|
جنا تعرفه!! حسين الزبير
|
جنا تعرفه!! حسين الزبير
كتابة هذا المقال دعاني للتأمل في الامثال الشعبية المتداولة في الثقافة السودانية، مثل عنوان هذا المقال، و اكبر منك يوم يعرف اكتر منك سنة، اسأل مجرب و لا تسأل طبيب ، اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب... الخ و هي كما ترون امثلة تغيب العلم و تلغي تفسيراته، ثم هي اصلا تبرير للعجز عند مواجهة الصعاب، و الذي يسميه الفرنجة ب Rationalization) ).
خطرت لي هذه الخواطر صباح اليوم و انا اقرأ مقالا للدكتور ابراهيم دقش في زاويته عابر سبيل، و كما تعلمون ان الدكتور لا يعطي ايا من مقالاته عنوانا ، و ربما يكون هذا فنا من فنون الكتابة – و اقول هذا لان الدكتور كاتب صحفي ماهر ، يربك قارئا مثلي فيحار في ان يكون مقاله معارضا ام تأييدا خالصا للنظام!!
في مقال اليوم يحكي الدكتور قصة رواها له صديقه الصحفي التنزاني جنرالي المونيقو، ملخصها ان عصابات اجرامية متخصصة في تجريد زوار جنوب افريقيا عن طريق مطار جوهانسبيرج من اموالهم و مقتنياتهم الثمينة ، اما في الطريق الي المدينة او بعد وصولهم المدينة و دخولهم الي مكان السكن. و قصة الصحفي عن ثلاثة قادمين من يوغندا و اثيوبيا و مالي لحضور مؤتمر من مؤتمرات الامم المتحدة في ضاحية ساندتون ، و بعد ان جردوهم من ممتلكاتهم ، تقدم احدهم و سألهم من اين اتوا، و بعد ان عرف جنسياتهم :
يقول الدكتور : (القي عليهم محاضرة قصيرة هذا نصها: نحن نعلم انكم هنا من اجل مانديلا لانكم تعتبرونه بطلا قوميا.. لكن دعوني احدثكم عن نفسي، فقد كنت محاربا من اجل الحرية ، و كنت متطرفا في تأييد و مساندة مانديلا و حرب التحرير التي شنها حزب المؤتمر الوطني الافريقي، لكن بعد مرحلة التحرير ماذا حدث؟ لقد حصل مانديلا و مجموعته علي الوظائف و المناصب البراقة، و قطنوا في في منازل فاخرة مخفورة و قادوا سيارات فارهة ، و اقتنوا اجمل البنايات فماذا حصلت عليه انا؟ لا شئ البتة، اتسمعون ؟ لا وظيفة لا منزل، لا نقود ، لا تعليم .... لا شئ!!"
اذا اعتبرنا هذا الحديث يمثل وجهة نظر الدكتور ، فانه يستخدم المثل : اخير ليكم جنا تعرفونه، بلا ثورة بلا سبتمبر – لكن في امكان الدكتور ان يلقمني حجرا و يتهمني : انت ما بتفهم؟! هذا حديث انقله عن صديق و الصديق ينقله عن مجرم !!
لكن في الامكان ان نفسره تفسيرا آخر ، ان الدكتور فعلا يقصد الجشعين من المثقفين، الذين يصلون لمواقع السلطة و اتخاذ القرار ، بصورة او باخري!، ثم ينعمون بمال دافع الضرائب ، و عبد الدافع صاحب المال ينقصه العلاج و التعليم و الامن و في كثير من الاحيان المأكل و الملبس! و هنا الدكتور معارض ومنتقد لهذا السلوك! الشئ الوحيد الذي يؤخذ عليه انه ايضا اختار السهل عندما اصبح كاتبا في صحف الخرطوم المؤيدة للنطام.
و من هذا المنطلق استطيع ان اقول ان هذا المقال ربما ينصحنا ببلاغة المثل: (جنا تعرفه) ، لكنه يختم مقاله بالآتي:
(و ينتهي صديقي جنرالي الي حقيقة موجعة بان جنوب افريقيا ، مثلها مثل بلدان افريقية اخري، كان لا بد ان تدفع ثمن "جشع" مثقفيها الذي اغرقهم في غياهب الجب فلم يعودوا يسمعون الاجراس التي تدق لهم!! و الدرس لا يحتاج لحصة عصر من جانبي!!)
و الخاتمة كما ترون حمالة اوجه مرة اخري: ربما تعني الجشعين من ابناء السودان الذين معنا في مركب يغرق ، و لا يريدون ان يتنازلوا من بعض ممتلكاتهم لنرميها في بحر ميزان الدولة حتي تطفوا السفينة و لا تغرق، فننجوا جميعا. و ربما يقصد "الجشعين" من قيادة المعارضة و الثورة ، الذين يريدون للشباب ان يثوروا و يستشهدوا ، ثم يأتي العهد الجديد حيث هم اصحاب السلطة و امتايازاتها!!
الم اقل لكم ان الدكتور كاتب ماهر ، يستطيع ان يوظف لغته و اسلوب تناوله لموضوع المقال ، فنفهم نحن كما نريد ، و تفهمها الرقابة علي انها تبشير ب "جنا تعرفه"!!
رب نعوذ بك من الجن و الشيطان ، ما نعرفه و نجهله ، فابدل حال بلادنا الي حال لا مكان فيه للجن، يعمه العدل و الرخاء ، و تتوفر فيه اجهزة غسيل الكلي في المراكز الصحية ، انك سميع مجيب.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.
|
|
|
|
|
|