|
تفاعل النوبة مرارات الماضي وأفاق المستقبل (2)
|
تفاعل النوبة مرارات الماضي وأفاق المستقبل (2) لقد تواردت الأخبار منذ قبل أستقلال السودان من قبضة الاستعمار الانجليزي عام 1956 م لقد علمنا منها أن النوبة هم أكثر المساهمين في صنع تاريخ السودان القديم منه والحديث هم أول المناهضين لقوى الاستعمار وأول المجاهدين في السودان بأسم الدين ولقد جاهدوا بإخلاص مع الأمام محمد أحمد المهدي وكانوا هم عماد الجيش في الثورة المهدية في الفترة ما بين 1881 إلى 1899م ، على الرغم من أن التاريخ لم يعطوا النوبة حقهم من التقدير وذكروا ( النوبة ) في بعض الكتابات التاريخية بتشويه شديد نذكر منه مثلاً في ألفصل السادس من تأريخ السودان لنعوم شقير، بداءً من غزو جبال تقلي عندما وجه الأمام المهدي حمدان أبو عنجة في فبراير سنة 1885م بجيش كثيف لغزو جبال النوبة وبدأوا من جبل الدوري بتقلي اشعلوا في أهله النار وفرقوهم في بطون الأودية والكهوف وغنم جبش أبو عنجة بماشية الأهالي وغلالهم والصحيح ( نهب وإغتصاب ) ثم تقدم إلى جبل كرايه كرسي مملكة تقلي أيام الملك آدم ود دباله فسلموا له وضمهم إلى جيشه ثم وصل إلى جبل تكم فحاربهم أيأماً حتى ظفر بهم وأسر ملكهم فمات في الأسر ثم واصل إلى جبل الكجاجة في سبع طوائف على كل طائفة ملك فحاربهم وهزمهم جميعا ثم دخل بلاد الكواليب فحاصرهم أياماً حتى دانوا له فأستولى على جميع ممتلكاتهم من مواش وغلال مع 300 رأس من الرقيق ( الرقيق واستعباد الناس دليل على الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية في جبال النوبة وكانت تمارس حتى عهد قريب ) و120 يندقية وعاد سالماً لم يقتل من جيشه إلا 25 رجلاً فقط. التعليق:- هذا شيء غير معقول ويجافي الحقيقة ونقاط الملاحظة هنا تدفعنا لطرح بعض التسأؤلات لماذا لم يذكر المؤرخ عدد جيش حمدان أبو عنجة في حملته تلك وممن يتكونون ؟ وكيف أن التاريخ يشهد لشعب النوبة بالشجاعة والإقدام ثم نجد أن هذا التاريخ نفسه يقلل من ذلك ويضعف من شأن النوبة ويصورهم دائماً بالشعوب المهزومة المتقهقرة؟ هذا ما يسوقنا أيضاً إلى تساءل عن من الذي قص وصاغ وترخ الأحداث في السودان وجعلها هكذا مشوهة من ناحية النوبة وما هي الاهداف من ورا ذلك إلا أن تكون هدفاً يخدم مصالح مجموعة معينة من الناس في السودان وتلك هي التي جعلت مجتمعاً بعينه يشعر بالفخامة ويحتقر الأخرين مستفيدا من تلك الخلفيات التاريحية. وأننا نقيس على الاحداث التاريخية بمضامينها وحيثياتها حيث هي الدليل على ما نذهب إليه من سرد تاريخي لتقييم وتحفيذ النوبة كحق مكتسب عبر السنون الماضية فمنذ شروق شمس الشودان كان النوبة هم أول الثائرين ضد الظلم والضيم بكافة أنواعه ومناضلين بإخلاص من أجل العدالة والحرية وفي سبيل كان النوبة هم اشرس المحاربين لتخليض الوطن من تسلط الغزاة والمستعمرين، والنوبة أول شعب سوداني أقام ثورات ناهضت قوى الإستعمار الإنجليزي ونذكر من تلك الثورات التي أغفلها المؤخين وتجاهلوا عنوة ذكرها وسردها في سطور تاريخ السودان نذكر منه على سبيل المثال لا الحصر. ثورة الفكي علي الميراوي في ميري منطقة كادوقلي عام 1917م هذا البطل الثوري الجسور لا يقل شأناً عن أي مناضل عرفه التأريخ وحفظ له حقة ولكن أهملته اقلام المؤرخين في السودان. وثورة المناضل السلطان عجبنا وأبنته مندي بالدلنج،ومندي تعتبر أول مناضلة من نساء