|
جامعة الأزهر... و"أصحاب الياقات البيضاء"! بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان كاتب وأكاديمي فلسطيني
|
جامعة الأزهر بغزة "أصحاب الياقات البيضاء" White-Collar Criminal مصطلح متعارف عليه في القانون الجنائي منذ عام 1948. كان ويليام دورانت Willian C. Durant مؤسس شركة جنرال موتورز الأمريكية General Motors هو أول من استخدم هذا المصطلح في كتابه بعنوان "سيرة عامل من أصحاب الياقات البيضاء"، ثم جرت العادة، فيما بعد، أن يطلق هذا المصطلح على الأشخاص الذين يتمتعون بمراكز رفيعة على المستويات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، وهم أولئك الذين يرتدون، في العادة، ملابس ياقاتها بيضاء ذات أناقة ونظافة وبريق متميز، وذلك إيحاءً لكل من يراهم أو يتعامل معهم بطهارة اليد ونقائها. غير أن هذا المصطلح يرتبط في المفهوم- وعلى نحو أساسي- بفعل إجرامي، ومثال ذلك أن يرتكب أصحاب المراكز الراقية في المجتمع أفعالاً غير مشروعة، بغية الحصول على ملكية أو مال أو نفع شخصي وبالاختلاس أو الرشوة أو إساءة استخدام النفوذ أو المال العام، أو السلطة، وغير ذلك من جرائم الفساد. في مقال لي نشر منذ نحو شهر تحت عنوان "عن حوار بين ثلاثة كنت أحدهم"، حذرت من مفسدة هي في الحقيقية من مفاسد (جرائم) "أصحاب الياقات البيضاء"، مفادها أن مدير شركة تدقيق ومراجعة ومراقبة حسابات تعمل في قطاع غزّة- وهي الشركة المتعاقدة مع جامعة الأزهر لتدقيق حساباتها ومراقبتها ومراجعتها- قد كلّفته الجامعة التي يراقب هو أموالها ويراجع ويدقق حساباتها، كلفته بجدول يحاضر هو بموجبه في مادة "المحاسبة" لطلبة كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية والمالية. تساءلت في مقالي على نحو استنكاري عجائبي: "أأراد أرباب الجامعة من وراء استخدام مدير هذه الشركة محاضراً في المحاسبة أن يحققوا لطلبة المحاسبة كسباً علمياً محاسبياً يندر تحقيقه أو لا يمكن بلوغه إلا على يديه (أي على يدي مدير شركة تدقيق الحسابات ومراجعتها)، أم أنهم أرادوا من وراء ذلك تحقيق كسب لأموال الجامعة وحساباتها التي يدققها ويراجعها ويراقبها هذا الذي يحاضر في طلبتها، فيما هو ذاته من يراقب- كما أسلفنا- حساباتها ويدققها ويراجعها؟!!!" أأراد أرباب الجامعة أن يجعلوا من مثل هذا التصرف غير النزيه وغير الشفاف عملاً من أعمال الترويض؟! هذا، وإن كنت قد قلت في أمر مدير الشركة الذي يدقّق حسابات جامعة الأزهر ويراقبها ويراجعها وهو الذي يعطي في الوقت ذاته محاضرات في المحاسبة لطلبتها، فإن زاوية "من أجل جامعتنا- جامعة الأزهر بغزة" على موقع التواصل الاجتماعي (Facebbok) قد جاء فيها نصاً: "ماذا يعني تعيين مدير شركة تهتم بأمور المراجعة والتدقيق لحسابات الجامعة للتدريس بالساعة؟ الآن... كل القوانين واللوائح والإجراءات الإدارية والمحاسبية وعلى رأسها قانون ساربنز أوكسلي 2002 الشهير يحتم ضرورة تدوير شركات المراجعة كل 5 سنوات وأن على شركات المراجعة عدم تقديم خدمات المراجعة والمحاسبة والمراقبة والاستشارية في آن واحد... وأعطت مساحة بجانب عمليات المراجعة والتدقيق تقديم خدمات استشارية بما لا يزيد عن 5% وهذا ضماناً وحفاظاً على استقلالية المراجعة والشفافية، وذلك بسبب المصائب والكوارث الكبيرة التي حدثت في عالم الأعمال بسبب عدم استقلالية المراجع الخارجي. تم تكليف مدير شركة تهتم بأمور الجامعة والتدقيق لحسابات الجامعة للتدريس بالساعة في الفصل الحالي الأمر الذي يعرض استقلالية المراجع للشك أو إمكانية أن تكون هناك مصالح متبادلة. أين القسم؟ أين عمادة الكلية؟ أين الشؤون الأكاديمية؟ أين رئاسة الجامعة؟ أين الدور الرقابي لأجسام الجامعة؟ كان لا بد لهذا الأمر أن لا يتم حفاظاً على الاستقلالية والشفافية وتجنب الشكوك والشبهات. هذا الأمر يضع علامات استفهام كبيرة وكثيرة؟؟؟" لعلي هنا أشير إلى أن النزاهة والشفافية- تحسباً للمساءلة والمحاسبة- إنما تقتضي أن يكون المدقق الخارجي للحسابات مستقلاً، الأمر الذي يحرض المرء على أن يتساءل: كيف يمكن لمدقق خارجي لحسابات الجامعة أن يكون في عمله المحاسبي التدقيقي مستقلاً في ذات الوقت الذي تستخدمه الجامعة محاضراً لطلبتها بالساعة؟! الجواب: لا استقلالية ولا نزاهة ولا شفافية- البتة- في مثل هذه الحالة. ما أشار إليه الأخ الأستاذ/ هيثم غبن في زاوية "من أجل جامعتنا" حول قانون ساربينز أوكسلي، دفعني إلى مزيد من البحث، بغية التمتع بالحصول على المزيد والمزيد من الفهم والعلم. ساربينز أوكسلي Sarbanes- Oxley SOX أو Sarbox SOX هو قانون أمريكي أجازه مجلس الشيوخ الأمريكي لتحميل المسؤولية عن فساد المعلومات أو القوائم المالية لكل من الرئيس التنفيذي للمؤسسة وللمدير المالي فيها، دون إعفائهما- كما كان سابقاً- من هذه المسؤولية حتى وإن تذرعا- ادعاءً- بعدم العلم أو عدم المعرفة بالمخالفات أو المفاسد المثارة، الأمر الذي يعني أن هذا القانون الأمريكي Sarbanese-Oxley يُمَكِّن السلطة من حبس الرئيس التنفيذي للمؤسسة ومديرها المالي وفرض غرامات عليهما إذا قام أحدهما أو كلاهما بالتوقيع على مستندات تشتمل على تلاعب أو فساد مالي مهما كان حجمه، إن كبر أو صغر. هذا، ويرتبط بما أسلفناه، وبما نحن الآن فيه وإليه في سياق جامعة الأزهر و"أصحاب الياقات البيضاء"، ما تمر فيه جامعة الأزهر من معوقات ومفاسد وصعوبات زادت خلال هذا الأسبوع حدّتها مع انقسام حاد في مجلس نقابة العاملين أدى إلى انهياره أغلبيةٌ توافقت بثلثيها على الاستقالة، فيما تبعثرت وتناثرت أهدافها وانقسمت على نفسها حول كيفية الخروج من الأزمة. من بين أسباب أزمة الاستقالة هذه- بناءً على ما جاء في نصها، وليس بناءً على ما لدينا من تحليل أو استنباط- تعيين سبعة في المغراقة سبقه تعيين اثنين آخرين في بيت حانون قبل شهرين. غير أن الأهم في هذا الأمر هو زيادة إلى الإشارة بأصابع الاتهام إلى "أصحاب الياقات البيضاء" الذين استغلوا مراكزهم وأساءوا إلى مكانتهم ومناصبهم فقاموا بتعيين أبنائهم وأقاربهم ومعارفهم وجيرانهم هكذا، دون نظام، ودون ضوابط، ودون أصول، ودون مراعاة لآدمية الآدميين من حيث فقر حالهم وسوء أوضاعهم ومُرِّ حاجتهم إلى المطالب الأساسية الأربعة لحياة الآدميين الدنيا التي بدونها تنتفي الآدمية التي قال فيها رب العالمين: "إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى". لقد نشرت الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي (Facebook) عن هذا الأمر أخباراً وافرة وبيانات توضيحية مفادها جميعاً- بغض النظر عن مدى دقتها- أن الدكتور/ عبد الرحمن حمد، رئيس مجلس أمناء جامعة الأزهر مسؤول مباشر عن تعيين أحد أقاربه، وبناءً على ما اعترف به هو- على ذمة الكرامة برس- متذرعاً بأن الأمر ليس تعييناً، وإنما هو "مياومة" لأعمال الأمن والحراسة!!! الغريب أن رئيس مجلس الأمناء يرد على الكرامة برس- وعلى ذمتها- قائلاً: "واحد منهم فقط هو قريبي، وأنا مواطن، وإذا توفرت الشروط في أقاربي فليكن ذلك، أما إذا لم تتوفر فيهم الشروط فهذا مرفوض جملةً وتفصيلاً"، وهنا للمرء أن يستنكر مثل هذا الرد، فيسأل الدكتور/ حمد مستهجناً: "كيف عرفت أن الشروط قد توفرت في أقاربك؟! هل أنت من يحدد هذه الشروط؟! وهل أنت من يفحص هذه الشروط ومدى توفرها في أقاربك؟! كيف تصف نفسك بأنك مواطن فيما أنت لا تتصرف في هذا الأمر كمواطن وإنما كرئيس لمجلس الأمناء يقرر ما يريد وما لا يريد؟! تلك هي أفعال "أصحاب الياقات البيضاء". أليس كذلك؟! أما ذلك الذي ردّ على الصحافة بقوله: "لن أُسْتَجْوبَ على الهاتف"، فإن رده بهذا القول، لهو دليل على إدارة ظهره للصحافة واستخفافه بها، وهو في الوقت نفسه أكبر دليل على أنه من "أصحاب الياقات البيضاء"، وهو ما أقمنا- في أكثر من مرة- أكثر من حجة وأكثر من شاهد وأكثر من دليل عليه. أما أنه رد على الصحافة بقوله غاضباً: "إن كان أحدهم قريبي سأستقيل من كل فلسطين"، فكيف يمكننا أن نصفه وهو رئيس الجامعة؟! إنه سيتسقيل من كل فلسطين. أهكذا يجيب رئيس جامعة؟! أما ذلك الذي رد على الصحافة رافضاً مجرد ذكر اسمه في التقرير، ومحذراً كاتبته من تداعيات ذكر اسمه، فليعلم أنه قد أجاب، ذلك أنه كان في مكنته أن يردّ على الصحافة بقوله: "إن الاسم الوارد لديكم ليس اسم ابني، وأنا أؤكد كم أن ابني ليس واحداً من الذين يدور الكلام في مغراقة الجامعة حولهم". أما أنه رفض وحذر وهدد، فليس بعد هذا الدليل دليل. أليس كذلك؟! أما ذلك الذي رفض التعليق حينما سئل عما إذا كان ابنه من بين من يثور الجدل حولهم في مغراقة الجامعة، فقد أعطى برفضه الإجابة التي أرادتها الصحافة وسعت إليها. وبعد، فكيف نطمئن على مسيرة هذه الجامعة، وعلى ومستقبل طلبتها، وعلى الأمن والأمان فيما يتصل بحقوق العاملين فيها، وهي واقعة تحت رحمة مثلثٍ رهيب رأسه رئيس مجلس الأمناء وزوايتاه إحداهما المراقب الخارجي لحسابات الجامعة الذي يعمل محاضراً في المحاسبة لطلبتها، وثانيهما المدير المالي الداخلي لحسابات الجامعة الذي صدرت- حباً فيه وإعلاءً لشأنه وترويضاً له- إرادة تشريعية رقابية عليا بتعيين ابنه في مغراقة الجامعة! أما زاويتا المثلث السفليتان اللتان تمثلان قاعدته فترتكزان على كتفي رئيس الجامعة الذي لا حول له ولا قوه فيه، وإن كان طوله هو أبرز ما فيه!!! أما آخر الكلام، فإن لم يتنبّه العاملون، الآن الآن وليس غداً، إلى مدى المخاطر الحقيقية التي تحدق بهم وتتهدد مستقبلهم وحياة أبنائهم، فليعلموا أنهم ذاهبون- بالحتمية- إلى ما لن ينفع الندم عنده أو معه. أفيقوا، إذنْ، فما عاد لمجلس الأمناء هذا ومجلس الجامعة هذا، بعد اليوم، من بقاء، وتذكروا أنكم أنتم أول من يتضرر من خراب الجامعة وانهيارها، وأنتم أول من ينتفع من استمرارها ونهوضها.
|
|
|
|
|
|