الحرب منكر هائل، علينا الوقوف ضدها حيثما أطلت بوجهها، سواء في شبه الجزيرة الكورية أو في مثلث حلايب وشلاتين. ما هو أخطر من “حراق الرّوح” بين مصر والسودان، أن ذلك الشاب ــ الرئيس الكوري ــ يمكن يتجاسر ويولِّعها في جنوب شرق آسيا، عندها لن يكون هناك حي فوق اليابسة، عدا الصراصير. هناك توتر “وهمي” بين أمريكا وروسيا في سوريا، ولكنه يبدو توتراً أخطر من صلاة التلفزيون المصري في شلاتين. الاستنفار للحرب والاقتتال يجري في كل مكان، كأن الحرب هي الخيار الوحيد للعالم، أوكأنه لم يعد هناك من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. إن كان بين المسلمين من يفجِّر نفسه بحزام ناسف، ليقتل بشراً لا يعرف عنهم شيئاً، طمعاً في دخول جنّة عرضها السموات والأرض، فإن اللّاديني يمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك. التوتر على أشدّه بين القاهرة والخرطوم، لكن لكل مسؤول سوداني، شقّة أو مصلحة في القاهرة. مصر لديها في السودان “الرّي”، وهذا أقلّ ما يُقال. علاقة المصريين تجاه السودان هي نفس علاقة السودانيين تجاه الجنوب. استعلاء تجاه البشر وطمع في ما تحتهم من خيرات. يتمنى المصريون أن يرثوا السودان خالياً، كما حاولنا نحن الاستحواذ على الجنوب خالياً من الموانع “الشرعية”، ففشلنا واستعصم أبناؤه بدولة جديدة. خسرناهم وخسرناها! كنّا دولة واحِدة من نمولي إلى الأسكندرية. يراوح المصريون لأكثر من ستين عاماً تحت الإحساس بـ”العُضو الشبَحْ”، ونحن أيضاً، ظهرت علينا الأعراض نفسها، خلال الست سنوات الفائتة. العُضو الشبَحْ هو العضو المبتور من جسم الإنسان، بينما لا يزال يشعر أو يتوهم وجوده. كل حِراك يقع في أرض السودان، لابد أن تكون مصر حاضرة وفاعلة فيه.. على سبيل المثال: جاءنا الانجليز يتتبعون خُطى الاتراك، فكانت مصر هي الطرف الثاني في الحكم الثنائي. سلّم عبد الله خليل السلطة للعسكر، نكاية في احتضان مصر للختمية والاتحاديين، لكن عبد الناصر احتوى “الثورة “، فأصبح لسان الفريق عبّود ينادي بـ “ضرورة ازالة الجفوة المُفتعلة بين السودان ومصر”. أراد عبد الله خليل إخراج مصر من حلايب، فظهر النميري في الخرطوم آخذاً شرعيته كحُوّار لعبد الناصر.. بُني السد العالي، واستقبلت الخرطوم ناصر بالأحضان في حقبة أكتوبر.. للقاهرة هوايتها في اختراع نظامها الذي تريد، وفي استقبال قواه المعارضة.. وتأمل هذه الحِكاية: عندما كان النميري في القصر، كان الصادق وعبد الخالق لاجئين في القاهرة، وعندما اختير الصادق رئيساً للوزراء، لجأ النميري هناك،، وهكذا دواليك! مصر هي أول دولة اعترفت بثورة الانقاذ الوطني.. هي التي قالت للعالم، لأمريكا وللخليج: “دول أولادنا”! عندما نقول هذه الحقائق، يقولون أننا نستعيد الماضي بصورة مُغرِضة..التوتر الأخير، ليس سببه قطع الإمداد المائي عن مصر، أو تمصير حلايب، أومطالبة أمريكا الابقاء على العقوبات. لكي تتعرّف على الأسباب الحقيقية للتوتر بين مصر والسودان، ابحث عن المستفيد الأول من ذلك..وكما هو معلوم:”إحْنا أخْوَاتْ”!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة