في مول عفراء التجاري الذي لا يؤمه إلا من إستطاع الباءة ، من الذين على الأقل في زماننا المجنون هذا يقفون موقف الحياد من مآسي البلاد والعباد على المستوى السياسي والإنساني والإقتصادي ، إما لأنهم من أهل السطوة والجاه والنافذين في مقدَّرات البلاد وثرواتها وإمكانياتها ، أولأنهم من المتزلفين بالإعراض عن قول الحق والتغاضي عن النظر إلى سوءات المتعدين على حق الوطن والمواطن ، والسكوت عن الباطل والفساد الذي إستشرى وأصاب كل ما كان قُرة عين لهذه البلاد في زمان سابق صرنا نتباكى عليه بكاء الثُكالى ، أعود إلى مول عفراء التجاري الذي تؤمه سلع لا يقدر عليها (السودانيين الغبُش) يعني بالعربي أولاد البلد من الذين لم تتلوث أيدهم في بالوعة الفساد الوطني ، اللهم إلا من رحم ربي من القِلة الذين أنعم الله عليهم بالمال الحلال فنهلوا من نعيمه زلالاً طيباً وآتوا الله حقه بإيفاء المحتاجين واليتامى وأولي القربي حقهم وهؤلاء لم يزالوا موجودين في مجتمعاتنا رغم أنهم قِلة ، في بهو الإستقبال الرئيس جذبني معرض للكتاب على ما يبدو ترعاه شركة أو منظمة أجنبية لم أتبيّنها لعدم وجود لافتة أوعنوان يُشير إلى مُنظِّم أوراعي المعرض أو حتى إلى المناسبة التي بموجبها أُقيم ، لكن المهم في الأمر وبعد دورة متأنية ومتُعمِّقة في محتويات المعرض وعناوينه ورغم رصانة ما يُقدِّم من كُتب ، فوجئت وتحسَّرت في آنٍ معاً على عدم وجود كتب ومؤلفات سودانية ما عدا الأعمال الكاملة للطيب صالح ورواية واحدة لموسى ساكن ، بالرغم من إكتظاظ المعرض بالكثير من العناوين لشتى الإتجاهات الأدبية والعلمية والثقافية والمتخصصة باللغتين العربية والإنجليزية ، حتى الكتب يا مول عفراء ليست للسودانيين من حيث التأليف والإقتناء ، فأسعارها شأنها شان بقية السلع في ذلك السوق (النخبوي) الفاخر فهي خيالية مثلها مثل أسعار اللازانيا والجبنة الشدر والكورن فلكس الهولندي والموبايلات ذات الـ 20 مليون أو يزيد فهي ليست للبسطاء ولا تستهدف أمثال محمد أحمد القاريء البسيط الذي لا يبتغي من الدنيا شيئاً سوى الستر ولقمة العيش الشريفة والإبقاء على الكرامة والكبرياء مهما تكالبت عليه أوجاع هذا الزمان البخيس ، ثم لماذا لا تشترط الجهات الرسمية المعنية بالثقافة كوزارة الثقافة أوهيئة الخرطوم للطباعة والنشر أن تحتوي كل المعارض الأجنبية للكتاب على نسبة مُقدَّرة في مساحات العرض المُصدق بها لصالح الكتب والإصدارات السودانية لمؤلفينا وأدبائنا الذي قارعوا بفكرهم وأدبهم و لومهم في الكثير من المحافل فصاروا أسماءاً في حياة الآخرين وما زالوا نكراتٍ لا يُأبه لها في وطنهم السودان على المستويين الرسمي والشعبي ، كيف لآلة الإهمال وسوء التخطيط من جهة ، وآلة الكبت الفكري والتشريد الإعلامي والإعتقال التعبيري من جهة أخرى أن تحولان المحافل الإبداعية على مستوى التأليف والنشر الورقي إلى صحراء جرداء خالية من مؤلفينا ومؤلفاتهم وفي عقر دارنا ؟ أما كفانا الإستلاب الثقافي المسموع والمرئي على مستوى الإذاعات الأجنبية والفضائيات ووسائط التواصل الإلكتروني .. أيها المسئولون عن كل هذا الإنفراط الحقوقي والأدبي إفسحوا المجال لوطنيتكم البحتة لتنالوا إحترام الناس والدول والهيئات التي لن تعرف أمجادكم ولا آدابكم ولا إشراقاتكم دون أن تلوِّحوا وتفاخروا وتهتفوا بحياة مبدعيكم وعلمائكم وأدبائكم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة