وأول أولئك المُستغربين هُم حاملي لواء التساؤل الذي أطلقه شمس السودان الإبداعية المشرقة الأديب الطيِّب صالح عليه رحمة الله (من أين هؤلاء ؟) ، ثم كل الكادحين سائر الشرفاء الذين هم معنا في (المعمعة) أو يتعاطفون مع هذا الشعب المغلوب على أمره والذي ما زال أبناء عمومته ومن يعرفون فضله يردِّدون بإيمان عميق (أنه لا يستحق) ما هو عليه الآن من بؤس الحال والهوان وظلامية الغد ، والحقيقة كنت أنا على المستوى الشخصي طيلة السنوات الماضية من حكم الأخوان المسلمين للسودان من أكثر المستغربين لتلك الروح الإستعلائية المتطلِّعة والطاغية في نفوس المنتمين إلى منظومة الإنقاذ ، سواء كانوا مشاركين فيها تنظيمياً أو فعلياً من خلال تقلُّد المناصب أو أولئك الذين يقبعون خارج هذا وذاك لكنهم ينتمون عاطفياً وفكرياً لأشواقهم تجاه شعار إسلامية الدولة وتطبيق الشريعة الإسلامية ثم ما جاء بعد ذلك من (إكسسوارات) مسانِدة مثل (المشروع الحضاري الجديد) ، و(تعظيم شعيرة الصلاة) وهلُمجرا من (المُشهيّات) التي تفتح شهية البسطاء من أبناء هذا الشعب المُنحاز والمُتعاطف جُزافياً وتلقائياً إلى كل ما يُشار إلى أنه يمُت إلى الإسلام بصلة ، إلى أن وصلنا ووصل معنا أولئك الحالمون إلى عصرنا الحالي الذي صرنا نبحث فيه عن (فتات) ما يُمكن أن يُشير إلى وجود دولة الإسلام أو حتى وجود إيماضات خافته تفيد سريان الأخلاق والقيِّم والآداب التي نادى بها الإسلام وجعلها صِنوا لكل نِيَّة تسبُق عبادة من العبادات ، ما كنتُ أستغربه في (هؤلاء) الذين لا يعرف الطيب صالح ومعه كثيرون من أين أتوا ، هي تلك الثقة العمياء في إعتقادهم أن الباطل لا يأتيهم من بين أيديهم ولا من خلفهم ، إلى أن وصلوا حداً يُبرِّروا به لأنفسهم ما هم فيه من إنفصام طبقي ووجداني عن سائر أهل هذه البلاد وفيما يتعلَّق بما طرأ على حياتهم من ثراء ودعة عيشٍ وكنوز لا تنضب أن هذا بمثابة رزقٍ قد أتاهم من عطاء الله جزاءاً لهم بما جاهدوا في سبيله ، فأصبح الحق العام والخاص واقعاً في تصورهم بمثابة (الغنائم) التي يجنيها المسلمين من المِلل الأخرى حلالاً بلالاً ، صدقوني هذ هو المفهوم الذي ينطلق منه أغلبهم كلما أتتهم وخزة الضمائر التي هي في طريقها إلى الموت والفناء ، أما وقد عرفتم مثلي السبب فلتكفوا أنفسكم من الآن وصاعداً عناء الإستغراب والدهشة من ذلك الشموخ والكبرياء الذي يبدو في محيَّاهم وهم غارقون في ماهم فيه من غيٍّ وفجور ، مُستعينين في ذلك بموهبة إستثنائية من عدم الحياء والجرأة على تقبُل الوقائع الفاضحة والتطاوُل على الحقائق المُرة وإستقواء الضمائر على ما يرون من أوجاع الناس ومعاناتهم .. حسبي الله ونعم الوكيل .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة