|
جدلية الوحدة و الانفصال (1)..حديث المستقبل
|
جدلية الوحدة و الانفصال (1)..حديث المستقبل تتطلع جماهير الشعب السوداني و المراقبين إلي مفاوضات السلام الجارية حالياً في ضاحية نيفاشا بكينيا العزيزة بين حكومة جمهورية السودان و الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان بغرض التوصل إلي اتفاقية سلام عادل و شامل يضع حداً للحرب الدائرة في جنوب البلاد لأكثر من عقدين و التي راح ضحيتها قرابة المليوني شخص . أقر بأنني وحدوي حتى النخاع لو كان الأمر يتحقق بمجرد الكبس علي الزر لفعلت و لكن هيهات هيهات لن تكون المهمة سهلة علينا كسودانيين صناع قرار و مثقفين و من هنا سيكون لهذه الإشكالية حضور فاعل في مقبل الأيام و ستصبح حديث الساعة و لذلك علينا تشخيص الأمر ووضع الحقائق أمام الناس جميعا حتى يقوم كل بدوره عن وعي وإدراك بدلاً من أن ندع الأمور للصدف أن تفعل فعلها و حينها لن يجدي نفعاً لعق الأصابع و الندم . كل سوداني حر في الدعوة للمذهب الذي ينتمي إليه ويؤمن به عن قناعة سوءا أكان يدعو للوحدة أم للانفصال و يجب أن يكفل النظام السياسي القادم و دستور المرحلة الانتقالية هذه القضايا بوضوح تام . فالمغزى من كل ذلك نريد أن يأخذ الأمر حقه في النقاش و البحث وتبادل وجهات النظر تأكيداً لمبدأ احترام الرأي لا يفسد للود قضية فعلا لا قولا . هناك أسئلة مهمة حول الانفصال في إطار المسكوت عنه و لكني بلا تحفظ سأطرحها و أجلو منها الغبار لأن الخشية والتردد تقتلان صاحبيهما فما بالك بقضايا تهم ملايين البشر . نتطلع إلي قراءة منتجة للواقع السوداني المعقد و كما قال نصر حامد أبو زيد أن أي قراءة لا تبدأ من فراغ ، بل قراءة تبدأ بطرح أسئلة تبحث عن إجابات . و سواء أكانت هذه الأسئلة التي تتضمنها عملية القراءة صريحة أم مضمرة ، فالمحصلة في الحالتين واحدة وهي أن طبيعة الأسئلة تحدد للقراءة آلياتها . و يكون الفارق بين السؤال المعلن و السؤال المضمر أن آليات القراءة في الحالة الأولي تكون واعية بذاتها و قادرة علي استنبات أسئلة جديدة تكون بدورها قادرة علي صياغة آليات القراءة ، وبذلك تكون القراءة منتجة . ماذا نعني بالانفصال أصلا ؟ و هل نحن متخوفون منه ؟ وما هي أسباب هذه المخاوف ؟ وما هي تداعيات انفصال الجنوب وإقامة دولة ؟ ما مقومات تلك الدولة ؟ كيف ستكون علاقتها الخارجية خاصة دولة الشمال ؟ ما اسمها ؟ من الأحق باسم السودان ؟ أم ستكون جمهورية السودان الجنوبية و جمهورية السودان الشمالية علي قرار الكوريتين أم ستسمي دولة الشمال نفسها بجمهورية السودان العربية الإسلامية الشمالية حتى تكون عضوا كاملا في جامعة الدول العربية وبذلك تنهي كل المخاوف والاعتراضات التي دارت حول انضمام السودان لتلك المنظمة الإقليمية وتحديدا من لبنان .ويصبح دولة الجنوب عضوا في الولايات المتحدة الإفريقية بلا تحفظ ويأتي هواة التعليق و يقولون هذا هو الوضع الطبيعي للسودان القديم وينتهي الجدل حول مسألة الهوية الجغرافية و الانتماء العرقي و الديني و يذهب كل المسيحيين الموجودين في الشمال حتى لو كانوا أقباطاً إلي دولة الجنوب و كل من يحمل اسما عجميا ويأتي في مقابل ذلك كل مسلم موجود في دولة الجنوب إلي الشمال و كل من يحمل اسما عربيا و بعدها يا دار ما دخلك شر . و تتداعى الأسئلة فهل سيبقى الشمال موحدا في حالة انفصال الجنوب وقادراً علي إقامة دولة متجانسة ذات كيان سياسي اجتماعي ينتمي إليه كل من هم في الشمال دون تمييز كما كان في السابق و بذلك تنتهي كل المخاوف المثارة حاليا في دار فور العزيزة و الشرق وكردفان والأقاليم المختلفة . سوف أحاول الرد علي بعض التساؤلات من خلال الفقرات التالية و بعضها سأتركه لحصافة القاريء الذي أثق تماما في قدرته علي إدراكها . (1) مقومات دولة الجنوب. (2) صعوبات دولة الشمال (3) طبعة التعايش بين الدولتين.
مقومات دولة الجنوب يجب أن لا نشكك أبداً في تكوين الجنوب لدولة قادرة علي العيش والبقاء وقوية و متجانسة بعيداً عن الصراع الذي دار طيلة السنوات السابقة ، بل ستكون الأمور أهون بكثير مما هي عليه الآن و يجب أن نأخذ في الحسبان من أن الجنوب جريح وهو في تحدي كبير لإثبات الذات والقدرة علي تجاوز مرارات وعقدة الرجل الشمالي قياساً علي عقدة الرجل الأبيض لدى كافة الأفارقة .ولدي الجنوب الآن رصيد واحتياطي كبير من البترول فضلا عن الإماكنيات الزراعية والرعوية وهذه قادرة علي جلب الصناعات والتكنولوجيا وغيرها من أسباب التطور والنماء. وفي اعتقادي أن الجنوبيين قادة رأي من السياسيين و المثقفين واعون تماما لذلك و للعلاقات البينية بين كل القوي الجنوبية ومساهمتها في صياغة المرحلة المقبلة من تاريخهم تتويجا لنضالهم من أجل قضيتهم ولا يمكن أبدا المراهنة علي الحرب بين تلك الفصائل و النظر إليها بأنها عاجزة وضعيفة عن قيادة الجنوب وإيجاد الحلول لمشاكله والتي ستكون بعد اليوم حول المعيشة و الحياة الكريمة تعويضا لسني الحرب و الدمار و الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان صاحبة القدح المعلي لصنع مستقبل أفضل للجنوبيين علي اختلاف مشاربهم لما نالته من ثقة لدى حكومات الخرطوم الحالية والسابقة وحكومات العالم و أثبتت بأنها رقم صعب تجاوزه في قضية الجنوب بل لها الريادة في ذلك و إدارة الصراع بشكل يرضي من هم في الجنوب وفاءا وعرفانا لما بذلوه وضحوا به للوصول إلي ما تم الوصول إليه وقيادتها الفذة ممثلة في شخص الدكتور جون قرنق دي مبيور مدركة لوقعها تماما وهو رجل وحدوي ولكن الكرة الآن في ملعب كل جنوبي وهو حرٌ في اختياره وما علي القيادات الجنوبية سوى الانصياع لذلك الاختيار والتمسك بنتائجه حتى لو جاءت مخيبة للآمال باختيار الانفصال الذي معناه دولة جنوبية مستقلة وليس أمام الجميع إلا احترام ذلك و أولهم الشماليون وخلفهم الرأي العام العالمي بأسره وفي مقدمته الحكومات التي ستتسابق علي ذلك لإيجاد موطأ قدم لشركاتها المتعطشة لفرصة كهذه .
صعوبات دولة الشمال الشمال لديه حكومة قائمة بالفعل معلومة الإقليم و السكان و لكن السؤال الكبير و الخطير هل الحكومة الحالية مستعدة تمام الاستعداد لنتيجة كهذه من الناحية النفسية والسياسية والمواطنين مستعدون لتقبل كل النتائج أيا كانت؟ لا أعتقد بأنني أستطيع أن أجيب علي ذلك بصورة قاطعة فالأمور تبدو غامضة بعض الشيء وتداعياتها كلها علي الأقل لم تكتمل بعد حتى نعطي إجابة صريحة . و لكني أحاول تلمس ذلك بعين المراقب و المحلل للشأن السياسي مستعينا بالتجارب السابقة . أولا هذا حدث فريد من نوعه في تاريخ التجربة السياسية السودانية أن توافق حكومة طواعية كما يبدو ومكرهة خلف الكواليس كما يستنتج علي إعطاء سكان إقليم بعينهم حق الاختيار طواعية الوحدة أم الانفصال و هذا ليس منحة كما يظن البعض أو يلتبس عليهم ولكنه طريقة مشروعة وفق القانون الدولي لفض المنازعات بدلا من الحرب و الاقتتال .ولكن أيا كانت المواقف فهو أمر ايجابي يحسب لصالح الأطراف التي وافقت علي ذلك الحكومة و الحركة الشعبية لتحرير السودان و كل ينظر إليه من زاويته الخاصة . أحدى الصعوبات تتمثل في تداعيات ذلك علي الوضع السياسي العام برمته وحول تفشي ظاهرة الانفصال والمطالبة به وانتقال العدوى إلي أقاليم أخرى و ذلك لأن الشمال وحده ليس علي قلب رجل واحد بالرغم من وحدة الدين إذا استثنينا بعض الفئات أو بالأحرى الدين الغالب ولكن الأمر يزداد صعوبة إذا حاولنا التطرق للمشاكل الاثنية و القبلية و الطائفية و التي لن يحلها انفصال الجنوب فحسب ولكنها تتطلب ذات الحلول التي تقضي بوجوده بين أقاليم البلاد المختلفة و المتنوعة دينيا و ثقافيا و اجتماعيا .أي لابد من وجود كيان سياسي اجتماعي جديد ينتمي أليه كل سوداني دون تمييز وبصرف النظر عن الدين أو العرق أو الثقافة .كذلك هناك تحدي التنمية والعدالة الاجتماعية وفتح الباب واسعاً أمام المشاركة السياسية والإدارية وغيرها .أي لن يفيد أن نغير الديباجة بإضافة كلمة إسلامية كي تصبح جمهورية السودان العربية الإسلامية دون التعرف علي المشاكل وتناولها بعمق ودراسة وامتلاك الشجاعة لذلك فمثلا هناك حديث عن ما يسمى اقتصاد إسلامي وأنا مسلم و أقول ذلك بلا تحفظ لأنني في دراستي الأكاديمية لم أجد نظرية اقتصادية إسلامية و كنت أتمنى ذلك ولكن الأمنية شيء والواقع شيء آخر كل ما هنالك أنه توجد نظريتين رأسمالية واشتراكية و هناك حديث عن اقتصاد مختلط أي المزاوجة بين النظريتين . هنا تبدو المخاوف وماذا نعني بالدولة الإسلامية ؟ و هل الشريعة الإسلامية اقتصاد وسياسة أم حدود فقط؟ أي أن هناك أسئلة معلقة بلا إجابة فالمنطق و العقل يقتضيان دعونا أولاً أن نجد حلول لذلك وبعدها يتحدث ما شاء عما يؤمن به ويراه قادراً علي المنافسة والبقاء.فليس بالدين وحده يحي الإنسان و أن السماء لا تمطر ذهباً و لا فضة و الحياة تعني علاقة الإنسان بأخيه الإنسان .و إذا أرتكب أحدهما مظلمة تجاه الآخر لا يغفرها له الله سبحانه وتعالي إلي أن يقوم من ارتكبت بشأنه بالصفح عنه .من الصعوبة التطرق لكل الإشكاليات ولكنني فقط أردت التنويه لبعض منها وربما نتمكن من ذلك في المستقبل القريب .
طبيعة التعايش بين الدولتين يتوقف هذا علي عدة شروط أولها طبيعة العلاقة خلال عمر الفترة الانتقالية فهل تسير الأمور بسلالة وفق ما هو متفق عليه أم أن طاريء ما سيحدث يؤدي إلي تغيير مجرى الأحداث لم يكن محسوبا لدى كافة الأطراف . ثم ما هي الرغبة الحقيقية لدى كل الأطراف حكومة ومعارضة و رأي عام شمالي وجنوبي من الخيارات المطروحة حول الوحدة والانفصال . ما طبيعة الدور الذي ستمارسه الدول الكبرى و علي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل ستدعم مسألة الوحدة أم الانفصال؟ ما نوع الضمانات والخطاب الذي سيقدم للمواطن الجنوبي حتى يختار الوحدة بدلاً من الانفصال؟ سوف أتناول لاحقاً مسألة الوحدة بالتفصيل وذلك احتراما للمساحة ومراعاة لزمن القاريء. بدر الدين أبو القاسم محمد عضو الحركة الشعبية لتحرير السودان
|
|
|
|
|
|