|
حسين خوجلي وصحافة (فرش الملاية) وخلع (العباية) ! عبد المنعم سليمان
|
ظهرت سينما (الترسو) قبل حقبة التطور التقني الهائل في صناعة السينما المصرية ، وهو اسم أطلقه النقاد إبان عصر الأفلام ( الأبيض وأسود) على دور السينما المصرية القديمة التي كانت تعرض أفلام إثارة رديئة المضمون ، وكان جُل مُرتاديها من أبناء الطبقات الفقيرة بالأحياء الشعبية ، حيث كانوا يجلسون بمقاعد الدرجة الثالثة رخيصة السعر لطبيعة ظروفهم الاقتصادية ، وكانوا يعشقون نوعية معينة من الأفلام كأفلام (الآكشن) ، والسوبرمان ، وسلسلة أفلام زورو (الذي لا يموت) . ولكن كان عشقهم الأول والأخير أفلام الممثل الراحل (فريد شوقي) ، الذي كان دائماً ما يؤدي دور البطل نصير المحرومين والغلابا ، والمُنتقم من الأشرار ، حتى أطلق عليه لقب (ملك الترسو).
وهذه الأيام ، يستعيد طيف من المجتمع السوداني حقبة (الترسو) القديمة كما هي ، حيث يجلسون كل مساء على مقاعد الدرجة الثالثة في انتظار موعد الفيلم اليومي الممل ، الذي لا ينقصه كي ينافس أعظم أفلام الترسو سوى غياب بطله فريد شوقي ، حيثُ حل مكانه (البطل) حسين خوجلي .
ملك (الترسو) الجديد حسين خوجلي ، يبدو في إتقانه لأفلامه هذه وكأنه حائز من مدرسة التمثيل (الإسلاموي) على شهادة عُليا في العُري والخِنى والتفسخ ، إذ يضطلع هذه الأيام بدور البطولة في أفلام خيالية ساذجة ، أفلام ########ة الحبكة وفقيرة المؤثرات ، أُعدّت سيناريوهاتها بخفةٍ وغباءْ ، لتضليل الجمهور الصابر والصامت.
ويبدو أنه تم إسناد دور البطولة المطلقة لـ (خوجلي) ، لعدة أسباب منها أنه لا يوجد بين كل (جثث) إعلام الإسلامويين من يجيد دور التدليس والتنفيس بجدارة مثله ، كما أنه يحظى بسابقة (خطيرة) ، وهي تحويله مهنة الصحافة إلى (أقدم مهنة في التاريخ) ، فهو يبيع كل شيئ : الشتيمة بدينار ، والبهتان بدرهم ، والزور والتزوير (ببلاش) ، فتارة تجده يكيل الشتائم لقادة الأمة السابقين ، وأخرى يحقر ويحط من أقدار اللاحقين ، لا تحده حدود أخلاقية ولا وازع ديني ، ولا يتورع في إشانة (ومضغ) سمعة الآخرين كل مساء بتلذذ ، يشبه ذاك الذي شعرت به هند بنت عتبة عندما (لاكت) كبد سيد شهداء المسلمين حمزة بن عبد المطلب .
حسين ، يُسيئ للصادق المهدي ، لمالك عقار ، لعرمان، ولغالبية قادة المعارضة ، ولكنه في قمة (ثورته) هذه لا يستطيع حتى أن يطعن ظل (الفيل) الظالم ، فلا يشير إليه من بعيد أو قريب ، وكأن كل الدمار الذي حدث لبلادنا ، كان سببه بركان أو زلزال ، ولم يحدث بسبب عمر البشير !
وهنا لا نملك إلاّ أن نتأسى بالتاريخ ونستشهد بقصصه ، فنستعرض قصة مشابهة بطلها القاضي (يحيى بن أكثم) ، وهو شاعر زرب ولبق ، أُشتهر بحب (الغلمان) ، لكنه وصل لمنصب قاضي القضاة في زمن الخليفة المأمون ، وكان (بن أكثم) هذا يذم كل بطانة الخليفة وكل معارضي هذه البطانة ، لا يوفر أحداً إلاّ الخليفة المأمون ، حيث ظل يلهج بمديحه والثناء عليه ، والتسبيح بحمده ليل نهار . وحدث أن سأله المأمون الذي كان يعرف بقصة (شذوذه الجنسي) ، مُمازحاً : حدثني يا يحيى من القائل : (قاضٍ يرى الحد في الزنا / ولا يرى على من يلوط من بأس) فرد عليه يحيى : هو إبن النديم يا مولاي ، وهو القائل أيضاً : (أميرنا يرتشي وقاضينا يلوط / والرأس شر ما راس) فصمت الخليفة المأمون بعدها . وأظن أن مثل هذه التسويات المتواطئة ، بدأت منذ ذلك الوقت !
لست هنا لفضح أكاذيب أفلام (ترسو) حسين خوجلي ، لأنها تفضح نفسها بنفسها ، والجمهور يعرف هدف هذه (المساخر) ، ولكني أود التنبيه لـ (بروباقندا) الإعلام التضليلي الحكومي الذي ما فتئ يسخر من عقول الشعب السوداني ، مردداً الكذبة تلو الأخرى ، حيث نشرت الصحف الحكومية الأسبوع الماضي خبراً مصنوعاً أمنياً زعمت فيه أن الأستاذ علي محمود حسنين قال في فرنسا أن قوى المعارضة تستلم أموالاً من منظمات أجنبية وتحولها لمصلحتها الشخصية ! تحدثت مع الأستاذ المناضل علي محمود حسنين ، فقال لي بأنه لم يزر فرنسا منذ أكثر من ستة أشهر ؟! فلماذا يا ترى يُكذب إعلام نظام يتشدق بأنه صاحب رسالة سامية ، وحامٍ لبيضة الدين ؟ ولماذا هذا السلوك المُبتذل والفاحش في قتل الخصوم السياسيين؟
إن طريقة الإعلام الحكومي الإفتراسية هذه ، تذكرني بطريقة أخرى سادت قديماً في مصر ، حيث كانت نساء الحارات يرتدين ملابس قصيرة ، وعند خروجهن من المنازل يقمن بلف ملاءة على أجسادهن لستر الملابس القصيرة ، وعندما تحدث مشاجرة بين سيدة وأخرى ، تقوم إحداهن بخلع (الملاية) وفرشها على الأرض ، في إشارة لعدم الحياء من المارة ، وإستعدادها لحفل السب والردحي والتلفظ بفاحش القول بحق الأخرى وإتهامها بكل ما هو سيئ ومشين .
الكارثة أن بطل فيلم ( مع حسين خوجلي) لم يسقط عنه بُرقع الحياء فقط ، بل ذهبت عنه حُمرة الخجل ، فهو لا يكتفي بـ (فرش الملاية) بل ويخلع معها (العباية).
[email protected]
|
|
|
|
|
|