اليوم تهلُ على السودانيين ذكرى ثورة أكتوبر 1964.. تلك الثورة التي أهلكت أول نظام عسكري في السودان بسلاحي الحلاقيم المعبأة بالهتافات، والعصيان المدني.
كان ربيعاً سودانياً خالصاً، وكان العالم العربي وقتذاك في غفلة حقيقية عن أحلام الديمقراطية، والكرامة، وحقوق الإنسان.
من الغريب، أنه حين اسيقظت الشعوب العربية، وملأت حلاقيمها بالهتافات ضد الأنظمة الظالمة، أغفل محللو الفضائيات- أو تغافلوا- ريادة السودانيين، لثورات الحلاقيم.. وكان السودانيون أول من«نكت» بيت الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، من ركام الأرشيف.. بيته ذلك الذي يتحدث عن كيف أن الشعب يوماً إذا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر!
هذا هو حال المحللين حين «يتكرفتون» ويصبغون شعورهم، ويغيرون من طريقة كلامهم في الشاشات الصغيرة. هم هكذا - دائماً - يبخسون السودانيين أشياءهم!
ذلك جهل بتاريخ شعب.. بل هو تجاهل لأجمل ما كتب الشعب السوداني في الستينيات.
لو لم يكن جهلاً وتجاهلاً، لكان أولئك المحللون «المتكرفتون» قد قالوا للشعوب العربية: حسناً فعلتموها.. لكن الشعب السوداني فعلها مرتين، حين أهلك بالهتافات والعصيان المدني نظام الفريق إبراهيم عبود، والمشير جعفر نميري، في الثمانينيات!
من الجهل ما يفقع المرارة.. وما أكثر الجهالات التي تفقع مرارة السودانيين في هذا الزمن الظالم الخؤون!
الثورات تكرر نفسها بصورة أو بأخرى.. والشعوب التي عرفت كيف تكسر أغلالها، لن ترزح في قيد جديد، حتى وإن توهم صاحب الجنازير، أن جنازيره عصيّة على الكسر!
مشكلة الأنظمة القابضة، أنها لا تتعلم شيئاً من الهدوء ذلك الذي يسبق العاصفة.. لو كانت تتعلم لما أعادت تجربة الأنظمة التي أهلكتها الشعوب.. فقط بحلاقيمها!
ويل لكل نظام لا يقرأ التاريخ.. ولا يتعلم منه شيئاً.
الويلُ له حين تزأر الحلاقيم، مثلما زأرت في أكتوبر 64، وفي مارس أبريل 1985 في السودان.. ومثلما زأرت الحلاقيم في تونس، وانتقل الزئير إلى مصر فليبيا فاليمن وسوريا.. سوريا الأسد الملطخ حتى شاربه بالدم!
الشعب الذي يفعلها مرة، يفعلها للمرة الثانية.. ومن يفعلها مرتين يفعلها للمرة الثالثة، ليضع في النهاية حداً للتاريخ الدائري: تاريخ العسكر الذين يهجمون على الإرادة الشعبية بليل ودبابة، وبيان أول ومارشات عسكرية!
تسقط أنظمة البطش، والطغيان..
هذا ما تقولُ به حركة الشعوب، على مر التاريخ.
ويسقط ُكل المحللين الذين لا ينظرون إلى التاريخ أبعد من أرانب أنوفهم..
إنهم المحللون الطغاة.. وللطغاة أكثر من شكل.. من وجه دميم.. وأكثر من تقاطيع مقززة!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة