تقول الرواية التي تحتاج إلى إعادة تأكيد أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي الراحل جاء قبل سنوات إلى مكان التظاهرة المتفق عليها في ميدان أبي جنزير.. عوضاً أن يجد الحلفاء من قادة المعارضة كان الميدان يضيق بالحشود الأمنية.. ترك نقد عبارته الشهيرة (حضرنا ولم نجدكم) ثم مضى إلى حال سبيله.. ربما لهذا السبب بث سكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب البيان الأول في مناهضة الحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يشاهد من شرفة عالية حركة الموكب السلمي الذي دعى له أمس الحزب الشيوعي.
معظم المراقبين اعتبروا التظاهرة محدودة وفي خانة المئات.. وربما القوى التي تصدت لها والأخرى المساندة كانت أكبر من عدد المتظاهرين.. وهنا يقفز السؤال هل كان بالامكان أن يكون الحشد أكبر من ذلك..؟ أغلب الظن أن الشيوعي حاول جس نبض الحكومة ولم ينزل بكل كوادره من الجولة الأولى.. وأن التنسيق مع القوى الأخرى جاء متأخراً وبعد أن أخذ الحراك الصبغة الحمراء.. رغم ذلك أرادت قوى رئيسة أن تشارك ولو بالدعاء الصالح.. هذا يخصم من خطوة الشيوعي في العزف المنفرد ضد الحكومة..
السؤال لماذا لم ينسق الحزب الشيوعي مع حلفاء مثل حزب الأمة القومي أو المؤتمر السوداني..؟ أغلب الظن أن حسابات الشيوعي تقول إن الحكومة دنا أجلها لهذا من يتحرك مبكراً يحصد مغانم سياسية في المستقبل مع مكانة سامية في التاريخ.. الإسلاميون حتى الآن يعتبرون ثورة أكتوبر ابنة شرعية للشيخ حسن الترابي باعتبار أن أول مظاهرة خرجت من ندوة الترابي في الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم.. الأمر الثاني أن الشيوعي لمس عدم جدية عند الرفاق والأصدقاء وأراد بيان بالعمل في صنع التغيير. لكن اللون الأحمر الأحادي خصم من الحراك الشعبي ولم يضف له.
ستكون المشكلة أكبر أن اعتبرت الحكومة عدم التفاعل الشعبي مع المظاهرة نصراً كبيراً.. الحزب الشيوعي صنع حدثاً إعلامياً حينما جذب الحكومة إلى ميدان النزال في الوقت الذي يريد.. الأمر الثاني تمكن من نزع فتيل الخوف حينما اختار للتظاهرة أن تكون قريبة من القصر.. لو أن الشيوعي اختار قلب السوق ربما لكان الزخم أكبر، ولكن حتماً ستفلت المبادرة من بين يدي الزملاء وربما تمضي في اتجاه العنف.. خيار العنف يعزل الحراك السياسي من عمقه الشعبي.. ويمنح الحكومة حجية المعاملة بالمثل.
في تقديري.. من الضروري أن تتجاوز الحكومة عقدة المظاهرات.. وأن تتحلى بمزيد من الحكمة السياسية.. أي نظام حكم راشد يجب أن يستمع لرأي الشارع.. واحدة من أدوات التعبير السلمي تكمن في التظاهرات والاعتصامات... لهذا كان من الأوفق أن تتعامل الحكومة مع طلب الإذن بالتظاهر بمنطق سياسي سديد.. الحكومة الآن تستخدم ذات الشارع وأحياناً من جيب المواطن لإثبات التمتع بالثقل السياسي.. الخوف من المظاهرات أشبه بحالة نفسية تقترن دائماً بالأنظمة التي لا تتمتع بسند شعبي.
بصراحة.. سجل الحزب الشيوعي حضوراً فيه كثير من الجرأة هذه المرة.. لكن التحدي يكمن في استدامة الزخم.. والتحدي الأكبر أن تتحول المظاهرات إلى أداة ضغط على الحكومة ولكن لا تخوف الشعب.. تفقد كل مظاهرة معناها حينما تتعدى إلى حرمات الناس وممتلكاتهم.. وهذا ما لم يحدث هذه المرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست