|
حوار "من حضر".. اللعب بالبيضة والحجر! - بقلم يوسف الجلال
|
سيقول المؤتمر الوطني، إنه حادب على إنهاء الأزمة السودانية. وسيمضي إلى أبعد من ذلك، ويقول إنه حريص على حدوث إجماع وتوافق سوداني يقود لتفكيك أمهات القضايا السودانية، وحلها حلاً جذرياً، يضع البلاد والعباد على أعتاب مرحلة جديدة.. سيقول الحزب الحاكم كل ذلك، وربما يزيد عليه، بقوله إن الرئيس البشير عندما طرح مبادرة "الوثبة"، كان يهدف – بصورة أساسية - إلى تحقيق هذه الغايات الوطنية النبيلة..! لكن الواقع يشيء بأن ما يحدث حالياً في المشهد السياسي والحواري، يُجانب أحاديث المؤتمر الوطني المُدّعاة، ويخالف مواقف الحزب الحاكم المزعومة..!
فقد ظل المؤتمر الوطني، يروّج طوال الشهور التي أعقبت "خطاب" الوثبة السريالي، بأنه أزفت ساعة التوافق السوداني على كلمة سواء، لإنهاء حالة الاقتسام والشتات، ولوقف نزيف الدم السوداني المُسال بلا وعي في نواحي الوطن الممتدة. لكن المؤتمر الوطني نفسه، سرعان ما يأتي وينكص عن وعوده السياسية القائلة بضرورة إجراء حوار وطني دون إقصاء لأيِ من المكونات السياسية، بما فيها التشكيلات التي تحمل السلاح.
انظر إلى قادة المؤتمر الوطني تجد أنهم يتقلبون في الموقف، ويبدلون الألسنة وفقاً لمقتضى الحال، أو وفقاً لاشتهاءات تنظيمية عليا. ففي الوقت الذي يتحدث فيه نائب رئيس المؤتمر الوطني إبراهيم غندور ورئيس القطاع السياسي الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل بلغة وفاقية مُهادنة، يأتي رئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير لينسف هذه اللغة ويحيلها إلى متاحف التأريخ. فمنذ أن خرج البشير إلى الملأ، وأعلن أنه ما من سبيل لعودة رئيس حزب الأمة الصادق المهدي إلى السودان، ما لم يمثُل أمام محكمة جنائية لتقرر بشأن توقيعه على (إعلان باريس) مع الجبهة الثورية، مذاك الحين، سارع كثير من قادة المؤتمر الوطني لبلع أحاديثهم الوفاقية، وحصائد ألسنتهم السياسية المهادنة، وقاموا بتبديلها بأخرى أكثر غلظة وأشد فظاظة، حتى أضحى الخطاب العام للحزب الحاكم في مجمله منفراً، وطارداً، بل وناسفاً لأيما فرصة للتقارب والإجماع الوطني. لتأتي قاصمة الظهر من خلال حديث الرئيس البشير الذي جزم فيه بأن الحوار الوطني سيلتئم "بمن حضر..!".
وظني أن "حوار من حضر" الذي قطع البشير بحدوثه، لن يكون سبباً في حل الأزمة السودانية، وإنما سيزيدها تعقيداً. بل إنه سيكون بمثابة تأكيد لحديث المعارضة التي تتحدث عن أن الحوار الوطني قُبر في مدافن أحمد شرفي. وهذا يعني أن الحوار الذي ينتوي المؤتمر الوطني تدشينه في مقبلات اليوم سيكون تكراراً لحالة الأزمة، واستنساخاً لمؤتمرات طرحها الحزب الحاكم، من أجل لإنهاء الأزمة السودانية، لكنها لم تثمر سوى المزيد من العقيدات، لكونها جاءت معزولة، ولكونها لم تكن بمشاركة الأحزاب ذات التجربة الراسخة. وهو ذات السيناريو الذي سيتكرر في "حوار من حضر". لأن هذا الحوار بهذه الطريقة، سيكون محل مقاطعة حتى من قبل الأحزاب التي أعلنت - في وقت سابق - مشاركتها في الحوار الوطني.. بصراحة، "حوار من حضر" لن يسر بشر، وسيكون مثل اللعب بالبيضة والحجر.
|
|
|
|
|
|