|
حظر الأحاديث السياسية في المدارس المصرية أحمد الخميسي
|
في 20 سبتمبر الحالي تفتح الجامعات والمدارس المصرية أبوابها لأكثر من عشرين مليون تلميذ ونحو مليوني طالب. شعب بأكمله يتجه لتلقى العلم. عن أية علوم لاعلاقة لها بالعصر الحديث وعن أية طريقة في التعليم يدور الحديث؟ في الوقت الذي لا نرى فيه أية رؤية وطنية أو فكرية تحكم المواد والمناهج والأساليب وتجمع التعليم في ضوء واضح. وبينما يبلغ الانفاق على فوائد وأقساط الديون 173 مليار جنيه، أي 35% من الموازنة، فإن الانفاق على التعليم لا يتجاوز 64 مليار من موازنة عامة تصل لحوالي خمسمئة مليار. نحن إذن في مواجهة غياب منهج وغياب تعليم وضعف إنفاق. أضف إلي هذا التعليمات المشددة التي صدرت مؤخرا بحظر أي أحاديث سياسية داخل المدارس ومساءلة كل من يخالف ذلك سواء من المعلمين أو الإدارات أو التلاميذ. ومجددا أكد وزير التربية محمود أبو النصر في حديث للأهرام أن " السياسة محظورة وممنوعة فى المدارس، ومن يريد أن يمارس السياسة فليكن ذلك خارج أسوارها". ويعود بنا ذلك الحظر إلي عهد الملك فاروق حين أصدرت وزارة محمد محمود باشا بإيعاز من الانجليز القانون رقم 22 لسنة 1929 لحفظ النظام في معاهد التعليم، ومن ضمن ماجاء فيه أنه:" يعاقب بالحبس .. كل من دعا تلاميذ وطلبة المدارس إلي تأليف لجان أو حضور اجتماعات سياسية أو احتجاجات بشأن مسائل أو أمور ذات صبغة سياسية". مع ذلك تحدى الطلاب ذلك الحظر وصولا إلي اللجنة الوطنية للطلبة والعمال عام 1946 التي مهدت الأرض لثورة يوليو. وإذا كان الوزير يسعى لمنع الأحاديث السياسية فلماذا يدعو إلي: " التشديد على الانتماء والولاء فى الحصة الأولى التى تشهد نبذة عن مشروع قناة السويس الجديدة والاهتمام بتحية العلم والنشيد الوطني". أليس ذلك من الشئون السياسية؟. لقد برر البعض صدور قرار الوزير بأنه جاء " لمنع طلاب جماعة الإخون من الترويج لأفكارهم المتشددة". لكن هل يصلح المنع وسيلة للتصدي لنشر الأفكار الإرهابية؟. لقد أثبتت التجربة التاريخية أن الحظر والمنع لا ينفع بشيء، كما أن مواجهة الجذور الفكرية للإرهاب لا تتم بإبعاد الطلاب والتلاميذ عن السياسة بل بإقحامهم في السياسة وغرس رؤى وقيم أخرى بديلة في نفوسهم وعقولهم. مشكلة الوزارة أنه ليس لديها ما تغرسه في العقول ليزهر بدلا من أشواك الكراهية والتطرف. وحينئذ يصبح " الحظر" أسهل الطرق لتغطية العجز. والمعنى الوحيد لحظر الأحاديث السياسية أنه ليس لدي الدولة أية نظرية تعليمية متماسكة تواجه بها الفكر الإخواني الإرهابي. ومن المؤسف أن نقرأ تصريحات للبعض يقول فيها إن "الطاقة التي قد يصرفها الطلاب في الجدل السياسي يمكن تفريغها في الرياضة "! لأن تلك دعوة لبناء حمير ذوى العضلات وليس طلبة يرسمون مستقبل مصر ويحلمون بإزدهارها ورقيها. لم نكن نتوقع – بعد انتفاضتين شعبيتين بمساهمة طلابية – حظر النشاط السياسي على أكثر من عشرين مليون طالب ، لولا انخراطهم في السياسة ما وصل وزير التربية إلي منصبه الحالي! تحتاج السياسة التعليمية إلي رؤية أخرى بعيدة عن "الحل الأمنى" بصفته علاجا لكل مشكلة. تحتاج إلي المزيد من الانفاق على التعليم وتطويره وإفساح المجال الديمقراطي للتفكير والتفاعل، وليس لعزل نحو خمس الشعب المصري عن المشاركة في تقرير مستقبله!
***
أحمد الخميسي. كاتب مصري
|
|
|
|
|
|