ذات عامٍ من أعوام التعدُّدية الثالثة هبط حسني مبارك الخرطوم.. كانت زيارة قصيرة بالقدر الذي جعل باحة المطار مكاناً للمؤتمر الصحفي.. وصحفي (أشتر) يسأل الرئيس الزائر عن رأي النظام المصري في موقفٍ ما.. غضب حسني مبارك الذي فارَق الزي العسكري منذ أن أصبح رئيساً للجمهورية.. قدَّم محاضرة للصحفيين احتجاجاً على استخدام تعبير النظام المصري.. أوضح سيادة الرئيس أن مصر بلد مؤسسات ديمقراطية لا يليق بها وصف نظام . تابعت باهتمام بالغ الحوار الخبطة الذي أجرته الزميلة "اليوم التالي" مع الفريق طه عثمان مدير مكتب الرئيس.. أهمية الحوار أنه أوضح معالم المرحلة المقبلة بلسان رجل مقرَّب جداً من الرئيس البشير.. لفت نظري أن الفريق طه استخدم كلمة تصفير العدَّاد نحو ثلاث مرات في إشارته للمرحلة الجديدة التي تبدأ بتكوين حكومة الوفاق الوطني.. بالطبع سيشكِّل رفع العقوبات الأمريكية عن السودان ملمحاً مهماً في المرحلة القادمة.. حسب إشارات الفريق طه أن رئيس الجمهورية سيلعب دوراً كبيراً في المرحلة القادمة.. بالطبع تعظيم سلطات رئيس الجمهورية لا تتفق مع مخرجات الحوار الوطني التي طالبت بإقرار منصب رئيس وزراء يتمتع بصلاحيات واسعة. تصريح للشيخ إبراهيم السنوسي جعلني أنتبه لمصطلح تصفير العدَّاد، والذي يعني أن تتحرّك الحكومة بذات المحرِّك القديم بعد إجراء تحسينات طفيفة .. زعيم حزب المؤتمر الشعبي صرَّح لـ"قدس برس": "هذه بشارة خير وتفاؤل، قد تفتح الباب أمام إنقاذ أخرى فيها بسط للحُريات وتداوُل على السلطة وتدابير اقتصادية تخفِّف من الضغط على المواطن".. كلمة إنقاذ جديدة تعبير مرادف لتصفير العدَّاد.. تلك واحدة من مشكلات تفكير النخب الحركية الإسلامية.. هذه النخب ترفض أن تتجاوز مرحلة الإنقاذ أو حتى إغلاق ملفها توطئة للجرد العام. في تقديري.. ليس المطلوب البداية من صفر جديد، لأن ذلك سياسياً لا يستقيم .. الإنقاذ تُعتبر أطول حقبة سياسية في تاريخ السودان المعاصر.. شهدت هذه المرحلة تحوُّلات ضخمة وأخطاء عظيمة.. من بين التحوُّلات الضخمة ارتفاع مستوى الحياة المصاحِب للطفرة البترولية القصيرة.. ومن بين الأخطاء العظيمة أن الإنقاذ فشلت في الحفاظ على التراب الوطني الذي ورثته صباح الانقلاب.. صحيح كان من المخطَّط له أن تكون الإنقاذ مرحلة طارئة في الخروج على الدستور، وبعدها يعود الناس للاستقامة في صفوف الديمقراطية، لكن ذلك لم يحدُث . لهذا علينا التعامل مع الإنقاذ باعتبارها واقعاً سياسياً.. المرحلة الجديدة لا تنفي هذه المرحلة، ولكن لا تحتفي بها.. البداية تبدأ بتجاوز الاسم الذي يعني لكثير من الناس الوصول للسلطة من غير أبوابها الشرعية.. ثم بعد ذلك الامتناع عن الممارسات غير الدستورية والتي من بينها تصفير العدّاد.. الندم على ما فات يقتضي تعويض المتضررين إن لم يكن مادياً فعلى الأقل الاعتذار عن تلك الممارسات السالبة التي سادت مع غياب دولة القانون . بصراحة.. ليس من الحكمة الإصرار على استخدام عربة قديمة للوصول للمستقبل.. الإنقاذ مرحلة لها سلبيات وإيجابيات. المطلوب بسرعة التخلُّص من مصطلح إنقاذ الذي يفيد بمعالجة طارئة.. وذلك لصالح التطوُّر الطبيعي الذي يجب أن يسود في المرحلة المقبلة. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة