لا أعرف كيف يمكن أن يكون تقرير البنك الدولي الأخير عن الاقتصاد السوداني إيجابياً، كما قال بعض المسؤولين، فإما أنهم لم يقرأوا التقرير جيداً، أو افترضوا أننا لن نقرأه في مظانه، كما يقولون. الجملة الإيجابية الوحيدة في التقرير تقول "إن السلطات نجحت في خفض معدل التضخم والتعافي قليلاً من معدلات النمو السلبي في عامي 2011 و 2012، ويجب بذل المزيد من الجهود لضمان وجود أُفُق أكثر استقراراً على المدى المتوسط" . فالتقرير استخدم كلمة "قليلا" لخفض معدل التضخم، ثم إنه يقول: إن ذلك حدث مقارنة بمعدل الارتفاع الشديد في أعوام 2011 و2012، أي أن الحكم ليس مطلقاً، ولكن بالمقارنة النسبية. صدر التقرير تحت عنوان "استغلال الإمكانيات الكامنة لتحقيق التنمية متنوعة المصادر"، وحدد المعوقات التي تجابه الاقتصاد السوداني، وتقف حائلاً دون تنويع النشاط الاقتصادي في ارتفاع مُعدَّل التضخم وتقلُّبه، وسعر الصرف المُحدَّد بأعلى من قيمته الحقيقية منذ وقت طويل، وانخفاض الإنتاجية في قطاع الزراعة....الخ ودعا التقرير لاتخاذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية والقطاعية، لا تخرج في مجملها عن روشتة البنك الدولي المعروفة والمكررة، ومنها "إلغاء قيود الصرف لتوحيد أسعار الصرف في السوقين الرسمية والموازية، وزيادة الإنتاجية الزراعية من خلال تطبيق تغييرات رئيسية في السياسات، وتحسين إدارة عائدات الموارد الطبيعية، ومعالجة المُعوِّقات الأوسع نطاقاً لبيئة الأعمال، وبناء رأس المال البشري لدعم التغيُّر الهيكلي." وأشار التقرير إلى أثر العقوبات الأمريكية على النظام المصرفي وتعقيد عملية التحويلات المالية. ورغم أنه قال إن الأمر سياسي، لكن بالتأكيد لو تم رفع العقوبات فإن ذلك سيسهل عمليات التبادل التجاري. وتقول التقارير الرسمية للبنك الدولي: إن إجمالي الناتج المحلي السوداني هو 84.07 مليار دولار، ونسبة النمو 3.4%، بينما تقدر نسبة التضخم 16.9% "إحصاءات عام 2015". ويقول التقرير الجديد الذي تم إعلانه يوم 25 سبتمبر: إن الاقتصاد السوداني شهد تدهوراً كبيراً بعد انفصال الجنوب عام 2011 نتيجة لفقد 75% من عائدات البترول، ثم حدث نوع من التعافي نتيجة الحصول على عائدات من تصدير الذهب والثروة الحيوانية. ثم يمضي لتقديم الروشتة المعروفة كطريق لتنويع مصادر الدخل والاستغلال الأمثل للموارد، وصولاً لتحقيق نمو مطرد للاقتصاد. طريق البنك الدولي المعروف هو المضي في سياسات التحرير الاقتصادي؛ بغض النظر عن كلفتها السياسية والاجتماعية، وغاية ما يقدمه هو حزمة مساعدات محدودة، ثم شهادة كفاءة للمانحين الدوليين؛ إن تم تطبيق كل نصائحه. لكن معروف أن للمانحين الدوليين أيضاً اشتراطات سياسية إلى جانب الاشتراطات الاقتصادية، فلم يعد الاقتصاد منفصلاً عن السياسة، ولم يكن يوماً كذلك، فماذا تملك حكومتنا لتقدمه في هذا الجانب؟ لا يمكن إصلاح الاقتصاد دون إصلاح سياسي شامل، ولا يتحقق الإصلاح السياسي دون وقف الحرب وحل مشاكل المناطق المشتعلة، ولا يمكن استنهاض الطاقات البشرية والموارد المختلفة؛ إن لم يقتنع الناس أن هذا وطنهم، لهم فيه كل الحقوق وعلى قدم المساواة دون تمييز سياسي أو إثني أو ثقافي أو جهوي. هو طريق واحد لا ثاني له، إما أن تمضي فيه الحكومة لنهايته، أو تمضي لنهايتها. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة