|
جواز سفر مضروب بقلم عثمان محمد حسن
|
· هل هذا هو السودان حقاً؟
· ترى شيئاُ غامضاُ يتشكل في لغة محدثك اللفظية و الجسدية.. يزحف نحوك ذاك الشيئ.. غموض يغطي البيئة المحيطة .. يتكثف.. تلميحات تشككك في وجود أي حق لك في السودان.. و أن ما تستحقه لا تناله إلا اكرامية من المتحكمين.. تلك استراتيجية ( المؤتمر الوطني).. و قد جعل الشعب عبرها يشكر المسئولين على الهبات التي يتفضلون بها عليه بما فيها الماء و الهواء..
· تدخل مكتباً ما.. تقف أما الموظف.. تسأل.. تأتيك أحرف متباطئة في الافصاح .. و ضحكة تنطلق اشبه بفقاعة لا تقنع إلا من تعطل عقله عن الادراك.. هيكل الظلم يتضح رويداً.. رويداً.. و في تلك اللحظة تبدأ أنت في تشكيل ساتر مقاومة.. مقاومة إيجابية ربما.. و ربما تقاوم سكب الدموع.. لعلمك أن انهيار الساتر المقاوم أمر حتمي في ساحات يسيطر عليها الطغيان..
· أحقاً هذا هو السودان؟ الظلم أقوى من العدل حين يكون التشريع بيد من عشعش الظلم في فكره.. و ما يحدث ذرة من كم هائل قاتم ظل يتراكم و يتراكم... و يتراكم إلى أن غطت دماء العدالة كل السودان قرباناُ ( للتمكين)..
· و مع ذلك، " أبداُ ما هنت يا سوداننا يوماُ علينا.. و قد ظل الفيتوري درويشاُ يتجول في أمراض الشيخوخة دون جواز سفر سوداني.. و احتج من لا يملكون حق منحه الجواز.. إحتجوا فأتى لكن " بعد إيه ... بعد إيييه جاي تصالحني!".. كان الأفضل أن يظل في عالم التيه في " زمان الغربة".. و الانسحاب إلى الفجر الذي هو " جناحان يرفان عليه..."
· و أفادتني فتاة أمريكية عن وجود وظيفة مهمة في مؤسسة مالية ( حكومية) بولاية جورجيا.. تتناسب و مؤهلاتي.. لم أكن قد أمضيت وقتها عامين هناك.. فقلت لها " لن يقبلوني.. سوداني أنا كما تعلمين! و قد خذلني جواز سفري أول ما وطئت قدمي أرض بلادكم.."
· ردت الأمريكية الطيبة بتحدًّ " فلنجرب!"
· ( الشعب الأمريكي) من أطيب الشعوب.. و قد توجهت في الموعد.. و كانت في انتظاري.. دخلنا المكتب.. سألني المسئول عما إذا كنت أمريكي الجنسية.. رددت بالنفي.. سألني عن جنسيتي.. رددت: " أنا سوداني و سوداني أنا...." تحركت الأصابع الأمريكية المحترفة.. و بدأ صاحبنا يتصفح الشبكة العنكبوتية " السودان... السودان... السودان... السسسو..." و قفز كمن لدغته حية سامة و هو يصرخ: You No! No! No!!! cannot work; here ... لا! لا..! لا.. !!! لا يمكن توظيفك في هذا المكتب!
· أي جرم ارتكبت أيها السوداني حتى تعامل كالأجرب في كل مكان.. و من السبب؟ و هل سوف تظل درويشاُ متجولاً في العالم و بيدك جنيهات متآكلة.. و جواز سفر ( مضروب) في كل مطارات الدنيا.. أم أن العدل سيأتي و تستقر الأرض نماءاً و ازدهاراً.. حين يتأكد للجميع أن " الملايين أفاقت من كراها.. ما تراها ملأ الأفق صداها.. انحدرت من روابيها و أغوار قراها.. بدأت تبحث عن تاريخها.. بعد أن تاهت على الأرض و تاها.."
· و تاريخ السودان الجديد – السودان المعافى من كل ظلم- سوف يتشكل ب(عنفٍ) بسبب عوائق الطفل (الهمباك) و ( الخرخار) المتقوقع في شرايين ناس الانقاذ.. و نتمنى أن تزول العوائق بفعل إدراك الطفل الهمباك ( للواقع) و رضوخه له كي يتشكل السودان الجديد بسلاسة في حوار ( حقيقي) لا يضع أجندته مؤتمر الظلَمة اللا وطني..
· وقتها، قد لا ننسى الماضي بكل جراحاته.. لكن علينا أن نتسامى فوق الجراح.. من أجل جواز سفر تستحقه الأجيال القادمة أكثر مما نستحقه نحن...
|
|
|
|
|
|