|
حزب الوزراء السابقين! بقلم: محمد وقيع الله
|
حزب الوزراء السابقين! بقلم: محمد وقيع الله الآن ثبت أن عدد الوزراء المفصولين أو المستغنى عنهم – لا فرق! – عدد كبير يكفي لتكوين مكتب سياسي أو ربما لجنة مركزية لحزب سياسي جديد. حيث خُلعوا خلعا غير رفيق من هذه المناصب التي استطابوها وحلا لهم أن يبقوا فيها ويدوروا بها ما داروا دورانا غير رشيد. ولم يفعلوا أيام بقائهم فيها فعلا حميدا يذكره الناس لهم بالخير. ثم مضوا بالأمس غير مأسوف عليهم ولم يذرف أحد دمعة حزن واحدة في وداعهم غير المهيب. حيث كانوا أسوأ تشكيلة وزراء وأفشل تشكيلة وزراء في عهد الإنقاذ الطويل. فهل يا ترى سيفعلونها وينشئوا حزبا جديدا بهم كما يفعل كل من يفصل من السلطة أو يحس بتهميشه أو سقوطه الوشيك منها؟! وذلك حتى قارب عدد أحزابنا السياسية السودانية المائة حزبا. هذا مع أن من المعلوم أن أم الديمقراطيات العالمية وأقوى النماذج الديمقراطية المعاصرة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بها حزبان سياسيان فقط لا غير. ومع أن من المعلوم أن أقدم التجارب الديمقراطية، وهي التجربة الإنجليزية، لم تفرز أكثر من حزبين سياسيين قويين باقيين. ومع أن من المعلوم أن أكثر دول أوروبا الغربية من حيث التعدد الحزبي لا تضم أكثر من خمسة أحزاب أو ست في طيات مجتمعاتها السياسية. فكيف اقتدر السودان وهو بعد حديث عهد بالديمقراطية وما زال يتعثر في طريقها على أن يتجاوز من هم أقدم منه وأن يفوت الكُبَار والقَدرُو، وينشئ من الأحزاب السياسية أوفر مما أنشأت أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية مجتمعتان؟! إن الجواب عن هذا السؤال أوضح لراءٍ من الشمس برائعة النهار. فالأحزاب السياسية تنشأ لدينا من أجل الأغراض الزعامية الشخصية وليس لخدمة الأغراض السياسية الوطنية القومية! فكل فرد ذي ضغن ينشئ حزبا أو يحاول أن ينشئ حزبا. وكل فرد ذي أشْرٍ أو طمع شخصي في الزعامة ينشئ حزبا أو يحاول أن ينشئ حزبا جديدا. وكل فرد واهمٍ يستبد به وهمُ الغرور أو غرور الوهم - وهما سيان!- ينشئ حزبا أو يحاول أن ينشئ حزبا جديدا. وكل من فقد سلطته السياسية القديمة ينشئ حزبا أو يحاول أن ينشئ حزبا جديدا! ولو راجعنا تاريخ إنشاء الأحزاب السياسية في بلادنا، خاصة في غضون ثلث القرن الأخير، لألفينا أكثر من أنشأوا الأحزاب السياسية هم من أفراد الطائفة الأخيرة. أولئك الذين ذاقوا حلاوة طعم السلطة، واستمرأوا رضاعة هذا الطعم، وحلموا أن يطول بهم عهد الرضاع. فلما جاء أوان الفِصال، ولو في أكثر من عامين أو أربع أو عشرٍ، بكوا وشكوا واحتجوا، كما يفعل كل فطيم حديث عهد بالفطام. ثم ارتدوا على أعقابهم ليكيدوا للسلطة التي فطمتهم. ولينشئوا هذه الكائنات الخبيثة التي تسمى الأحزاب السياسية! وقد كنا نظن أن البشر الإسلاميين هم من فصيل بشري مختلف عن عامة البشر، وأن لهم صبرا على السراء كما لهم صبر على الضراء. فاتضح لنا، بعد أن كنا نشكُّ في هذا، ونشكِّك فيه، وأحيانا نُماري فيه، أنهم بشر سواء. واتضح لنا أنهم خلق عاديون من خلق الله تعالى تسري عليهم قوانين الاجتماع البشري الكبرى. واتضح لنا أنهم وإن امتازوا بالصبر على اللأواء إلا أنهم كثيرا ما يفشلون إذا امتحنوا بالسراء. وآية ذلك تساقط العديدين منهم في نعمة الثروة والجاه التي تقلبوا وتردَّوْا فيها. وجزعهم الذي تبدَّى في اصطراخهم اللاغط الساخط وبكائهم عند اقتلاعهم من مراكز القوة السياسية التنفيذية. وقد تبدَّت عدم مبدئية بعضهم عندما اتجهوا إلى منازعة أولياء الأمر بإنشاء هذه الأحزاب، أحزاب الشقاق. وما أكثر ما أنشأ الإسلاميون في بلادنا من الأحزاب. وقد سمعت أخيرا أنه حتى بعض السلفيين فإنهم يريدون إنشاء أحزاب. مع أنهم كفَّارٌ مثلي كفرا مبدئيا بفكرة الأحزاب. ولكن حظهم مع ذلك إن شاؤوا أن يدخلوا في جحر الضب الحزبي سيكون أوفر من حظ قدامى الإسلاميين على كل حال. فأؤلئك قد جُربوا مليا وهؤلاء لم يجربوا إلا لماما. ولكنهم سيعودون بالخيبة والحسرة مثلهم في أقصى المطاف. وأشد منهم خسرانا سيكون الوزاء السابقون الذين يرومون إنشاء أحزاب سياسية ليكرروا بها خيباتهم السابقة. ولذلك فخير لهؤلاء الوزراء السابقين منهم والأسبقين أن يكتفوا بما سلف أن حققوه من خيبات بينات. وأن يحافظوا على ما حققوه لأنفسهم وذويهم من امتيازات باهرات. فالكثيرون منهم، كما هو معروف معرفة البداهة، قد دبروا لأنفسهم سلفا عضوية مجالس عشرات الشركات الخاسرات. والقانعون منهم من سينصرفون إلى إدارة مصالحهم التجارية المزدهرة التي كونوها أيام التوزُّر والصلات. ولكن لسحر السلطة طعم آخر لا يعرفه إلا من ذاقه وفطم عنه، كما كان يحدثنا عمنا المرحوم بإذن الله تعالى، الأستاذ أحمد سليمان! وكما حدثنا الصوفية قديما فقالوا: إن من ذاق عرف! ولذلك قد يرى هؤلاء الوزراء المفصولون أنه لا مناص لهم من أن ينشئوا حزبا سياسيا جديدا يعيدهم إلى السلطة، أو يحقق لهم قدرا من الزعامة السياسية، ولو على قدر محدود. وقديما قال واحد ممن أصابهم سُعار السلطان: يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة! ولموضوع الحزب السياسي المرتجى للوزراء السابقين لنا عود غير حميد.
|
|
|
|
|
|