|
حلم العنقاء البدوية / د. الهادى عجب الدور
|
الكلمات تتوهج كالقناديل السحرية عندما انظر إلى عينيك بلا انقطاع، كالمطر الاستوائي يروي غابات الأبنوس بغبطة وسرور، فأولد بين يديك رجلا مستحيلا بحجم أرخبيل العسل والأحلام وصدى الرياح، وأتجلى قديسا وشاعرا من زمن خرافي، وأتوج نفسي ملكا على حروف الورد، وكل القصائد المهاجرة على مسارات رمشة عيونك، ومدن النور والبلور والياسمين ورمال الصحراء، موشحا بكل لغات العالم شرقا وغربا. وأنت احلى من كل أناشيد الشجن القديم، وقبلات الوادع الدافئة، وابتسامة الموعد المدهش، وروحي العنيدة ترنو إليك، وتتراقص كالأمواج الإهليجية تتلاطم في سماوات خيال المكان، وتسافر بي التأملات سرا وجهرا على مد البصر كطائر بحري يرفرف بلا انقطاع ضل طريقه لجروف الحرير البعيدة، وتخوم الأرض السمراء. لم تعد كل الشواطئ القديمة سوى نقاط في قصيدة انتمائي للمطر، لم تكتمل رقصاتها ومخاض صباحها تعثر في ليل طويل، طويل، طويل، سجنته المواويل والأشجان والغربة الشاحبة المغسولة بزيت الدموع الرمادية، وشهقات شتاء فبراير. آه، ثم آه، يا سلمى الرائعة؛ يا قنديل جبال الألب السويسرية، ويا ريحانة بروكسل الساحرة، ويا جوهرة المدن الأوروبية المدهشة، ويا عصفورتي العاشقة لتلال الصحراء الذهبية وأغنيات الواحات السندسية ونكهة الأمل الكبير. دعيني أرسمك لوحة جميلة تتوسد الشعاع على تلال الصحراء الكبرى امتدادا من جبال الأطلسي الزرقاء وحتى تخوم السافانا الخضراء، تستنشقين رائحة النيل بخورا للحياة، وأنت كطائر العنقاء قادمة من وراء البحار ومعك كل الأسرار المفرحة، ترفرفين بتجل وحبور وتفردين جناحيك البضين مع قوافل الابل المسافرة عبر أخدود الواحات النضيرة، وشجيرات النخيل الخلابة ورعة المشهد المهيب، ويصير حلمك بدويا وأسطوريا، فأتذكر في سري أبي وطفولتي تسكبني شلالات من الذكريات الخالدة وتكسوني وهجا جميلا كالبركان من الأعماق ينبت وردا ناعما مسقيا بالأشواق، وعطر أغنياتك وصوتك الجذاب. وأنت حورية الصحراء الفاتنة تعصرين كبد أنشودتي خمرا وعسلا مصفى، ويصير معك الصمت مرآتي لقصائدي الجديدة، وروحي المموسقة باللوعة والحنان والنشوة والدهشة، فأجد فيك الابتسامة البدوية قاموسا نادر التكرار على مشارف المدن الأوروبية .
واشم فيك نكهة النخيل وسحر الواحات ودفء الروح في كل الحدود البعيدة واهتف معك لا اعترف بحدود دولة تمنع حلمك البدوي يتدفق نهرا مثل العطر الباريسي، وينساب كالنور والوهج والحرير الإمبراطوري .
=2=
هناك عبر تلال الصحراء الذهبية المتعرجة بإتقان على مد البصر، سكنت روحك حلما جميلا يتراقص بومض دمعات الشوق والدهشة والسرور مثل الفراشات تداعب الزهر الموشح بالندى في منظر ساحر خلاب، تتلألئين كوميض الفيروز والألماس النادر، والشمس الذهبية تسبح على السماء الفضية الصافية ترسمك تحفة أروع من سجادة الورد العملاقة بغراند بلاس في ربيع بروكسل.
يكسو وجنتيك الأسطوريتين رونق وشكل برونزي خرافي الملامح، ملكي التكوين، والريح الهادئة تلف خصلات شعرك الذهبي المياس كشلالات الحرير السمرقندي الناعمة، والحياة هناك افج مفتوح للفرح والرقص المنعش والغناء الموشم على جدار القلب شمعة تضئ ليالي السمر.
نظراتك الحنونة مكحلة بليلة قمرية يملأها البدر جمالا ووضاءة، فما أجملك حين اكتب فيك قصيدتي وأشعاري، وأنت فيها البدر الكامل تنيرين مسارات القوافل الراحلة عبر الوهاد وواد النخل!
تلك هي كلمات لوحدها تفسر كتاب الرحلة وصدى التأملات والخيال الشيق وهمس موطن القبيلة. سيظل الحلم البدوي نافورة رحيق تعطر حبات الرمل والأنامل البضة ورموش العيون الدافئة .
=3=
كنا هناك في مطعم التاج البروكسلي، نجلس أمام المرآة السحرية، نكون دلتا لنهر الشوق وانا ابحث عن عنتر وسيرة ليلى وباقي أفراد القبيلة، اجمع حروف الأبجدية من بريق ابتساماتك الملهمة لتصير وطنا بديلا للغربة الأليمة، ونهرا مقدسا يغسل خطايا الحزن والشجون الكبيرة. وعيناك تنبت مليون غصن زيتون سرا وجهرا، وانا أمامك أكون عطرا ورحيقا وتمثالا ومطرا شتويا، وروعة الكلام تسكبني أمواج من عسل ابدي المزاج. آه، آه. هل سأظل أقول آه كي تنطفئ الشموع الحزينة، أم أتلوى كي احلب النجوم وأسقيها برحيق القلب ونكهة شجر الإكسير، واسبح معها في حوض البنفسج نقضي معا الألاف السنوات الضوئية في رحلة التجلي والتأملات والوهج العنيد؟
|
|
|
|
|
|