الشباب هم القلب النابض للأمة ، وهم الأمل والمستقبل ولذلك فلا غرو في أن تهتم بهم الدول ، وتضع الخطط والبرامج لرعايتهم وتعليمهم وتأهيلهم وإعدادهم لخدمة وطنهم لكن هل قامت الدولة بهذا الإلتزام تجاه كل من تشمله دائرة هذا المصطلح ؟ في كثير من الأحيان نتهم الشباب بأنهم إبتعدوا عن قيم المجتمع وأن إهتماماتهم أصبحت سطحية ، وأنهم تخلوا عن تراثهم ، وأن كثير مما كان مرجوا منهم ، ولّوا له ظهورهم ، ثقافتهم ضحلة ، مستهترون ، غير مسئولين ، سلوكهم ........إلخ ... وقد يكون بعض مما ذكرنا ينطبق على شريحة من الشباب ،رغم أن ما نصفهم به لم يكونوا هم السبب فيه . وبمثل ما نظهر إستياؤنا أو نقدنا لهذه الجوانب السلبية في سلوك الشباب ، فهناك جوانب إيجابية لابد من أن نبرزها تشجيعا لهم ، وإذا سلمنا بأنهم – أي الشباب – لا يد لهم في في الذي حدث لهم ، فعلينا أن نمد لهم يد المساعدة ونأخذ بيدهم لأننا إذا ظلننا نتحدث دون أن يكون هناك فعل على الأرض ،فهذه هي السلبية . نتحدث عن ومضات في هذا الكم الهائل من الركام من السلبيات التي كادت أن تجرد مجتمعنا من كل القيم التي كان يتصف بها، ومضات أبطالها من الشباب ، وعندما نخص الشباب بهذا الصنيع لا يعني أن غيرهم لا يفعل مثلهم ، وما دعاني إلي ذلك أننا في مقال سابق في الصحف تحدثت عن أهمية تأهيل المجتمع ليقوم بدوره في خدمة نفسه بنفسه دون إنتظار للجهات الرسمية المنوط بها تقديم الخدمات ، مثل المحليات والأجهزة الأخرى ،وذلك إنطلاقا من أن للمجتمع دوراً يلعبه من خلال مبادرات تقوم بها مختلف شرائحه وفئاته بجانب الدور الرسمي للجهات المسئولة ،والجهات غير الرسمية ، فمن شأن ذلك أن يخفف العبء على تلك الجهات ويحفزها للتحرك بصورة أكثر إيجابية ، وأقصد بذلك المبادرات التلقائية ، وهذه المبادرات ليس بالضرورة أن تكون منظمة تحمل إسماً معيناً إذ يكفي تلقى الفكرة القبول ثم التنفيذ وفقاً لمنهج محدد تضعه المبادرة لنفسها ،فهناك مبادرات تلقائية يمكن أن تسهم في التوعية وتقديم بعض الخدمات للحي ، كنظافة الشوارع أو إزالة النفايات أو محو الأمية ، أو التثقيف والتوعية في الأمور العامة كمبادرات طوعية وكمثال على ذلك مبادرات أصبحت معلومة ومعروفة لدى الناس مثل مجموعة شارع الحوداث ، ومجموعة نفير وغيرها من المبادرات التي نجحت في أن تقدم خدمة للمجتمع في جانب من الجوانب . نتحدث كثيراً عن التحولات الإجتماعية والإقتصادية والأخلاقية التي حدثت في المجتمع، في السنوات الماضية، وتأثيرها غلى قطاع الشباب ، ورغم أن هذه التحولات جميعها كانت مصدر قلق لكل الناس إلا أن التحولات في العلاقات الإجتماعية والجوانب الأخلاقية بوجه خاص كانت مصدر القلق الأكبر لأن تأثيرها يشمل كافة قطاعات المجتمع ومن بينها قطاع الشياب . يتحدث الناس عن فتور العلاقات الإجتماعية وعن شيوع النفاق وضعف الوازع الأخلاقي والغش ، وإهتزاز الثقة وإنعدام النخوة والمروءة ، وتغير القيم مثل قلة الإحترام للكبار ، وتفشي السلبية والأنانية وغيرها من القيم الأخلاقية التي لم تكن مألوفة في منظومة القيم التي جُبل عليها المجتمع . التحولات الجديدة تُعزى إلي عدد من العوامل في مقدمتها الضائقة الإقتصادية التي أخذت بتلابيب قطاعات واسعة في المجتمع ، وأسباب أخرى مثل وسائل الإتصال التي بدأت في الإنتشار مع بداية الألفية الثالثة من قنوات فضائية ووسائط التواصل الإجتماعي ، والهجرات وإهتزاز المنهج التعليمي والتربوي غيرها من الأسباب التي كان لها تأثير مباشر على منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع وخاصة الشباب . سأعرض لنماذج من هذه الومضات لأنها تستحق أن نتحدث عنها ، رغم أن هناك من يراها أكثر من عادية ، فأن يهب البعض لمساعدة الغيريعتبر سلوكاً تلقائيا، هناك فرق بين أن تطلب المساعدة من شخص ، وأن يهب شخص لنجدتك من تلقاء نفسه . هذه النماذج بعضها شاهدته دون أن أكون طرف فيها ، وأخرى كنت طرفاً فيها . تعطلت عربة كانت تستغلها العائلة في شارع النيل الجديد بأم درمان ، في تقاطع إشارات المرور ، فأتصلوا بي للحضور وعندما وصلت المكان وكان قريبا من مكان السكن وجدت أن بعض الشباب بعد أن تجاوزوا الإشارات أوقفوا عربتهم وقاموا بدفع العربة من وسط الشارع إلي ما بعد الإشارات وبدأوا فحص العربة لمعرفة السبب ، وعندما حضرت شكرتهم على صنيعهم ووطلبت منهم مواصلة مشوارهم ، ولم تمض دقائق حتى توقفت عربة ترجل منها عدد من الشباب وبعد التحية حالوا تقديم المساعدة فأخبرتهم أن العطل يستدعي الإستعانة بميكانيكي ولما كان الوقت ليلا قلت لهم ساترك العربة هنا حتي الصباح ، لكنهم رفضوا ، وقاموا بتدبير أذهلني ، فتح أثنان منهم شنطة العربة الخلفية وركبوا في حافتها ثم جاء الآخرون بعربتهم قريبا من العربة المعطلة من الخلف ثم وضعوا أرجلهم في تصادم العربة الأمامي وكان سائق العربة المعطلة بالداخل وهكذا تم دفع العربة المعطلة رغم محاولاتي إثناءهم إشفاقا عليهم ولم يتركونا حتى أوصلونا إلي المنزل وشكرناهم أنا وأسرتي وأنفعلنا بشدة من هذا السلوك الشهم من هؤلاء الشباب . أن مثل هذا السلوك من الشباب على وجه الخصوص يجب أن تتاح الفرص لممارسته من خلال المبادرات ، فهذا يقلل من سلوكهم السلبي وفي نفس الوقت يحافظ على تمسكهم بقيم أصيلة في المجتمع نريدها أن تستمر .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة