسويق الحوار على أنه لتدبير مسائل الداخل وتحصينه من عواصف الداخل. أليست أزمة الداخل سببها هذا الانكشاف الكامل للخارج؟ أليس تحرك قوات الحزب باتجاه سوريا (والعراق) وانتقال المسلحين من سوريا الى الداخل اللبناني اختلاط للخارج بأمر الداخل؟ أليست الحرب ضد داعش والنصرة وتوابعها شأن يطل بقوة على توازن الداخل؟ ثم كيف لحوار المحليين ألا يتواكب مع مزاج إقليمي دولي ينفخ بهذا الاتجاه. الحوار فاشل قبل حصوله، كفشل حوارات بعبدا بعد حصولها، والدعوة إليه تعكس افلاساً وعقماً في اجتراح أفكار خلاقة. هو هدية مجانية لحزب الله، والأنكى أنها بمجانيتها، هدية غير مرحب بها. محمد قواص صحافي وكاتب سياسي
|
|
|
|
|
|