|
حدود الوجود بين المعرفة والممارسة بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
يفتقد سارتر عنصر أساسي في وعيه هو الذي يسبب له الذعر، وهو عنصر إحتمال أي بعد آخر لوجوده لأن ذلك العنصر هو الذي يربط الوعي بالماوراء والذي عندما يتم الربط به يتلاشى الذعر بل يتحول إلى طمأنينة وسعادة لأن النفس تجد ذاتها ومرتعها القديم وتعرف مصدرها ومآلها في ذلك المكان الذي أسماه جاسبرز بالترانسندنتال وهو مآل لا نستطيع حتى الآن الكشف عنه بأدواتنا الحسية إنما نتواصل معه بآليات حدسية وعقل متعالي وقلب وشعور يقوم علي حس من نوع آخر هو الحدس واليقين الشعوري. إنه اليقين الذي توصل إليه الغزالي. ولعل من ميزة الفكر الصوفي هو تأرجحه بين العالمين وجمعه بين الحقيقتين الوجوديتين. حقيقة الغيب وحقيقة الشهادة. هذا المآل المصدري عبر عنه جاسبرز، كما ذكرنا من قبل، بقوله ان الوجود البشري يتكشف في (الحدية) عند حدود الوجود. هنا لا بد أن نقر بوجود حدود زمانية وحدود مكانية وحدود شعورية. ويرى في النزع عند الموت والإحتضار كشف للوجود. وهذا نابع من إيمان يتمتع به كيركغارد ومعه جاسبرز بينما يفتقده هيدجر وسارتر اللذان تأثرا بنيتشه. وهذه الفكرة عن تَكَشُّف الوجود في النزع عبر عنها القرءان في سورة "ق" والتي تحدثت عن كشف غطاء الوجود الذي يفصل بين البصر والبصيرة. نادى كيركقارد بأن يفكر الإنسان في حياته وأن يحيا فكره، فدمج بين الفكر والحياة؛ وهذه درجة من درجات توحيد الذات والصفات أو وحدة الفكر والقول والفعل أو وحدة العقل والجسد. وقد رفض كيركقارد الحقيقة كشيء عقلي واعترض على العقل السياسي والفلسفي وقال إن الحقيقة هي ما يراد. الإرادة هي نقطة إلتقاء القلب والعقل. من ناحية أخرى نجد أن التفكير المادي وبصورة عامة يحصر نفسه في حدود العالم الحسي ويعتبر أي تجربة أو معرفة خارج حدود ذلك العالم معرفة غير موثوق بها. نلاحظ أن ماركس نادى كذلك (ومن وجه آخر) بوحدة النظرية والعمل، فوحّد بين العقل، الذي اعتبره بنية فوقية ناتجة، وبين المادة التي اعتبرها بنية تحتية مسببة. وهذه من أهم مواقف الفكر المادي والتي أدت لفاعلية النظرية المادية وإن كانت فاعلية منقوصة أدت لإنهيار العالم الذي بنته. تقول النظرية المادية بأن القيمة ليست في معرفة الوجود وإنما في تغييره نحو الأحسن لذلك نجد أن المادية جنحت وعلى هذا الأساس على اضطهاد العمل الذهني باعتباره نتاج لعلاقات إنتاج مادية واهتمت وأشادت بالعمل اليدوي باعتباره إحتكاك مباشر بعالم المادة حيث الإنتاج المادي هو الذي سينتج الفكر. وبذا قالت المادية كلما استقامت علاقات الإنتاج ظهر فكر سليم وثقافة سليمة! وبذلك وقع الفكر المادي في مأزق معارضة وجه من وجوه طبيعة النفس البشرية الأصيلة وهي الروح الخالدة وما يتبع ذلك من تأسيس في الفكر وفي الوجود. ولكن كذلك نلاحظ أن الكثير من دور البحث العلمي الأكاديمي (في الشرق والغرب) بدأت تتراجع شيئاً ما في موقفها من ظواهر ما وراء الطبيعة وبدأت تدرس تلك التجارب في دائرة الباراسيكلوجي. ولعله من المدهش أن نذكر بأن جامعات "الإتحاد السوفيتي" كانت من أكثر الجامعات بحثاً في هذه المسائل.
مكتبة شوقى بدرى(shawgi badri)
|
|
|
|
|
|