|
حنتوب الجميلة 1949- 1952 : أبو بكر أفندي صالح الأستاذ الطيب علي السلاوي
|
حنتوب الجميلة 1949- 1952 : أبو بكر أفندي صالح الأستاذ الطيب علي السلاوي 8-12 دخلت مدرسة حنتوب الثانوية في يناير 1949. وفي بداية العام الدراسي بمدرسة منتصف يناير 1950، حين كان العام الدراسي يبدأ في يناير، فوجئنا في حنتوب بوجود ناظرنا في مدرسة ودمدني الأهلية الوسطي أبو بكر أفندي صالح. عمل الأستاذ أبوبكر ناظراً للقسم الشرقي في مدرسة ود مدني الأهلية الوسطي خلال النصف الأول من عام 1945. فقد جاءها منتدبا لفترة قصيرة من مصلحة المعارف إلى حين إكمال الأستاذ مصطفي أبو شرف فترة تدريبية في مدرسة أمدرمان الأميرية الوسطىى، فعاد بعدها كل من الرجلين إلى موقعه في المدارس الوسطي. كان الأستاذ أبوبكرصارم القسمات ، توجس خِيفةً كل من شاهده بين المعلمين في الاجتماع الصباحي أو رآه وافقاً داخل الفصول الدراسية خلال ذلك النهار. سرت سيرته وخبره سريان النار في الهشيم بين الطلاب خاصة بين الذين سبق لهم به لقاء أو تجربة سابقة في مدرسة من المدارس. لن انسَ ما أنسى صفعته على وجهي، وقد سبقتها لكمة تحت فكي أدمت لساني فترة طويلة من ذلك النهار القائظ المشؤوم من عام 1945. تخرج الأستاذ أبوبكرصالح في قسم المحاسبين في كلية غردون في ديسمبر 1930، كان ووالدي في دفعة واحدة، عليهما رحمة الله. وظل يعمل في مختلف مواقع الحسابات في مصلحة المالية وفي غيرها من الوحدات الحسابية إلى أن استقر به المقام في قسم الحسابات في رئاسة مصلحة المعارف. ثم تحول إلى كادر المدرسين حينما أعلنت مصلحة المعارف عن حاجتها إلى معلمين لسد النقص في مدارسها الوسطى التي بدأ عددها يتزايد ولم تتمكن كلية غردون من إيفائها بما كانت تحتاجه من خريجي قسم المعلمين. وبحكم معرفة القائمين على أمر التعليم آنذلك بالرجل وحزمه وصرامته أثناء فترة عمله في قسم الحسابت، اُختيرمع آخرين من مختلف المصالح الحكومية للعمل في مصلحة المعارف في عام 1936 بين صفوف المعلمين . وأُتيحت له فرص التدريب وممارسة التدريس في المدارس الوسطى إلى أن كانت حنتوب باكورة محطات عمله في المدارس الثانوية معلّماً للغة الإنجليزية. انحصر نشاطه التعليمي في تدريس طلاب السنتين الأولى والثانية، فقد كان مهمة تدريس طلاب ثالثة ورابعة توكل لدهاقنة قدامي المعلمين البريطانيين. ولكن شاء حظ ساكني داخلية "مك نمر" لهم أن أن يكون أبو بكر أفندي صالح خلفاً لعبد الحليم أفندي على طه مفتشاً "تيوتر" للداخلية tutor . عرف ساكنو "مك نمر" وغيرهم ممن جلسوا إلى حلقات درسه على مدي العامين اللذين قضاهما في حنتوب العين الحمرا واليد الباطشة بمؤخراتهم خاصة خلال فترات المذاكرة المسائية عندما يكون أبو بكر أفندي "ماستر اون ديوتي" master on duty . لن أبالغ أن قلت إن كل من كان وما كان في حنتوب كان يعمل حسابو ويلتزم حدود الأدب والنظام والانضباط. فكانوا يدخلون إلى الفصول قبل الجرس الثاني والبقاء داخلها إلى جانب طاعة ألفوات الفصول وتحاشي انفعالاتهم أو إثارة حنقهم وجنوحهم نحو تصفية الحسابات قديمها حديثها . ومن لم يعمل ألف حساب لتلك الأمسية فسيجد نفسه لا محالة نائماً على "الكنبة" داخل المكتب الواقع بين شعبة اللغة الإنجليزية ومكتب أمين المدرسة "البيرسر" الذي يفصل بينه وبين مكتب الناظر المدخل الرئيسي تحت البرج. كان أول من جاءنا نبأ زيارته إلى ذلك المكان أحد الأخوة الصوماليين الذي وجده الأستاذ أبوبكرأثناء تجواله في نزاع وجدال مع "ألفة" الفصل الذي تبيّن لاحقاً أنه كان كثير التحدي له . وعلى الفور تيقن المسكين أنه لا محالة "نائم" على الأريكة رغم محاولاته لشرح وتبيان الأمرللأستاذ. ولكن هيهات لذلك أن ينجيه .وقد قص الصومالي الطيب القلب تجربته المريرة تلك على زملائه ذلك المساء ذاكراً أنه ما أن أحس باللسعة الأولى، التي لم يكن يتوقعها او ربما لم يكن قد تذوق عسيلتها من قبل، وقعت كالجمرة على مؤخرته فأطارت صوابه فانتفض واقفاً وهو يردد الشهادتين. وكلما وقف يأمره الأستاذ بالعودة إلى الكنبة حتى اكتمل عدد الضربات التي لم تكن تقل عن الست باي حال من الأحوال ومهما كان الجرم صغيراً. لا شن الصومإلى المسكين لم يتسن له ان ينام على ظهره فترة من الزمان. كانت أيام "ديوتي ماسترشب" duty mastershipالأستاذ أبي بكر تعرف منذ الظهيرة بتناوله وزميله الذي يشاركه الأشراف اليومي وجبة الغداء في معية المستر براون في قاعة االطعام .لم يكن الأستاذ أبوبكر يفرق بين الطلاب عند توقيعه العقوبة البدنية. فالطلاب من "السينيرز" (طلاب السنتين الثالثة والرابعة) أو" الجونيرز"(طلاب السنتين الأولى والثانية) أوحتي رؤساء الداخليات عنده سواء. فما كان له أن يتجاوز عن أخطاء كل من وقع بشر عمله تحت طائلة القانون والضوابط. كنا نقول أن لو وقع دبوس في أي موقع في حنتوب سيُسمع رنينه في مكتبة سودان بوكشوب في ودمدني. كان الصمت المطبق يعم كل أرجاء حنتوب لا يقطعه إلارنين الجرس على يد مصطفي ساتي حسب المواقيت. ولعله من الجدير بالذكر أن توقيع العقوبة البدنية كان قصراً على المعلمين سودانيين أو إنجليز فقط حيث أنه لم يكن هناك من الصولات سوي " شاويش" محمد محمود الذي كانت مهامه تنحصر في قيامه بتدريب طلاب "الكديت" الفرقة العسكرية والأشراف على كل المعدات والمهمات العسكريه إلى جانب الأدوات الرياضية بأنواعها االمختلفة. كان بعض ممن جلسوا إلى حلقات درس الأستاذ أبي بكر أفندي صالح يتندرون على طريقة تدريسه. فقد كان يؤثر الجلوس على منصة الفصل وإن أراد الكتابة على السبوره التفت بشقه الأعلى نحو السبورة وطالها دون أن يبرح كرسيه. كان الأستاذ أبوبكر الوحيد من بين معلمي اللغة الإنجليزية الذي يشير على الطلاب بالعودة إلى القاموس"الدكشنري" إن كانوا في حاجة إلى معرفة معاني المفردات، وذلك بعكس المعلمين الآخرين الذين كانوا ينصحون طلابهم بعدم الاعتماد على القاموس، ويحثونهم على السعي إلى فهم المعني من سياق المكتوب. لم يبق أبو بكر أفندي صالح بين ظهرانينا طويلاً في حنتوب إذ نُقل إلى رئاسة الوزارة، فلربما كان ذلك استجابة لرغبة المستر براون الذي لم يكن ليخطئ تبرّم الأستاذ أبي بكر البائن على وجهه بالعمل في حنتوب. وظل الأستاذ أبوبكر يواصل عمله في رئاسة الوزارة ردحا طويلاً من الزمان مسؤولا عن الإمدادات التعليمية بعد أن ظل بواصل رفضه وتنازله عن اي ترقية وظيفية تفضي إلى نقله خارج الخرطوم إلى أن تقاعد عن الخدمة في منتصف الستينات وانقطعت صلته بالتعليم والمعلمين إلا من نفر قليل ومحدود من قدامي زملائه، إلى أن لقي ربه في صمت وبعاد عن الناس، رحمه الله في عليائه.
|
|
|
|
|
|