|
حنتوب الجميلة (1949-1952): الأستاذ أمين زيدان
|
الأستاذ الطيب السلاوي (شرعت في الحديث عن شعبة الرياضيات بحنتوب الثانوية التي دخلتها عام 1949 وتخرجت فيعا عام 1952. وأحكي لكم اليوم عن الأستاذ أمين زيدان، الذي صار في ما بعد كاتب مجلس الشيوخ السوداني (1954-1958) الرصيف لمجلس النواب في دولة الحكم الذاتي. وأطيل في حق هذا المعلم البديع)
عدنا سراعًا من معمل العلوم فيما بعد الثانية عشرة ظهرًا بقليل إلى القاعة الكبرى فصلنا إولى كولمبس لنبقى فيها فترة من الزمن لم تتعد الخمس دقائق لننطلق إلى فصل أولى ابن سينا الكائن في بداية مصفوفة أربعة من فصول السنة الأولى (ابن سينا.. ليوناردو.. نيوتن.. وشكسبير ،الذى كان مقرًا للطلاب المقبولين مع رفاق دربهم طلاب ابن سينا والذين سينتقلون للدراسة في خورطقت ). فصل أولى ابن سينا كان مجاورًا لمكتب نفر من معلمس اللغة العربية في ذلك العام ليصبح مقرًا لمعلمي الجغرافيا لسنوات ، وكان مقرًا لدراستنا مادة الرياضيات خلال الأسبوع باكمله.. هكذا كان قدرنا إلى حين نحن طلاب "الفلوتنق كولمبس" Floating Columbus. لأول مرة في مسار حياتنا الدراسية لتمانية أعوام خلت نتلقى درسًا في مادة "الحساب" أو أخواتها في غير الحصة الأولى من اليوم الدراسي . وثمة شيء غريب آخر تجلّى لنا في ذلك اليوم الأول ، وهو دراسة رياضيات (حساب) في الحصة السادسه!! وكمان بالإنجليزي. شيء جديد في كل لحظة ، وقبل أن ندلف إلى داخل الفصل كان لنا لقاء عند مدخل الفصل مع معلم الرياضيات الأستاذ أمين زيدان . كان حسن المنظر، يشع من وجهه ذكاء وقّاد حالما تقع عيناك عليه. رغم انه كان يبدو في بداية الأربعينات من عمره إلا أنه عندما تقدمنا وسرنا خلفه من أمام الفصل ،حسبما طلب منا، تبين لنا أنه لا يزال يتمتع بقدر وفير من مياه الشباب التى كانت لا تزال وما تنفك تجد طريقها تجوالأ في أوصاله.( وعرفنا فيما بعد أنه كان أول دفعته عندما تخرج في قسم المدرسين بكلية غردون في ديسمبر 1929 ). وما أن عدنا من رحلتنا معه إلى مخزن الرياضيات حيث تسلم كل منا حزمة من تلاثة كتب : كتاب الهندسه و كتاب الجبر وثالثهما كتاب الحساب (الأريثماتيك) مع ثلاثة كراسات في حجم كراسة العلوم التى كنا قد تسلمناها قبل ساعات قلائل. جلس كل منا على أقرب مقعد ودرج دون اهتمام بالموقع. تحدث الأستاذ مرحّبا بنا في خليط من الإنجليزية والعربية الدارجة السودانية وبين لنا حصص دروس الهندسة والجبر والحساب خلال الست حصص الأسبوعية في ذات المكان.ومن ثم بدأ فيما تبقى من زمان تلك الحصة بأُولى النظريات الهندسية الواردة في كتاب الهندسة التى تفيد أنه "عند التقاء خط مستقيم وقوفا على خط مستقيم آخر فأن مجموع درجات الزاويتين المتكونتين نتيجة هذا اللقاء يساوي 180 درجه “If a straight line stands on another, the sum of the 2 adjacent angles so formed equal 180 degrees. كانت تلك الأربعون دقيقة قبيل نهاية ذلك اليوم الدراسى الأول بداية سعيدة للقاء أسعد دام سنين عددًا بمعلم فريد ووالد كريم هو أستاذ الأجيال أمين زيدان .كان رحمه الله إلى طول القامة أقرب في بياض لون "على الدبلان يزيد" ممتلىء البنية وصحيحها في اعتدال . يسير في خطوات متسارعة يرتدي على الدوام رداءً قصيرًا من الكاكي أو الدمور يتدلى إلى الركبة أو ما فوقها قليلا. ويرتدي القميص ذى الأيادي القصيرة وينتعل الحذاء مع الجورب (الشّرّاب)الطويل المتسق مع لون رداء اليوم . سبرالرجل أغوار مادة الرياضيات أولية وإضافية فضلا عن تمكنه من ناصية اللغة الإنجليزية التى كان كثيرًا ما يتطرق إلى جذور مفرداتها سواء كانت أو لم تكن ذات صلة بالرياضيات. يشرح معانيها في مختلف المواقع والسياقات حتى لنحسب أنه فارس الإنكليزية وواحدها. وقد وردت سيرة الأستاذ أمين زيدان مرة على لسان والدي، رحمه الله، وكان كثيرًا ما بجتر ذكرياته عن أيام دراسته في كلية عردون عن زملائه ومعاصريه فيها. فذكر في سيرة الأستاذ أنه أمين زيدان كان يتقدمه بعام واحد وقد بزغ نجمه وعلا ذكره بين "القبلو ووراه"من رفاق دربه . فقد حاز قصب السبق من بين أولاد دفعته..وبعد سنوات قلائل بعد تخرجه اختير للتدريس في الكلية فغدا زميلاً لاثنين من أفذاذ معلمي مادة الرياضيات وكان قد جلس إلى حلقات دروسهما من سنوات تلميذا لهما في ذات المادة ، وهما الأستاذان الجليلان عوض ساتى (الذى عمل زيدان معه مرة ثانية كنائب له لما ولى الأستاذ عوض ساتي نظارة مدرسة وادي سيدنا الثانوية عام 1951 ، والأستاذ إسماعيل الأزهري، إلى ان تم نقلهما معًا إلى حنتوب منذ بداية عهدها الزاهي عام 1946. وحسبما جاء في الخبر أن جاءه أمر الانتقال إلى حنتوب في معية أستاذه أسماعيل الأزهري للحد من نشاطهما السياسي الواسع المتنوع المرتكزات في لجان مؤتمرالخريجين، حيث كان الأزهري رئيسًا للمؤتمر والأستاذ زيدان عضوًا أو سكرتيرًا للجنة الستينية لعدة دورات متعاقبة.
عرف طلاب حنتوب الأستاذ الجليل خلال الخمس سنوات(1946 – 1950) التى قضاها بينهم رئيسًا لشعبة الرياضيات ، معلّمُا متميزًا بكل المقاييس، حيوية دافقة وحماسة منقطعة النظير، وأبوة صادقة في إشرافه (تيوتريته) لداخلية دقنة التى رعى من أسعدهم الحظ بالسكن فيها خير الرعاية. كان الهادي والمرشد والناصح الأمين لهم في بشاشة وانشراح نفس لا تخطئه عيون الناظرين. كان الضاحك الممراح ويرسل الطرفة والسخرية اللاذعة على سجيته حسبما كان يقتضي الظرف .وقد أطلق على بعض طلابه من الألقاب والمسميات ما التصق باسمائهم وبشخوصهم وظلت تلاحقهم على مر السنين. حُظينا بتدريسه في ذلك العام . وكان مَن هم أرسخ قدما وأكثر ميلا منّا إلى الجانب العلمي والراغبين في مواصلة التفقه في مادة الرياضيات أكثرسعادة من أولئك الذين كانوا إلى مجال الآداب أميل. فكان الأخيرون يسعون إلى التعايش مع مادة الرياضيات ويرجون اجتياز كل اختباراتها بسلامة. وقد كان المتفوقون في مادة الرياضيات يمثلون الأغلبية من زملائنا في أولى كولمبس وكانوا الأكثر انتفاعًا من تدريس الأستاذ . فكانوا أسرع استيعاباً لمفردات المادة يتابعون خطو الأستاذ وهو ينطلق سعيدًا بنباهة متابعيه من الراغبين في الاستزادة من علمه. فما أهّله لتخطّي رفاقه والانتقال للتدريس في كلية غردون إلا ذكاؤه الوقّاد وغزارة معرفته في كل منحى وميدان ، وذلك بالإضافة إلى اعتزازه بنفسه وبقدراته في تدريس الرياضيات وربما في اللغة الإنجليزية التي درّسها في المدارس الوسطى لزمن يسير قبل ان ينتقل إلى كلية غردون. وكل مَن عرفه عرف فيه التواضع وعدم التباهي بتفوقه، كما عرف فيه سعيه الحثيث لإجادة عمله الذي كان يؤديه في صمت وتفان. فقد كان ذلك من السمات المشتركة لكل من عمل في حنتوب حيث لا فضل لمعلم أو عالم أو طالب على رصيفه إلا بالبذل والعطاء وتحقيق النجاح. كان الأستاذ زيدان كان من المتحدثين المفوهين باللغة العربية فضلا عن الإنجليزية اذا دعى لذلك داعٍ. لغته الدارجة السودانيه كانت كافية للتعبير بها عن مكنون نفسه وعما ينوي إيصاله إلى سامعيه. كان يُشاهد أحياناً في مكتب اللغة العربية يداعب معلميها ، وعلى الأخص الأستاذ ابن عمر الذي كان يحظي بالقدر الوافر من مزا حه ######ريته. كما كان - رحمه الله- يدلف إلى شعبة الجغرافيا المجاورة لمكتب اللغة العربية من ناحية الشرق، لينال الأستاذ عبد الحليم على طه نصيبه من تلك الدعابات والمطارحات الشعرية مما تختزنه حافظته من طرائف القريض. وربما كان يعد تلك الزيارات لزملائه في الشعبتين المذكورتين فاصلاً ضرورياً يروّح به عن نفسة ويجدّد به نشاطه كلما أحس بالرتابة من تكرار شرح نظريات فثثاغورس وابولونيوس أو تبيان حل المعادلات الآنية simultaneous equations(سيمالتينيص اكويجنز) والقاسم المشترك الأعظم وأخيه المضاعف البسيط. كانت تلك الزيارات المقتضبة تُدخل البهجة في النفوس على قصرها. ورغم ما كان عليه الأستاذ زيدان من مرح مستدام خارج الفصول وداخلها إلا أن مدة دروسه (الأربعين دقيقة)كانت تمضى في غير تهاون أو تفريط في النظام والجدية المطلوبين لنجاح الدرس ، فهو الحازم بلا تعنّت والمحافظ على الحدود والخطوط الحمراء بينه وبين الآخرين. ربما كان أسعد طلاب حنتوب هم من كانوا من سكان داخلية دقنة التي وليَ الأستاذ تيوتريتها طوال فترة عمله في حنتوب .. فقد ضمت نفراً من أميز أبناء حنتوب ذلك الزمان علماً وخلقاً وموهبة رياضيّة خاصة في كرة السلة . كان منهم المرحوم أبو بكر عبد القادر صاحب أجمل " ستايل" في لعب الباسكت وهو الملقب ب "ماكبين" ، أحد معلمي الجغرافيا الأفذاذ الذى فاض بذلاً وعطاءً في حنتوب ، لما كان بينهما من تشابه غريب طولاً وشكلا ًفي منطقة الرأس والعنق. ومن عجبٍ أن تشابهما امتد إلى المشية ونبرات الصوت. أبوبكر (ماكبين) تميز بمهارة فائقة في سرعة تحركه وتداول الكرة مع رفاقه في فريق كرة السله ، فاختير كابتناً للفريق الأول بعد تخرج كابتن محي الدين موسى الذى كان الرئيس الثاني في دقنة. أحب زيدان طلابه عموماً وقاطني داخلية دقنة بصفة خاصه ، فبادلوه وداً بود وحباً بحب . وعند عودته إلى حنتوب لحضور احتفاء الخريجين بمعلميهم وصرحهم الشامخ في يوبيله الفضى عام 1971 قضى الأستاذ زيدان كل أيام المناسبة السعيدة في داخلية دقنة بين قدامى طلابه يجترّون ذكريات ماضى أيامهم معه ويسترجعون ما حفلت به مما كان يطلقه عليهم من سخريات لاذعة وألقاب. لم ينسوا استذكار ما أطلقه على بعض منهم من أسماء رسخت ولازمت أصحابها مثل لقب "التشك" الذى التصق باخوين كريمين ، متعهما الله بالمزيد من الصحة والعافية) . عرفنا الأستاذ زيدان وافر الحماسة لداخلية دقنة . فقد كانت عواطفه الجياشة لتخطي أعيننا ونحن نراه يشجعهم ويشد من أزرهم من خارج الملاعب خاصةعندما يلاقى فريق داخلية دقنة في مباريات دورى كرة السلة أشاوس فريق داخلية أبي الكيلك حديثة الإنشاء ، والتى انتقل إليها من داخلية دقنة بعض من لاعبي السلة . فكان لا يتمالك نفسه ويصبح قاب قوسين أو أدنى من دخول ملعب الباسكت حاثاً أبناءه بكل جوارحه وخلجات نفسه حتى نظنه سيفقز داخل الميدان ليمسك بالكرة ويقذف بها في مرمى الفريق المنافس. يقينى أنها كانت أسعد ايام حياته، تلك أيام العيد الفضي التي قضاها بين طلابه الذين استجاب لرغبتهم للبقاء بينهم في حنتوب يوما إضافيا بعد مغادرة المدعوين. امتد نشاط أستاذ الأجيال الرياضي، عليه فيض من رحمة الله، إلى تحكيم مباريات كرة السلة الدورية بين الداخليات، والمشاركة في حساب درجات الداخليات في منافسة سباق اليوم النهائى بين الداخليات للحصول على كأس المستر هولت في سباق اختراق الضاحية. في عام 1953 انتقل الأستاذ زيدان إلى رئاسة الوزارة بعد عمل دام سنتين نائباً لناظر وادى سيدنا ، الأستاذ عوض ساتى. وانتقل عوض من وادى سيدنا نائباً لمدير المعارف توطئة لسودنة منصب المدير خلفا للمستر د. هيبرت ،آخر مديربريطانى لوزارة المعارف . وعند بداية الفترة الانتقالية في السودان التي سبقت إعلان الاستقلال في يوليو 1956، وعند قيام البرلمان السوداني الأول بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ ، وقع الاختيارعلى الأستاذ أمين زيدان ليتولى مهام وظيفة "كاتب" مجلس الشيوخ مثلما واصل الأستاذ محمد عامر بشير ذات المهام في مجلس النواب. وبقى الرجلان في البرلمان إلى أن وقع الانقلاب العسكرى الأول في البلاد بزعامة الفريق عبود في نوفمبر 1958. حينها تقرر نقلهما إلى وزارة الاستعلامات والعمل التى لم يبق بها الأستاذ زيدان طويلا لينتقل مرّة أخرى إلى رئاسة وزارة المعارف كمساعد لمدير الشؤون الإدارية والمالية خلفاً للمرحوم الأستاذ السني عباس أبو الريش الذي انتقل إلى دار الخلود في عام 1959 . وبقى الأستاذ زيدان في رئاسة وزارة المعارف ( التى تغير اسمها إلى وزارة التربية والتعليم وتم ترفيع درجة مدير المعارف إلى درجة وكيل في عام 1963 عندما ولي أمرها اللواء طلعت فريد) بقي إلى حين بلوغه السن القانونية للتقاعد في عام 1965 لينتقل إلى مكتب النائب العام كبيراً لفريق المترجمين الذين أوكلت إليهم مهمة ترجمة قوانين الدولة. ومكث هناك إلى أن وافاه الأجل مخلفا ًوراءه إرثا عظيما من البذل والعطاء والإخلاص وقدراً من الأثار التي مازالت تتناقلها الأجيال. رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى له مقراً ومقاماً بين الشهداء والصديقين ورفاق دربه من معلمينا الأبرار. سعدت كثيراً بلقاء الأستاذ زيدان عندما التحقت بوزارة المعارف التي عملت فيها شهرين بإدارة التعليم الأهلي في رئاسة الوزارة قبل أن أنتقل إلى الخرطو م الثانوية القديمة. وحينها كان الأستاذ أمين زيدان يتولى إدارة الشؤون المالية والأدارية بالوزارة. كنت أتولى، نيابة عن أحد زملائي، مهام الضابط النوبتجي بالمدرسة أثناء العطلة الصيفية في عام 1960 حيث كان التقليد آنذاك أن يتناوب المعلمون على إدراة المدرسة من مكتب الناظر أثناء العطلة. وكان ناظر الخرطوم الثانوية في ذلك العام المجيد الأستاذ أحمد حامد الفكي الذي غادرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتأسيس مكتب الملحق الثقافي فيها. وكنا في انتظار من يقع عليه الاختيار ليخلفه من كبار معلمينا الأخيار ، والمعلمون على تباين درجاتهم يترقّبون في لهفة إعلان كشف الترقيات والتنقلات السنوية. وبينما كنت منهمكاً في فض الخطابات الرسمية الواردة وتصنيفها، دلف الأستاذ زيدان خلسة إلى مدخل مكتب الناظر . ولما تبيّن له مَن يجلس على كرسي الناظر صمت في مكانه برهة حتى أحسست به، ولما بارحت مقعدى للقائه عند المدخل، تقدم نحوي وهو يضرب كفا بكف وقال ساخراً "والله كويس,, كمان قاعد على كرسي الناظر وأنت لسّه اسمك مكتوب يقلم الرصاص؟" ..وتابع تهكمّه قائلاً :" بكره كمان نلقاك متربّع على تربيزة وكرسي براون في حنتوب." سرني تعليقه فأجبته: ليس ذلك على الله ببعيد . وبعد التحية والسلام جلسنا وبدأنا نسترجع ذكريات صرحنا الشامخ حنتوب أيام عهده الزاهي الجميل . وبعدأن تناول كوباً من القهوه خاطبني بلهجة جادة: "خلي بالك من دلوكت أنت ما حتاخد إجازة السنة دي، لأنك حتواصل شغل كبير جاييكم في المدرسة، بس الموضوع لا يزال فكرة تحت النظر. الوزارة في نواياها التوسعية بصدد إضافة فصلين لمدرستكم دي في بداية العام الدراسي في شهر يوليو إذا وجدنا فيها إمكانات بدون ما تكون التكلفة المالية باهظة. . الفصلين الأضافيين حيكونوا نواة يمكن ترفيعها إلى مدرسة كبرى خارجية إذا أمكن الاستغناء عن الداخلية مستقبلاً. ودلوكت عايزين نشوف إن كان الطلاب حيتلقي ليهم مكان عندكم .أفتكر شهرين كفاية لإكمال المهمة وأنا متأكد "أنت لها" وخُت في بالك إنك إنت اللي حاتتولى الموضوع لحد ما يجيكم ناظر جديد. يلّا دلوكت قوم معاي نمر على المدرسة لحدي ما يصلنا ملاحظ أشغال القسم الشرقي، أنا خليت ليه مذكّرة يحصلّني هنا". طفنا أرجاء المدرسة والداخلية وتوابعها من مرافق ومطبخ وقاعة طعام إلى غير ذلك مما كان يتطلبه الموقف من عمل إسعافي عاجل . بعد زمان قصير كان ملاحظ الأشغال بيننا مواصلين الطواف فيما تبقى من مبانى ثكنات الجيش الإنجليزي التى تحتلها المدرسة. ومن واقع هذه الزياره طُلب منه إعداد تقريرمفصّل يتضمن المنشآت الضرورية العاجلة لقبول طلاب الفصلين . وكانت نتيجة امتحان الدخول للثانوي في طريقها إلى الوزارة من مركز التصحيح في خورطقت ليبدأ اجتماع نظار المدارس لأجراء عملية القبول، وذلك فضلا عن إعداد تقديرات الميزانية اللازمة لأي إضافات لوجستية أخرى يتطلبها الأمر. رغم أن فترة نوبتجيتي كانت على وشك النهاية ولكن كان لا بد مما ليس منه بد . فبقيت بالمدرسة وعلى اتصال دائم بالأستاذ زيدان حتى بعد تسلّم الأستاذ عبد القادر تلودى مهام عمله ناظرًا للمدرسة كان الأسناذ ابراهيم شبيكة نائباً له. أهم حدث وقع لي في ذلك الوقت كان دخولي مكتب وزيرالمعارف لأول مرّة في حباتي، في معية الأستاذ زيدان. وتوالت زياراتي فيما بعد إلى مكتب الوزيركلما استدعى الأستاذ زيدان للوقوف على مسار ترفيع المدرسة إلى مدرسة كبرى ، وكثيرا ما كان الأستاذ تلودي، زميل وابن دفعة الوالد في كلية غردون، يُخجل تواضعي بإطنابه المتواصل على شخصي الضعيف في كل مجمع ومناسبة وإفاضته في الإشادة بدوري في متابعة مسار تلك الأعمال الإنشائية. كان يذكر ذلك في حصرة الوزير والوكيل وفي اجتماعات نظار المدارس التى انابنى عنه لحضور بعض جلساتها عندما غاب الأستاذ ابراهيم شبيكه عن الخرطوم أيامًا قلائل لتسليم مهام عمله لخلفه في بخت الرضا. وكان الوزير يحرص على اكتمال المنشأت ويخصها برعايته ويتابعها بنفسه بزيارات متعددة للمدرسة مصطحبا معه الأستاذ زيدان الذي كان يُسرّ إليّ مسبقا بمواقيت زيارات الوزير والوكيل للموقع والمدرسة لأكون في لقائهم بها إلى أن اكتملت كل الإضافات والتعديلات الضرورية التي مكّنت الوزاره قبل بداية العام الدراسي في شهر يوليو من قبول ثمانين طالباً كانوا نواة لنهرين إضافيين لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الخرطوم الثانوية للبنين التي لم لم أبق بها بعد سبتمبر من عام 1960 حيث نُقلت بصورة مفاجئة إلى مدرسة عطبره الثانوية. 1
|
|
|
|
|
|