السودان كافة حملت السلاح ضد الغزأة والمستعمرين وحاربت لتدافع عن أرضها ببسالة وإقدام ولقد حفرت اسمها بوضوح في تاريخ السودان الغربي. وكذلك نذكر ثورة تالودي وثورة تولشي 1945م. كما يعلم الجميع أن النوبة كانوا هم أبطال معركة كرري الملحمة الوطنية العظيمة التي استشهد فيها أكثر من أربعة ألف رجل. وكان معظم قادة قوات ثورة اللواء الأبيض وعلى رأسهم المناضل الشهيد/ على عبد اللطيف عام 1924م من أبناء النوبة مما يدل على أن النوبة هم أول من رفع راية النضال والتحرر واستقلال السودان، ولقد أبلوا بلاً حسن وسالت دمائهم ودماء أبنائهم الذكية لتشتري بها الأرض السودانية قضايا الوطن الكبرى. شهد التاريخ للنوبة تفاعلهم مع جميع الحركات السياسية والثورية في السودان ولكن للأسف استفاد من ذلك اقوام أخرين جأوا على أنقاض الثورة التحررية التي قام بها أبناء السودان الأصليين جأء هولاء القوم الإنتهازيين وآلفوا أحزاب وحكومات كتبت لنفسها التاريخ بلغتهم التي أضاعت ملامح الحقيقة دون أن تذكر عن ذلك الماضي الدفين أي شيء يمكنه أن يثمن للنوبة مستقبلاً وتحقق المثل القائل الخيل تجقلب الشكر لحماد ** مثلت الأحداث التي قام بها شعب النوبة، من ثورات نضالية ضد الضيم والظلم والأستعمار وغيرها في أعمال عظيمة جداً في معناها ومضمونها إذ أن تلك الثورات كانت الانطلاقة التوعوية لجماهير الشعب السوداني كله في أحقية تقرير مصيره وتملك قراره المستقل.وكانت الشرارة الأولي في معنى حرية التعبير. وهنا نسهم بسرد مؤجز عن دور النوبة في السودان بعد الإستقلال ونضع فرضيات الأخفاق والتجاوز مكانها ونقترض من الأزمات تعويضا لما أخفق فيها النوبة انفسهم ولم يستطعوا تجاوزها ليجدوا انفسهم فيما بعد وبفعل التيارات المتأمرة ضدهم مواطنين أقل من الدرجة الثانية لنفترض أن الماضي لم يكن مفيدا بالنسبة للنوبة وأن النوبة لم يعتبروا منه بما يفيدهم في الحاضر والمستقبل ولأسباب الحسبة والمحسوبية والفروقات المتفاواتة في الأوضاع الاقتصادية والثقافية بين النوبة واؤلئك السابقون الأولون في منابر العلم ومنابع الثروة الذين تربوا في أحضان الخواجات وجناب الخديوية والمصريين ورضعوا منهم العلوم الدنيوية، وأهمها التملك والسيطرة وكان الغلبة للعرب الذين شكلوا ملامح الدولة السودانية ورسموا السياسات التي تحقق أهدافهم في بسط الهيمنة والسيطرة كما للغة العربية سحرها الذي شد اسماع الأخرين بفصتحة اللسان المغوغن وعمق الفن والطرب وأفلح العرب في تجاوز اللغات والثقافات الأخرى بفعل الطبيعة العربية التي لا تقبل التنافس الشريف وتسعى دأئماً لفرض سيطرتها بمعامل الكرزيمة السلطوية. لنفترض أن الحكم المصري الأول للسودان عام 1820م والثورة المهدية 1885م والاستعمار الآنجليزي المصري للسودان عام 1896-98م كانا عاملين أساسيين في أبعاد النوبة وغيرهم من العناصر الإفريقية عن ساحة المنافسة المتكافئة مع كل الذين وفدوا إلى السودان من خواجات أغاريق اقباط واتراك كل أولئك عملوا بقصد على تجهيل العناصر الإفريقية في السودان واعتمدوا تعليم العرب وإعطائهم اسباب التفوق على غيرهم من بقية المجتمعات السودانية ( الإفريقية ) وبذلك تقريب العرب من منابر السلطة بل وتمكينهم من ذلك تجاهلا لحقوق النوبة وكذلك العناصر الأخرى الأفريقية الأصيلة التواجد على أرض السودان. لنفترض أنه كان هناك اتفاقاً سرياً بين الأنجليز والمصريين يفضي بتمكين العرب الدخلاء وبعض أبناء الوافدين من العناصر الغير إفريقية من حكم السودان وحرمان أهله من حقوقهم المشروعة مثلما نلحظه في مسيرة أحداث جنوب السودان عندما أعلن البرلمان السوداني الأول في مستهل استقلال السودان عام 1956م التزامه بمنح أهل الجنوب رغبتهم في قيام حكم فدرالي يتيح للجنوب درجة من الاستقلال الذاتي ولكن ذلك العهد اجهض بسرعة البرق وذلك بقيام الانقلاب العسكري في نوفمبر عام 1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود وكان ذلك خيبة أمل أهل الجنوب، وحتى مفاوضات مؤتمر المائدة المستديرة بين الجنوبيين والشماليين في الخرطوم بعد ثور اكتوبر عام 1964م التي أتت بالديمقراطية الثانية وبعد إعتراف الشماليين بالفوارق العنصرية والدينية والثقافية بين الشمال والجنوب كل ذلك لم يحل المشكل الأساسي التي يتعلق بالمساواة بين المواطنين في الدولة السودانية الموحدة مما يوحي أن هناك حق لابد أن يرد لأهله أو على الأقل أن يتم تقاسم ذلك الحق بين صاحب الحق والمغتصب وهذا على نحو اضعف الأيمان ولأن من ضعف المغصوب حقه الا يستطيع أن يطالب الغاصب بأكثر من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المسلوبة. **** لنفترض أن السياسة التي أتخذها الاستعمار الإنجليزي والتي جعلت من مناطق جبال النوبة مناطق مقفولة ( حصار ثقافي وديني ) خوفاً من إنتشار الدين الإسلامي واللغة العربية في شعب جبال النوبة على حسب زعمهم وفي ذات الوقت لم يقدم الإنجليز أو المستعمرين أي خدمة ايجابية توازي المنع أو بديلاً يستعاض به ويسد الخلل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي لدي شعب النوبة ولقد نجم عن تلك السياسة العنصرية بلاوي كثيرة هي العامل الأساسي على تأخر النوبة وتخلفهم. مما لا شك فيه كانت لتلك السياسات نتائجها السالبة التي إنعكست آثارها على كافة مجتمعات شعب النوبة تمثلت في تأخر النوبة في جميع المجالات وأهمها التعليم مما أدى ذلك بدوره على عدم تمكن النوبة من مواكبة الركب الحضاري المعاصر حيث لم يستطيع شعب النوبة مجاراة بقية المجتمعات الشمالية ومقاومة بعض السياسات الموضوعة ضده وكذلك لم يستطع النوبة من خلق سبل تقويم حياتهم وأن ينشأ منهم عناصر مبدعة خلاقة تشارك في الحركة الاقتصادية السياسية والثقافية في السودان كما أن سياسات الحكومات المتعاقبة على السودان صنعت منهجياً لصالح فئة معينة من الناس وهي تقتضي تحجيم العنصر الإفريقي كافة ومنعة من الوصول إلى درجة من المساواة مع المتصفين بالعروبية خصوص وحتى الأسلام في منظور عرب السودان فيه تفرقة وتمييز بين ما هو عربي مسلم وإفريقي يعتقدون أن إسلام الإفريقي ناقص في حين أن اإسلام عرب السودان يقودون إلى التبرك بالأضرحة وإقامة الولايم في القبور وما يزال الكثير منهم يحلفون بالشيخ فلان لا نريد الخوض في هذا المجال الوعر ** ولكن كل ذلك يحدث لأسباب عنصرية يراد بها ابعاد الحق عن أهله ليكون ذريعة يخدم مستقبل فئة بعينها من الناس لأغراض تخدم مصالح لربما دول وتحمي حماها دون أن يشعر بها أصحاب الحق ودون أن يروها. تلك هي الدقة في التفصيل وبراعة التحويل في أن يرى الإنسان حقه بيد غيره ولا يستطيع له طلبا. أن شعب النوبة لم يكونوا في يوم من الأيام يعتبرون أنفسهم متميزين عن غيرهم في المواطنة لذلك كان يتخذ من المهادنة والتروي سبيله وهدفاً لحصول على حقوقهم المسلوبة والمهضومة بل كانوا ومايزال معظمهم يرى أن السودان وطن يجب أن يقطنه كل الناس بمختلف أعراقهم واديانهم وثقافاتهم بالتساوي في الحقوق والواجبات. وكما أنه من المفترض على التنظيمات السياسية الحزبية التي كوينت في السودان بعد استقلاله وتحرره من الأستعمار أن تطرح برامج فكرية واضحة مفهومة لدي عموم الناس مضمونها إرسأ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وترسيم خطط التنمية المتوازنة لجميع أقاليم السودان وتأخذ بيد جميع الشعوب السودانية على حداً سواء وتضمهم في صفوفها طواعيةً وتحاول أن تهذب خطابها السياسي بعيدأ عن الجهوي والترميز حتى تصبح مؤسسات فكرية شمولية تعمل على ترابط شعب السودان ووحدة ترابه بإفريقيته وكافة معطياته الأخرى. لكن الظاهر غير الجوهر فالظاهر في المؤسسات السياسية عبارة عن شعارات فضفاضة يطلقها المرشحون أيام الانتخابات تستلهب مشاعر الجماهير وتستفيد من ضعفه الفكري لتنفذ عبره إلى تحقيق غاياتها وطموحات رموزها وهذا ما يجعلنا نصوب بالقول أن تلك المؤسسات غير نقية المنبت وغير خالصة النية في بناء السودان وكذلك ليست حريصة على بقاء الشعوب السودانية مجتمعة على أرضه والجوهر فيها ينصب في الإنغلاق الطبقي، الأيديولوجي، الفكري ، العرقي والإقتصادي المتمثل في استثمار الجهود لبناء الثروة وتحقيق المطامع التوسعية. ولقد أنبنى على ذلك ترقية القلة على حساب الأكثرية أو تلميع بعض الوجهاء من أبناء النخب الرأسمالية والطائفية الأيديلوجية ليظلوا في الصدار ومقدمة القيادات السودانية ولقد ظهر ذلك جلياً عند أول انتخابات حرة في السودان عام 1953م فاز فيها الحزب الوطني الاتحادي ب 46 مقعدا من أصل 92 مقعد وكما حصل حزب الأمة على 23 مقعدا والجنوب 9 مقاعد واشتراكي الجمهوري 3 والمستقلين 1 وكل هؤلا يعتبروا قلة ويمثلون شرحة بعينها من أبناء الوسط أغنياء السودان والمتعلمين فيما تغيبت عن الساحة السياسية معظم الجماهير السودانية. وكما نوهنا آنفا قامت تلك الأحزاب على خشم بيوت واعتمدت على القبلية في تكويناتها أحيانا وعلى الجهوية أحيانا وعلى الأيديولوجيات ولأن كبرى تلك المؤسسات السياسية والحزبية يسيطر عليها العناصر العربية والشمالية على وجه التحديد، ظلت التنمية بجميع أشكالها الأقتصادية والثقافية مركزة في شمال السودان واهملت جميع أجزاء بقية السودان حيث حرمت مناطق الأطراف ( المناطق المهمشة ) من جميع أشكال التنمية بدرجات متفاوتة* ولا يوجد في السودان ثمة حزب واحد يمكن أن يوصف بالحرية والشمولية ويستطيع أن يحتوي كافة ألوان الطيف في السودان ويلبي تطلعات الشعب السوداني ويعمل على تحقيق طموحاته وأماله، من هذا المنعطف الخطير الذي تسمى فيه الأشياء بغير اسمائها الحقيقية كالشعرات التي ترفع عن وحدة السودان دون العمل بها والكثير منها يراد به التضليل والتمويه مما يجعلنا الا نسمي تلك الأحزاب بأنها ديمقراطية لأن في تكوينها وتوجهاتها خللاً عظيماً يجعلها لا تستطيع أن تودي ذات الدور الذي تقوم به تلك الأحزاب التي تقود أنظمة الحكم في بلادها وتطرح برامجاً شموليةً تلبي حاجيات كافة الشعب في الدولة الواحدة**مثلاً في برطانيا أميركا الهند وجنوب إفريقيا الدولة التي تخلصت من سياسة الفصل العنصري في عهد قريب جدا مقارنة بالسودان وكذا سائر بلاد العالم الديمقراطي.كما يسمى. [email protected]
|
|
|
|
|
|