... تقنين الشريعة لا يجعل من القاضي مشرعا بل على العكس يسلبه هذه السلطة ويكون التشريع للبرلمان ويكون اجتهاد القاضي مجرد مبدأ قضائي يجوز للمشرع سن تشريع يخالفه ولذلك الشيوخ القضاة في السعودية يرفضون تقنين الشريعة ويزعمون ان ذلك يعطل حركة القضاء الاجتهادية ..ولكن الفقهاء الوضعيون بالذان يرون أن تقنين الشريعة في المعاملات المدنية يمنع من تفاوت واختلاف الاحكام القضائية في وقائع متماثلة وبالتالي يكون هناك خلل في المراكز القانونية للخصوم في الدعوى أما عدم تقنين القواعد الجنائية يؤدي الى تعسف القضاة فيقومون بتجريم فعل لم يحصل الفرد على علم بأنه مجرم اساسا وبالتالي يعاقب الفرد بدون علم مفترض وهذا يسمى بقانون الكلب لأن الكلب يقوم صاحبه بضربه بعد ان يرتكب خطأ فيتعلم الكلب من خطئه أما الانسان فيجب أن يتم ابلاغه بأن سلوك ما محظور قبل ان يقترفه وهذا ما يسمى بمبدأ الشرعية في الفقه الجنائي .. وهكذا نرى أن تقنين الشريعة أولى بتحقيق مصالح المسلمين من عدم تقنينها. أضيف أن القانون أهتم بالحقوق وبالواجبات او التكاليف فأي قاعدة قانونية تؤكد حقا وتلقي في وجهها الآخر بواجبات ويسمى ذلك بالمركز القانوني.. فالقانون المدني حين يؤكد حق الملكية يلقي بتكاليف جماعية بعدم التعرض لهذا الحق ويلقي بتكاليف خاصة بالمالك وهو عدم التعسف في استخدام حق الملكية .. الشريعة اهتمت بالحقوق ولكن من خلال قاعدة عامة وهي أن الأصل في الأشياء الاباحة الا الدماء والنساء وبالتالي فان الحقوق تندرج تلقائيا داخل حدود هذه القاعدة الأصولية وبالتالي لا يكون التقييد أي التكليف إلا بنص في الكتاب أو السنة ... وبما أن الشريعة الإسلامية في مصدريها الأساسيين أي الكتاب والسنة لم تتعرض لحقوق وتكاليف كثيرة فإن الفقه قد أكمل هذا النقص أو سمه الاضافة وبالتالي فإن المنتج الفقهي منتج بشري ومن ثم فهو وضعي بكل ما تعنيه هذا الكلمة وهنا يلتقي كل من القانون الوضعي والشريعة الاسلامية بوضوح باعتبار أن البرلمان أو المشرع حين يقنن رأيا في الفقه الاسلامي او يستحدث رأيا جديدا مخالفا ثم يرسمه في قاعدة قانونية فانه يمارس دورا فقهيا لا أكثر ولا أقل مادام لم يمس بأصل الكليات العامة ... ولذلك فإن القانون أوسع من الشريعة فهو يتحرك مع المستجدات بخلاف ما يدعيه الشيوخ من أنه غير صالح لكل زمان ومكان ..فهناك مستجدات لا يمكن للشريعة أن تكون مرجعا لتنظيمها كعمليات البورصة والمعاملات الالكترونية والتنظيم القانوني لعمل الفضائيات وتنظيم قواعد استخدام الفضاء الكوني او حظر استخدام الأسلحة شديدة التدمير أو تجريم غسيل الأموال أو الجرائم الالكترونية ... حتى أن هناك مستحدثات في المفاهيم تجاوزت مفاهيم الفقه الكلاسيكي كمادية الحيازة وتعريف الأموال والقصد الجنائي ....الخ ... ولذلك فهناك حكم شهير لمحكمة النقض المصرية قالت فيه بأن النص على اعتبار الشريعة الاسلامية مصدرا من مصادر التشريع وليس كل مصادره يختص بالأحكام العامة ولا تدخل فيه أختلافات الفقهاء التي تمتد الى الفروع .... لا مانع اذن من تقنين هذه الاحكام العامة القليلة الواردة بالكتاب والسنة اما التسع وتسعون في المائة من الشريعة والمكون من تفاصيل فقهية فهو قابل للتقنين أو حتى الإلغاء وعدم الالتفات له والأخذ بالمفاهيم الحديثة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة