|
جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان
|
جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان وتداعيات الحرب الأهلية
بريمة محمد أدم /واشنطن
بيئة جنوب كرفان في الأساس بئة رعوية خلاصة: جنوب كردفان تمتاز بطبيعة ندر أن توجد في بقاع لسودان الأخري: الخضرة، المياة، الأمطار الغزيرة، السلاسل الجبلية، الهضاب، الوديان، السهول، المراعى الخصبة، الغابات المترامية، الأراضى الزراعية الشاسعة، الحيوانات البرية، الفلوات النائة، إنسانها الذى ينسجم ضمن بيئته بصورة متفردة، ثقافاتها المتعددة، محيطها البئي والأيكولوجي والسكانى المتميز؛ كل ذلك يعتبر من موراد الأقليم الهامة والمهملة. في محاولة لإستشفاف حياة القبائل العربية الرعوية، ماضيها وحاضرها، خصوصيتها، ودور التمرد في هدم مقومات وجودها ومحاولة إجلاءها، نبدأ بتشخيص ملائمة بيئة جنوب كردفان للرعى التى وجلبت الرعاة للعيش فيها، ذلك ليس تقليلاً لملائمتها للزراعة أو السكن أوالتقليل من أهميتها الغابية أو المعدنية. كما سوف أحاول الربط بين هذه البئة الوعرة ومقوماتها الهائلة والعوامل المضادة التى سعت إلي دمارها وتهديد وجود القبائل العربية التى تعيش فيها وترتبط بها. 1. تعدد الموارد الرعوية جنوب كردفان، كغيرها من بقية أنحاء السودان، تمتاز بطبيعة خلابة، مناظر ساحرة عمادها سلاسل جبلية شامخة –تمتاز بأوديتها التي تشكل شبكة أوردة وشرايين تغطي وتغزي جميع بقاء جنوب كردفان. يكسوا أودية جنوب كردفان غطاء نباتي غني بالأشجار الضخمة ذات الاغصان المتشابكة التي تكثر بها فصائل مختلفة من القرود والطيوروالزواحف. هناك السهول ذات التنوع النباتي المتفرد، الفلوات ذات الشجيرات الغنية التي تجلب الحيوانات البرية كالغزال، الأرنب، الظباع مما يعنى مراعى متنوعة وبئات نائية غير مأهولة. هذه الفلوات كانت مراتع خصبة لأعداد هائلة من الصيد: كالفيل والزراف وأبوعرف والنعام –تلك الحيوانات قد تم تهجيرها أو إبادتها بعد نزوح السكان وإستيطانهم في المنطقة. التنوع المتفرد للتربة يعتبر مصدر أخر مصادر طبيعة وموارد المنطقة. التربة الطينية الخصبة تعتبر النسيج الغالب لتربة المنطقة وعصب موارد الرعي والزراعية الآلية: كمشاريع هبيلا الزراعية وغيرها حيث توجد حوالى 6 ملايين فدان من الأراضي الزراعية (المراعى) الخصبة (د. سليمان محمد سليمان: السودان حروب الموراد والهوبة). أما تربة القراديد والأراضي الرملية التي تتداخل مع الأراضي الطينية تهيئ مكاناً لتجمعات الرعاة الذين يقومون برعي الهضاب الطينية المجاورة. أن إختلاف نباتات القردود عن الهضبة الطينية مع أنهما متداخلتان، مظهر من مظاهر جودة مراعى جنوب كردفان. غالبا،ً تكون نباتات القردود عديمة الاشواك وعريضة الأوراق وغزيرة الظلال وتتخللها الحشائش القصيرة حيث تجد الرعاة يستظلون تحت أشجارها ويبنون بيوتهم من أغصانها. كما أن أراضي القردود تمتاز بسهولة السير عليها في وقت الخريف وتحتفظ بمياهها لفترات أطول بعد نهاية نزول الأمطار مما يساعد الرعاة على الحصول علي مياة الشرب. إن من عوامل جزب المنطقة للرعاة تعدد البيئات النباتية حيث تختلف النباتات على قمم الجبال، سفوهها، والأودية التى تنحدر منها ومع ما يجاورها من الأراضي الرملية والطينية، القراديدية والحجرية مما يعنى مراعى متعددة العشائر النباتة والمزاقات والجودة. إن الخصائص الإيكولوجية المتفردة والمتعددة جعلت من جنوب كردفان مورد رعوي هام. إن كثرة القمم الجبلية، ومنخفضاتها، منحدرات الوديان التي تحتها، والسهول الواسعة المنبسطة حولها، والغابات الدائمة الخضرة والنفضية الكثيفة المترامية على أطرافها أو تلك التى على قممها وسفوحها، مع تنوع أوراقها، ثمارها، أزهارها، فصول إخضرارها، تكون في مجملها حقائق جغرافية وأيكولوجية تدعم خصوصية جنوب كردفان الرعوية عبر القرون.
2. تعدد الموارد المائية تظهر خصوصية جنوب كردفان في فترة الخريف، عندما تظهر السحب الكثيفة بتراكماتها وتشكيلاتها المختلفة ككتل جبلية مستقرة أو متحركة ببطء في جوف السماء توحى بأنتهاء فصل الجفاف وبداية موسم الهجرة إلي أراضي القوز في شمال كردفان لتفادي الطين والأوحال والباعوض والحشرات الضارة. إن كثير من الدارسين للرعى يرى أن غزارة الأمطار من العوامل الطاردة للرعى في جنوب كردفان، لكن إن كثرة الأمطار سبب مباشر لعملية التجوال وبعملية التجوال هذه تجدد البئات والنباتات حيوتها وتكمل دورة نموها وبالتالي تحاظ على صيرورتها وديمومة الرعى. تهطل أمطار جنوب كردفان غداةً، ضحاءاً، ظهراً، عصراً وليلاً أيّ في جميع الأوقات وطوال موسم الخريف. أهم أنواع تلك الأمطار هي: الضحوي الذي يهطل في الصباح ويدوام هضوله حتى منتصف اليوم؛ الليلية التي تهطل ليلاً؛ السرَّاي الذي يهطل ويداوم هطوله لفترة طويلة. وهذه الانواع تعتبر أمطار السافنا الغنية أوأمتداداً للأمطار الأستوائية. كما تهطل الأمطار التصاعدية والمعروفة في حزام السافنا بالمانسون في فترة الظهيرة حيث تتكثف السحب ثم تهطل بغزارة ولفترة قصيرة محدثة فيضانات خاطفة. إن غزارة الأمطار، كثرة الأوحال، أنغلاق طرق الموصلات، كثرة الباعوض والحشرات ماصة الدماء تجعل جنوب كردفان غير صالحة للسكن أصلاً في فترات الخريف. كما تمتاز جنوب كردفان بغزارة أمطارها، أيضاً، تمتاز بتعدد مواردها المائية الأرضية ومسمياتها التى تشمل الوديان، البطاح، الشقوق والخيران، الرهود والتبوب، العضاي والمشقات، الفيوض والفول، الأسراف والفاو والبحرات (كيلك واللبيض). أمثال لذلك من الخيران: خور أبو حبل الذي يعتبر من أهم الموراد المائية؛ ومن الوديان الوادي الإزيرق؛ ومن التبوب تب الصوف؛ ومن العضاي عضية الوزين؛ ومن المشقات مشقة الدروت ونبقاي؛ ومن الفيوض فيض جالود وفيض عبيد؛ ومن الفول والأسراف سرف الجاموس وسرف الضي؛ ومن الفاو فاوة دبكراي وفاوة عديره. أضف إلي ذلك الرصيد المائي وجود الخزانات المائية، الأبار الأرتوازية والحفائر التي أنشئت مع بداية الزراعة الآلية التي توجد بكل قرية على أمتداد جنوب كردفان. كل تلك الموارد المائية المتعدد جعلت الرعاة يتوزعون بأنتظام خلال كل سهول وهضاب وجبال جنوب كردفان وأستقلالهم لمراعيها أستقلالاً امثلاً دون تدمير إيكولوجية المنطقة.
3. تعدد الموارد الغابية والنباتية تعتبر جنوب كردفان مصدراً هاماً من مصادر الثروة الغابية في السودان. توجد الاشجار الضخمة والمعمرة، الاشجار المتوسطة، الشجيرات الزاحفة والمتسلقة، الجزور والرازومات الأرضية، الثمار والأوراق التى تؤكل في فترات الصيف والمجاعات. من الأشجار الضخمة والمعمرة يوجد شجر التبلدي، الأرديب؛ الأرد، الحميض، الكوك؛ الجميز، الحراز، القرض، التيك، أم شطور، الدبكر، الدروت وغيرها؛ ومن الأشجار المتوسطة يوجد شجر الدوم، الدليب، النبق، الطلح، الهجليج، أم سنينة، الهشاب، الأبنوس (من أهم الأشجار التى أصابها دمار شامل نتيجة الحرب)، الهبيل، الليون، المليس، الجوغان، الزان، القنا، اللعوت، الغبيش، الكتر، الخروب، الخشخاش، السريح الأبيض والأسود، القفل، اللبان الأبيض والأسود؛ من الشجيرات توجد شجرة التكة، الغبيش، الكداد، أم بيّود، أبوقوي، الشحيط ، أم عفينة؛ ومن الشجيرات المتسلقة توجد شجيرات السلعلع، اللعوت، السريح والمرخ. بالأضافة لتلك الأشجار توجد أشجار الفواكة بأنواعها المختلفة. ومن حشائش السافنا يوجد أبوبليلة، أم جر، أبوالرخيص، أم بانقي، أم كنق، أم جيكو، أم سكيّنة، العدار، أم ضولو ضولو، أم سكاكين، أم مريرة، حريرة، قش القردود والفولة. ومن الأعشاب المتسلقة تجد طرطاق، أم بيجي، الشنقل، وأم دقن تيس. دون أستثناء أستطاع الرعاة رعي بهائمهم علي أغصان وأفرع هذه الأشجار في فترة الصيف عندما يجدب المرعى. حيث يقوم الرعاة بتسلق هذه الأشجار وقطع فروعها. قد ثبت أن تجذيب الأشجار بهذة الطريقة يؤدي إلي تجديد نموها وأطالة عمرها؛ إذ أن وجود الرعاة ساعد في المحافظة على وتجديد بئات جنوب كردفان المتنوعة. ومن تلك الأنواع المختلفة للنباتات تري التداخل بين الأشجار الضخمة، الشجيرات الزاحفة، المتسلقة والأعشاب الكثيفة لتكون في مجملها غابات شائكة ومتشابكة فائقة الوعورة. ومن أمثلة ذلك التشابك ما يسمى بأم حطبة: دلالة على كثرة الأشجار التي لايمكن السير فيها إلا على الاقدام وفي بعض الأحيان لايمكن السير فيها إلا حبواً على الأرجل؛ كمثال لذلك أم حطبة التى تقع جنوب خور أبوحبل في منطقة "قد الهبوب" أو تلك التى تقع شمال مشاريع هبيلا الزراعية. كل ذلك يؤكد ملائمة جنوب للرعي قبل السكن.
4. موارد أخري أعتاد الرعاة في جنوب كردفان التغذي على كثير من الجزور والرازومات الأرضية في أوقات المجاعات والحروب كأم بيجي والشنقل (بطاطس برى)، الفايو(جزر حلو المزاق) والحالوك (جزر أرضي لثمرة الدليب). هناك أيضاً الأوراق التى تعمل في شكل سلطات كورق التبلدي، العرديب، الأبنوس وأورق العركلة (نبات مائي). العروق التى يأكلها الرواعية بعد أشتداد الجوع بهم في فترة ما بعد الظهيرة كأم دقن تيس و سيرسير وغيرها. أما الثمار فلايمكن إحصائها فهي كثيرة ومتعددة أنواعها: كالنبق، العرديب، اللعلوب، الدليب، الدوم، أم مديكة وغيرها.
5. إنسجام الرعاة مع البيئة هكذا ترى أن الرعاة في جنوب كردفان عاشوا وسط هذة البيئة الوعرة مستقلين ما يكفيهم لغذاءهم وملبسهم؛ لم يعتدوا عليها ليدمروها، بل ظلوا منسجمين معها أنسجاماً فطرياً متناغم مع دورتها الطبيعية، يشربون ماء أبارها، أفوالها، غدائرها وبطاحها، يأكلون ثمارها، أوراقها، وجزورها، يتدفون بحطبها اليابس دون المساس بغاباتها، يزرعون بين أوديتها وحول سفوح جبالها، يصطادون حيوانها البرئ دون إسراف أو إتلاف لإيكولوجية المنطقة. ثم يأتى التمرد ليقوم بتخريب البئة وتدميرها وتفككها بحصر الرعاة في بئات جافة هامشية مما هدد النظام البيئ الإيكولوجى في تلك المناطق.
|
|
|
|
|
|