حينما رفع ذاك الشاب يده طالباً فرصة للحديث في المؤتمر الجامع انتقلت الأعين نحو الصفوف الخلفية ..لم يسرف في الحديث كغيره..بل كان متواضعاً في شرح وجهة نظره كشاب يبحث عن فرصة في وطنه..عثمان كغيره من آلاف الشباب هجر الوطن يبحث عن فرصة أخرى في ما وراء المحيطات الضاجة بالحياة ..عمل عثمان في شركة نظافة في إحدى المدن الأسترالية ..حذق عمله وكان دائماً في خاطره العودة إلى أهله محملاً ببعض الخبرة ..الآن عثمان يدير بالخرطوم شركة صغيرة ورائدة في مجال خدمات النظافة توفر فرص عمل لقطاع واسع من الشباب الذين يماثلونه في العمر ويشاطرونه حلم النجاح. بالأمس عادت الأفواج الأولى من المغتربين الذين ضاقت بهم المهاجر الخليجية ..معظم أولئك الشباب والشيوخ عانوا من الإحباط المزدوج ..لم تستوعبهم الأسواق السعودية وفي ذات الوقت لم يكن في وسعهم العودة و(اليد فاضية).. حتى خيار العودة الطوعية لم يكن يسيراً لولا المهلة السعودية للمخالفين..نحو خمسين ألف مواطن عادوا أو في طريقهم للعودة ..هذه الأفواج تحتاج إلى بعض الأمل في بلد مشغول بإطفاء الحرائق السياسية..مجموعة الخمسين ألف مواطن معالجة أوضاعهم أكثر يسراً من الذين سيأتون من بعدهم..باعتبار ان معظم هؤلاء من الأفراد الذين لم يرفلوا في نعيم الحياة الخليجية بالتالي سقف توقعاتهم من بلدهم لن يكون عالياً. المملكة العربية السعودية حزمت أمرها للتخلص التدريجي من العمالة الأجنبية عبر خطة( ٢٠٣٠).. عماد الخطة السعودية الجديدة تقوم على فرض ضرائب على العمالة الأجنبية حتى تفقد ميزة أنها عمالة قليلة الكلفة للقطاع الخاص السعودي ..كما تستهدف ذات الخطة التخلص من الأفراد غير المنتجين من الأطفال وربات البيوت..هنا يجدر السؤال عن الخطة السودانية التي من المفترض أن تستوعب الآثار السالبة بحيث يتم إدماج العائدين بيسر في حياة الكفاف التي يعيشها معظم السودانيين وذاك أمر غير يسير. جهاز شؤون العاملين بالخارج يقوم بجهد كبير في حدود اختصاصه..لكن العودة الجماعية المفاجئة للمغتربين أو أسرهم تستوجب نفرة وطنية حيث يتم حشد جميع الجهات ذات الصلة في اتجاه الفعل الإيجابي ..علينا أن نضع في الاعتبار أن هؤلاء المغتربين تحملوا أعباءً كبيرة في توفير الحياة الكريمة لأسرهم الممتدة بالسودان ..كما كانوا مصدراً مهماً للعملات الصعبة في الأزمان الصعبة ..لهذا ينبغي رد الإحسان وبزيادة . في تقديري ..المطلوب بأعجل ما تيسر تفعيل صندوق العودة الطوعية ونفض الغبار عن أعماله وتغذيته بالمال والأفكار ..هذا الصندوق ينبغي أن يلعب دوراً كبيراً في الأيام الحالكات ..من حسن الحظ أن عدداً من المغتربين سيعودون وفي أيديهم بعض المال ..وآخرين سيعودون مكتنزين بالخبرة الوافرة..لكن كل ذلك سيضيع هباءً منثوراً إن لم يجد مؤسسات إسناد تقدم الاستشارة الفنية والعون المالي إن لزم..هنالك قرارات اتخذتها الدولة ولكنها ما زالت حبراً على ورق مثل مجلس اقتصاديات الهجرة الذي تم إقراره مؤخراً لكنه لم يتحرك بين الناس..حتى حوافز التحويلات البنكية للمغتربين لم يتم تنشيطها رغم الحوجة الماسة. بصراحة..مطلوب مجلس وزراء مصغر للتعامل مع قضية العائدين..بالإمكان امتصاص الصدمة وتحويلها إلى طاقة إيجابية ..إن لم يحدث ذلك سترتفع الأصوات مرددة قول الشاعر: ( ملعون أبوك بلد).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة