|
ثورات الربيع العربي : هل هي ثورات أم إنتفاضات أم فوضى عارمة؟!!بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم
|
بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم ثورات الربيع العربي : هل هي ثورات أم إنتفاضات أم فوضى عارمة؟!! توطئة: منذ العام 2011 ونحن نتحدث عن ما إطلق عليها مصطلح " ثورات الربيع العربي" وذلك على غرار ربيع براغ ، ولكن يفترض علينا قبل أن نلوك المصطلح لوك الببغاوات ، علينا أن نسبر غور هذا المصطلح، أي مصطلح الثورة، فمصطلح الثورة في اللغة العربية مستعار من ظواهر الطبيعة كالبراكين والزلازل والعواصف والسيول.. إلخ ، أي السلوك الانفعالي. يقول "لسان العرب": ثار الشيء هاج، ثورة الغضب حدته. فالثورة هي التمرد الانفعالي الذي لا يحمل أي مشروع اجتماعي، فالكلمة دارجة في الاستخدام اليومي، وأطلقت مؤخراً على عدد كبير من الظواهر المختلفة، من تحركات احتجاجية وانقلابات وإسقاط أنظمة. واستخدمها عرب القرن العشرين لفهم الماضي بمصطلحات الحاضر، فقالوا "ثورة الزنج"، و"ثورة القرامطة"، كما قالوا ثورة عمر المختار وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية. هذا المعنى للثورة لا يمكن استخدامه لوصف الثورة العباسية التي نقلت الحكم من تحالف القبائل القيسية واليمنية الذي كان قاعدة الخلافة الأموية، إلى تحالف الأرستقراطيتين العربية والفارسية. علما أن العرب القدماء استخدموا كلمة "فتنة" لوصف العنف الذي يزعزع التوازن السياسي الاجتماعي وكلمة "الخروج" بمعنى الاحتجاج طلبا للعدالة ودفعا للظلم. الثورة منذ "سان سيمون" هي مرحلة في التطور التاريخي، شكل للانتقال، ومنذ "ماركس" قفزة من تشكيلة اقتصادية اجتماعية إلى تشكيلة أكثر تقدما. أرجع "هوبزباوم" أسبابها إلى عامل التراكم الذي يولّد ضغطا يؤدي إلى الانفجار. بينما ترى المادية التاريخية في التناقض سببا للتطور، ويعتبر "ماركس" أن الصراع الطبقي هو الموضوع الرئيسي للتاريخ ينتهي بالثورة، المتــن: كما هو معلوم ، إن المفهوم العام للثورة ، هو أنها أداة للتقدم الحتمي، شرطها وجود التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، والشكل الاحتكاري للملكية، تناقض يوسع الشعور بالظلم والاستغلال. واستبدال العلاقات الاجتماعية القديمة بعلاقات جديدة لايجري تلقائيا، بل يتطلب تدخّل القوى التقدمية للقضاء على النظام الاجتماعي القديم. كل ما تقدّم يشير إلى عدم نضوج شروط الثورة الاجتماعية في أي بلد عربي، وما سمّي بالربيع العربي غير قادر على تغيير نظم اجتماعية، وأقصى الممكن هو استبدال نظام بنظام لا أي يفتح آفاقا أوسع للتطور، بل يعيد المنطقة عقودا إلى الوراء نتيجة التدخل الخارجي من قبل دول الاستعمار التقليدية التي تحاول إقناع الشعوب العربية أنها حريصة على مصالحها ضد الأنظمة القديمة الظالمة. لقد سبق وخدعنا الانكليز حين طلبوا منا الثورة على الباب العالي العثماني، قدموا لنا الوعود بالاستقلال وبدولة عربية موحدة، لنكتشف لاحقا وعد بلفور وتقاسم المنطقة بين الانتدابين الفرنســي والبريطاني وفق مؤامرة سايكس بيكو.فهل نحن نشهد إعادة إنتاج التالايخ الإستعماري مرة أخرى أي تكتيك جديد لإستراتيجية إستعمارية قديمة؟!! علينا أن نستوعب بأن الحركة التي انطلقت من تونس ليست هي مجرد ثورة للإطاحة بالأنظمة وتغييرها، فجذورها أعمق بكثير، هي ثورة لتغيير كل شيئ، لبناء دولة جديدة ورسم خريطة جديدة وصياغة نظام جديد، هي ثورة وعي الذات . وليس مهما أين تتوقف ثورة هذا البلد أو ذاك؟ لأن هناك خطوطا تم تجاوزها بحيث ارتقى الصراع إلى مستوى صراع المشاريع، الصراع الفكري الذي يخلق الجديد من قلب القديم. وليس ما سمي بالربيع العربي إلا نقطة البدء، ولحظة الصدمة التي تكسر الجليد لتبدأ الحركة. كما أن قوى المصالح الغربية العظمى المهيمنة على إقتصاديات الدول الفقيرة تريد أن تزيد من فقرها بالهيمنة على موارد هذه الدول برغم فقرها، والمهم هي أن تستنزفها وتجردها من مواردها الطبيعية من المواد الخام حتى لا تكون لديها تطلعات نحو الصناعات الوسيطة والتحويلية أي أن يستمر بموازاة تجفيف الموارد الفقر التكنولوجي!! الحاشية: لا شك أن الثورة في مجال تقنيات الاعلام ساهمت بفاعلية وفعالية في تشكيل طبيعة الوعي العربي، وفي ظل غياب الديمقراطية والأحزاب السياسية راحت الفضائيات، في بداية التسعينات وبالتزامن مع حرب الخليج، تخلق المزاج الشعبي العام. ورغم أن للفضائيات، وفق كثير من الإعلاميين، تأثيرا مهما في تكوين تفكير العرب وسلوكهم وفي تغيير طبيعة الوعي، إلا أن إنجازها التقني لم يترافق بإنجاز فكري، ومازال الخطاب الإعلامي أسير الفكر السياسي الجامد. عرف لبنان إبان الحرب الأهلية عددا كبيرا من المحطات الإذاعية، وتكررت هذه الظاهرة بعد سنوات بصورة تعدد القنوات التلفزيونية الفضائية في بلد يعيش الحرب الأهلية، هذا البلد هو الصومال الذي كان لفترة متصدرا بعدد القنوات الفضائية قبل تكاثر الفضائيات العربية الخاصة. الفضائيات العربية مثل الإذاعات اللبنانية سابقا مضطرة لاستخدام لغة يفهمها الجميع، وبذلك تسهم في توحيد اللغة الإعلامية. اللغة التي أسس لها الصحافيون اللبنانيون إبان الحرب الأهلية، لتصبح لغة قريش المفهومة من الجميع، الهامش: علينا أن نتمعن بدقة في نتائج ما إصطلح على تسميته " ثورات الربيع العربي" التي انطلقت في عام 2011 هي من ضمن عمليات الحراك التاريخي والتي لم يقدّر أحد بعد نتائجها وعواقبها. لكنها من حيث شمولها وامتدادها تذكّر بتلك التي انطلقت منذ قرن في 1916. نتائج تلك الثورة كانت قد شرذمت العالم العربي وتقسيمه إلى دويلات صغيرة مازالت قائمة إلى اليوم وفق اتفاق "سايكس بيكو"، الذي وضع في لندن من قبل البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو لتقاسم التركة العثمانية. الاتفاق رسم خرائط منطقة الشرق الاوسط والحدود المستقبلية لبلدانها، وكان الانكليز والفرنسيون حريصون على تغذية الطائفية ففصلوا لبنان عن سورية، وفصلوا الموصل بسنتّه ومسيحييه عن حلب، وأبعدوا علويي اسكندرونة عن اللاذقية، ووزعوا الأكراد على عدة دول، ووضعوا في فلسطين حجر الأساس لدولة إسرائيل. قصاصة: كما هو واضح من أضابير تاريخ منطقتنا العربية فإن هذا التقسيم الذي عاش قرنا من الزمن أصبح يترنح الآن. وإذا كانت النتائج الأولية لزعزعة البناء القديم لاتبشر بالخير، أفلا يجب أن تدلّ على وجود اتفاق استعماري جديد على نمط "سايكس بيكو"؟ ، والعجيب أن بعض حكام المنطقة ينفذون بهمة منقطعة النظير هذه المشاريع الاستعمارية الجديدة بأنفسهم ، بل وتمويلها، وعليه بدأت زعزعة الاستقرار في عام 2003 مع الغزو الأمريكي للعراق. وها نحن نحصد ما فعلته أيادينا والسبب ليس غياب وعي حاكمي شعوبنا ولكن مرجع ذلك إلى تمسكهم بعروشهم وكراسي حكمهم، وليس مهماً الثمن المقابل لإحتفاظهم بهذه العروش حتى ولو كان تجزئة المجزأ في إتفاقية "سايس بيكو"!! بس ، وسلامتكم!!
|
|
|
|
|
|