في بعض الأحيان أو أغلبها تكون الحرية الإعلامية شر على الشعوب ، فيما بعد الثورة المصرية حدث انفتاح إعلامي كبير وتحررت الأقلام ووسائل الإعلام ، فتنوعت الخطابات السياسية ومارست هجوما وهجوما مضادا فيما بينها ، هذا الوضع خالف تماما عصر الإعلام الموجه في عصر ما قبل الثورة حيث اعتاد المواطن على سماع اتجاه واحد ونقده في أفضل الفروض أو التسليم به أو تجاهله. أما في عصر التحرر الإعلامي فإن المواطن يصاب بارتباك كبير نتيجة لتعدد الخطوط الإعلامية. يؤدي ذلك الى حالات إنقسام أو انقسامات عدة في الوعي الجماهيري ، وبقليل من التحفيز يمكن أن تتحول المواجهة إلى حرب أهلية . لذلك فإن التحرير الإعلامي له وجه سلبي في الدول النامية والقابلة للإنفجار لأتفه الأسباب. إن التحرير الإعلامي يتطلب وعيا جماهيريا يبقي الخطاب الإعلامي في حدوده التقريرية وخضوعه لنسبية إمكانية الصدق والكذب في آن معا؛ أو أن يكون المجتمع نفسه قد استقر -بانقساماته- على وضع التعدد الإيجابي والسلمي وهذا الاستقرار يحدث غالبا بعد التجارب القاسية التي تخوضها الشعوب. أما أن نتحرر إعلاميا في وضع لم تستقر فيه التساؤلات الجوهرية ؛ كتساؤل الهوية أو علاقة الدين بالسياسة ، أو العقلانية في مواجهة الغيبية ، أو القومية في مواجهة القبلية والجهوية ، فهذا يعني نفخا في الشرر الذي سيتأجج نارا حتما. المشكلة أن الأنظمة الدكتاتورية لا تحاول علاج هذه الأزمات ولا إيجاد إجابات لهذه التساؤلات بل على العكس تعمل على اشعال الأزمة وتقسيم المجتمع وتأزيم الانقسامات لتخلق حالة خوف متبادل داخل طوائف الشعب ومن ثم تستقر هي كأب حامي للجميع. وبسقوط الدكتاتوريات تطفوا هذه المشاكل إلى السطح ويؤججها التحرر الإعلامي فتتصاعد الأنفاس وتغلي الدماء. أعتقد أن على أي معارضة ضد الدكتاتورية أن تفكر أولا في وضع الحلول للأزمة (الثقافسياسية) قبل أن تحرر الإعلام بعد الثورة مباشرة . لكن للأسف قد تستغل المعارضة حالة الانقسام داخل الشعب لإبراز فشل النظام الدكتاتوري وبعد سقوط هذا النظام ينكشف الإعلام وينكشف الشعب وتحدث المواجهة فتظهر المعارضة أو التي كانت تعارض قبل ذلك فشلا ذريعا في إيجاد الحلول.ويكون التدخل القمعي والذي غالبا ما يكون عسكريا ضروريا لتفادي الحرب الأهلية . مما يعيدنا إلى نفس الدائرة بين ديموقراطيات ودكتاتوريات. هذا يعني لزوم استخدام أحد حلين للديموقراطيات الوليدة ؛إما أن تسارع بمعالجة الإنقسامات ولكن هذا يعني صرف وقت طويل قبل أن تتفرغ الحكومة لإدارة شئون المواطنين مما يظهر الحكم الديموقراطي كنظام عبثي ؛ أو أن يتم تأخير تحرير الإعلام ومنحه فترة انتقالية قبل أن يتحرر كلية. د.أمل الكردفاني 6اكتوبر2015
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة