|
|
 حصار جودة .. عندما يصبح الحل السياسى للأزمة أضحوكة
|
تحليل \ الطاهر أبوجهرة
شهدت الساحة ما بين جوبا والخرطوم في الاسبوع الماضي حدثا رغم سعته إلا إنه مر على المشهد دون أن يحظى بحضور ووقفة وتامل .. الحدث تتمثل تفاصيله في تحرك قوة من الجيش الشعبي ( جيش دولة جنوب السودان ) الي داخل حدود ولاية النيل الابيض ومحاصرتها لمنطقة جودة الفخار التي تصنف بتبعيتها لشمال السودان .. الحدث على سعته إنتهى بجلسة بين ضباط من الجانبين فعادت الامور الي نصابها على ماهي عليه قبل الحصار .. وخبر إنتهاء الازمة نقله الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي حيث قال وفقا لوكالة السودان للانباء : (انه نتيجة لمحادثات واتصالات جرت بين السيد رئيس هيئة الإستخبارات والأمن الفريق الركن صديق عامر علي حسن والسيد اللواء الركن ماج بول مدير إستخبارات الجيش الشعبي , وفي إطار العمل الدؤوب من أجل تلافي المشاكل الحدودية التي حدثت بين دولتي السودان وجنوب السودان عقد إجتماع مهم في منطقة جودة دبة الفخار بولاية النيل الأبيض بين قائد منطقة جودة العسكرية وركن إستخبارات الفرقة 18 ونائب رئيس شعبة عملياتها ونظرائهم من دولة جنوب السودان، من خلال هذه الجلسة الواحدة تم التوصل إلى إنهاء التوتر الذي شهدته منطقة جودة الفخار خلال الأيام القليلة الماضية وقد تم احتواء الموقف تماما )..
إذن .. وفقا للناطق الرسمي إن الحدث إنتهى وتم إحتواء الموقف تماما ومر كغيره ليوضع في سلة مهملات جوبا والخرطوم منذ توقيع الانفصال .. ولكن وفقا للمعطيات التي تركها الحدث في بداياته ( قبل أن تجري التسوية ) فان الامر يحتاج الي وقفة خاصة إنه جاء في توقيت تفاءل فيه الجانبين بإقتراب إنتهاء الاشكاليات من خلال الزيارة المزمعة لرئيس حكومة الجنوب وجلسة الحوار التي سيعقدها مع رئيس الجمهورية بالخرطوم مما يطرح بعض الاستفهامات التي تتعلق بمصدر الجهة التي منحت الجيش الشعبي أمر التحرك في هذا التوقيت لمحاصرة جودة رغم إنها منطقة وفقا لاطلس الترسيم تتبع للشمال ؟ .. للاجابة على هذا الاستفهام لابد من النظر الي البوابة التي يمكن أن تخرج به تعليمات حصار جودة فانها لا تتجاوز الفرضيات الاتية .. أن تأتي تعليمات التحرك من رئآسة حكومة الجنوب وهذا أمر مستبعد خاصة في ظل الحراك الدبلوماسي الذي يجري على مستوى القيادة العليا بين البلدين ، وحتى اذا قلنا إن رئآسة حكومة الجنوب أصدرت أمر التحرك بغرض المناورة وإرسال رسالة الي الخرطوم قبل لقاء الرئيسين خاصة فيما يتعلق بملف الحدود والمعابر بين البلدين فإن ذلك مستبعد أيضا لانه لا يمكن أن تناور حكومة عاقلة بخطوة تفاصيلها عالقة يمكن أن تدخلها في حرب مباشرة مع دولة أخرى .. أما الفرضية الثانية أن تأتي تعليمات التحرك من قيادات عسكرية عليا متعاطفة مع الذين أبعدتهم موجة التعديلات الاخيرة تجاوزت فيها رئاسة الحكومة بغرض إحراجها وهي تستعد لجولة دبلوماسية واسعة الاهداف مع رصيفتها في الخرطوم ، هذه الفرضية يمكن أن تكون مقبولة لحد كبير ولكن السؤال هنا أين دور إستخبارات الجيش الشعبي ؟ هل تكون مغيبة غافلة عن المشهد من التخطيط الي التنفيذ أم أنها حاضرة داخل منظومة الالتفاف على الحكومة ؟ وإن كان الامر كذلك فإن حكومة سلفاكير تكون جالسة على كف عفريت نهايتها إما الذهاب أو التمزق والانقسام .. الفرضية الثالثة أن تأتي تعليمات التحرك كتصرفات من ضباط صغار من نقيب الي دون ذلك بمعنى أن يكون القرار منبعه فوضجي نتيجة إستفزازات حركت بعض الجنود فقاموا بالخطوة وهذا ما لايقبله الواقع لان كافة الجهات الاعلامية التي نقلت تفاصيل الخبر لم تشر الي إستفزازات سبقت حصار المنطقة من قبل قوات الجيش الشعبي .. ثمة ملاحظة مهمة لا يمكن تجاوزها في عملية قراءة وتشريح التفاصيل ، يلاحظ إن الجيش الشعبي إتخذ هذه الخطوة في توقيت سبقه حدثان مهمان .. الاول التغييرات التي أجراها سلفاكير داخل تشكيلات حكومة الجنوب والتي إبعدت قيادات لها وزنها وتاريخها النضالي في الحركة الشعبية مثل رياك مشار والامين العام للحركة باقان أموم وآخرين وهؤلاء لهم نفوذ لا يمكن إنكاره داخل الحكومة والجيش ، أما الحدث الآخر هو زيارة سلفاكير المتوقعة لشمال السودان وإلتقاءه برئيس الجمهورية البشير .. وبالنظر الي الامر من حيث السابق الاول فان التحليلات يمكن أن تطلق الأصابع فيها الي الذين أبعدهم سلفاكير فبالضرورة أن يكونوا إستخدموا نفوذهم بطريقة ما بواسطة الجيش ، لانه لا يمكن أن يقابلوا تلك القرارات بصمت ، ويدعم ذلك إذا نظرنا السبب الرئيسي لقرار ابعادهم حيث أشارت بعض الدوائر لنظرتهم وموقفهم من مسار الملفات العالقة بين جوبا والخرطوم .
ثم .. اذا نظرنا الي معبر جودة ( أو معبر رفح كما يسميه البعض ) وما يمثله من دور كالمعبر الاول من حيث الاهمية على إمتداد حدود البلدين أي إنه يلعب دورا مشابها للدور الذي يلعبه معبر رفح الرابط بين قطاع غزة ومصر ، ومن ثم ياتي الحدث في المكان الاسترايجي هذا فيعني وفقا لتقديرات الذين إتخذوا قرار الحصار إن تكون الخطوة بارود لاشعال حرب في هذا التوقيت الذي أشرنا إليه هذا اذا قدرت القوات السودانية أن ترد على الاجراء بمثله .. هناك ثمة نقطة مهمة يجب إسطحابها دائما تتعلق بتاريخ تكوين الجيش الشعبي فهو بدأ كمليشيات مقاومة متمردة على نظام ثم تدرج الي أن أصبح نواة لتشكيل جيش لدولة حديثة التكوين ، أي إنه لم يخضع لحظة تكوينه لضوابط وصرامة عسكرية يحتكم إليها أفراده لاحقا ، بل خضع لفطرة ومزاجية متطلبات المرحلة الاولى التي إعتمدت لتقديم مزيد من التنازلات لاغراء إفراده في البقاء في الميدان ، وهذا التنازل أو الموروث العسكري المرن إصطحبه معهم أفراده الي مرحلة تكوين الدولة التي تتطلب قدر عال من الانضباط وإتباع سلسلة التعليمات بخلاف مرحلة النضال ، فيمكن أن نقول إن مزاجية التفلت أوالتنفيذ بعيدا عن موقف القيادة العليا مازالت تسيطر على السلوك العسكري لبعض الأفراد من ضباط وجنود وبالتالي تسهل عملية عملية القيام بأي خطوة عسكرية بصرف النظر عن الاسر السياسي الذي تخلفه لان ثقافة إصطحاب التداعيات السياسية لم تكن موجودة لحظة التشكيل التي تحتاج لوقت غير بالقريب أي بمعنى حتى ينزل الحاليون من الخدمة وياتي جيل جديد يحمل مواصفات جيش دولة .. والمشهد بكلياته لم يكن مستثنى بواقع الحال بشمال البلاد فهناك في السياسة كل يعمل على إيقاع يتماهى مع ما ورثه الجيش الشعبي من مزاجية في التصرف بلا حسبان ، والطريقة التي إنتهت بها لملمة الحدث والمستويات التي شاركت في الجلسة تؤكد إن موجهات عليا صدرت خاصة من جانب جوبا وهذا ما يؤكد ان حكومة الجنوب آخر من علم بحصار جودة من قبل قواتها ، وهذا ما يجعل لاحقا نتائج الحل السياسي بين الجانبين إضحوكة .
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست