حرية التعبير والإعلام والحصول على المعلومة أمر تكفله وترعاه كافة القوانين واللوائح والمواثيق الدولية، التعبير بشتى الوسائل والطرق المتاحة سواء بالكلمة المنطوقة أو المكتوبة اللتين تمثلان ضلعي الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ويكتمل مثلثه بالمتلقي. وينص قانون منظمة اليونسكو على الآتي: (حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان تقوم عليه جميع الحريات المدنية، وتمثل حرية التعبير حقاً أساسياً من حقوق الإنسان تنص عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتماشياً مع الحريات الأخرى الملازمة لها من حرية المعلومات وحرية الصحافة، فإن حرية التعبير تسهم في الحصول على سائر الحقوق. وتسلم المنظمة بأن حقوق الإنسان تنطبق بالوسائل الشبكية وغير الشبكية على السواء.) وترعى المواثيق لكل مواطن حق الإنتفاع بالمعلومة وتداولها بشتى الوسائل وهذا من أقل مايجب ان يتمتع به الإنسان ومن صميم حقوقة التي رعتها الأمم المتحدة. لقد كان إهمال هذا الحق والتعدي عليه هو الدافع الأساس في تفجير ثورات مايُسمى بالربيع العربى وكأن الشعوب كانت تردد مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مقولته المشهورة( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، لقد كانت اغلب شعوب هذه الدول في رغد من العيش وأمن وسلام لكن كانت الأنظمة الحاكمة تستلب حريتهم وتُكمم أفواههم، فعندما هدرت الجماهير لم تشفع لهم السنين السِمان وﻻ العجاف فكانوا يتمنون ان يأتي بعد ذلك عام فيه يغاث الناس فقالوا للحُكام: حريتنا لاتُشترى بالذهب، نعم إن الحرية توازيها مسؤولية إجتماعية فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين كما تُحرِّم الأعراف والتقاليد الاجتماعية إثارة التباغض والكراهية والعنف والحقد أو الإساءة إلى أي انسان أو إضطهاده على أساس العِرق أو الدين والإعتقاد أو اللون أو الجنس والقبيلة فالناس لآدم وآدم من تراب. ونجد في تعاليم ديننا مايحثنا على قول الحق ولو كان صعباً على النفوس وان لانخشى في الحق لومة لائم وحذر من خشية الناس على حساب الحقيقة، وترك المجاهرة بالحق الخالد، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله أو طلب منه: «لَا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لَا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا كذا وَكَذَا، فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى، فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى» [رواه ابن ماجه]. وكان هذا المبدأ شائع ومكفول للجميع في صدر الإسلام فلما بُويع سيدنا أبو بكر بالخلافة تكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء) [رواه الدارقطني]، بل وبلغ الأمر أن تعترض إمرأة على سيدنا عمر بن الخطاب عندما أراد تحديد المهور فقال قولته المشهورة( أصابت إمرأة وأخطأ عمر) [تفسير ابن كثير]. ومن كل هذا تتجلى لنا عظمة الإسلام وإحترامه وإهتمامه العظيم بحرية التعبير والحوار المتحضر حتى بين الحاكم والمحكوم وكيف أن هذا كان شائعاً بين أفراد المجتمع المسلم حتى ولو كان المعترض إمرأة في عصر كلنا يعلم كيف كانت تُعامل المرأة فيه. إن الديمقراطية ليست مجرد شعارات وإدعاءات بل هي تطبيق ينعكس على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ويتنزل حتى يتنسم عبيقه الراعي في البادية والمسافر في الصحراء، وحرية التعبير تفتح أمام الجميع آفاق المعرفة والثقافة والعلوم. ولاننسى انه يتوجب على وسائل الإعلام المختلفة إحترام قدسية هذا الحق وان تقوم بأعباء دورها المنوط بها إنطلاقاً من مبدأ المسؤولية الإجتماعية، فما أحوجنا اليوم إلى إعلام رسالي واعي منفتح على العالم لا ينساق وراء الشائعات وتلفيق التُهم وفض النسيج الاجتماعي بين الشعوب، إعلام يبني اللُحمة الوطنية ويقود الجماهير ويحضهم للخير وينزع الغل من الصدور. اننا نرى بأم أعيننا إهتمام الدول الغربية بمواطنيها و كيف انها تفتح قنوات التواصل بينها وبينهم وكيف أن المسؤولين يتواصلون مع شعوبهم ويُمَلكونهم المعلومات عبر قنوات التواصل الاجتماعي، ونجد كذلك مراكز قياسات الرأي العام ودراسات صوت الشارع السياسي والرأي الشعبي، لم يجيئ كل ذلك سدى انما هو واجب تحتمه الضرورة والمسؤولية تجاه الجمهور. انطلاقاً من كل هذا وجب على حكوماتنا العربية إحترام حق شعوبها في حرية التعبير والرأي العام والإعلام، حرية لا تقهرها سياسة القمع والرقابة الأمنية وإحكام القبضة وتسليط السيوف على الرقاب، فإذا رعوا هذا الحق فسيرون نتائجه في وجوه الشعوب رضاً ومناصرةً و تمكيناً لعروشهم وسينعكس ذلك على الحياة الإجتماعية والإقتصادية وينهض بالإنتاج والتعليم والبحث العلمي و الحفاظ على الثراث والثروة وكافة مناحي الحياة، ولكن إن أهملوا ذلك وتصدوا له فلحيذروا من غضبة الشعوب فإنها الطوفان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة