|
تجربة الشاعر عثمان خالد الجزء الاول الشعر الغنائي في السودان في الربع الأخير من القرن العشرين
|
د. عكاشة أحمد فضل الله باحث في الثقافة والفكر السودانيين مقدمة: هذه الدراسة تتعلق بالشعر العاطفي الذي نظم بلغة الحياة اليومية في حواضر السودان المعاصر ، وهذه اللغة هي لغة عربية تعد عامية. وقد نظم ذاك الشعر بهدف أن يلحن موسيقياً ، وأن يؤدى غنائياً. وارتبط تطوره بالتطور الموسيقي واتساع الأوركسترا السودانية ، وكذلك بالتطور الإعلامي في سودان النصف الثاني من القرن العشرين. لأغراض هذه الدراسة توفرت لدي مادة نظمية واسعة للشاعر عثمان خالد (1941- 1993م). وفي حالة هذا الشاعر الغنائي وما هو أكثر من الغناء فإن مما يثير الإعجاب هو مقدرته على استخدام الـ Vernacular (لغة العوام) والـ accent في نظم شعر عاطفي رقيق وعذب ورفيع. وشاءت الأقدار أن تصاحب تلك التجربة الشاعرية تطورات في الموسيقى الوطنية فإزدادت أهمية ذاك الشاعر الراحل. لقد مكنتني المادة الشعرية التي توفرت لدى من الوقوف على تجربة عثمان خالد (عليه رحمة) فهي مثيرة لما اعتمرت به من نبل وقناعات وامتحانات دهرية والتي قوبلت بصبر وجلد. وهنالك عوامل جمة شجعت اختيار اشعار كمنطلق للتبصر في شأن الشعر الغنائي السوداني ، ومن بين هذه العوامل ما يلي: - كثيراً ما يسترجع الأدباء السودانيين وأهل الفن ذكريات عذبة ومشرقة عنه. - وتقريباً جرى تقييمه على أنه وشعره يعدان فارقة في تطور الشعر السوداني وأشير بأنه فنان ومبدع وشاعر عميق. - بدت أغنية إلى مسافرة (1968م) مدهشة ومثيرة لشتى العواطف وعدت (a hit song) أو debut (بادئة) في التاريخ الأدبي للشعر الغنائي السوداني. - ويعجب المرء كيف تحول شاعر ظل مغموراً إلى ذاك الحين إلى شاعر عاطفي رئيسي ومشهور. ولابد للمرء أن يتساءل ما تُرى الذي ميز تلك الأغنية. - وعند التدقيق يدرك المرء حقائق رئيسية عن شعر عثمان خالد (عليه الرحمة) ، وكذلك حقائق ما جد من الشعر الغنائي في الثلث الأخير من القرن العشرين وشملت الحقائق تلك ما يلي: - أكثر ما ميز تلك الأغنية وما شابهها من أغنيات في تلك الحقبة بساطة الأشعار والألحان والأداء الغنائي لها. - هدف الشعر إلى التعبير وكذلك إلى المخاطبة عبر الألفاظ ومعاني وصور شعرية وجماليات فيها الذكاء والصدق وال(.........)اجة. - أضحى لنجاح الأغنيات معنى ويتمثل في أن تغنى على نطاق واسع وأن قبولاً واسعاً لا يتحمسون للشاعر الغنائي إنما حذبتهم جودة النظم. - لقد كانت الأغنيات التي نظمها عثمان خالد (عليه الرحمة) محفورة في ذاكرة المستمعين السودانيين وعدوا أشعاره من الجمال والإحساس بقدر كبير. هنالك حقائق عن شعر وشاعرية المرحوم عثمان خالد وتشمل ما يلي: - غزارة الإنتاج الشعري يدل عليها وجود أربعة دوواين شعر لقيت طريقها إلى النشر: · "إلى مسافرة". · "أحلى البنات". · "الساعة ستة". · "سهر الغربة". وإلى جانب المنشور من أشعاره ورقياً هناك مما حملها الفضاء الأسفيري ما لم يخط بالنشر الورقي ديوان "أنا يا بلد". - تغنى لعثمان خالد عدد من المطربين السودانيين المعروفين منهم: · حمد الريح (إلى مسافرة 1968م). · عثمان حسين (أحلى البنات 1970م). · عبد العزيز المبارك ( يا أحلى جارة). · صلاح بن البادية (رحلة عيون). · إبراهيم عوض (قلبك حجر). ويجمع الكثير من المثقفين وعامة السودانيين على أن هذه الأغنيات قد أثرت وجدانهم. هذه الحقائق شجعت على ترشيح اختيار اشعاره كنموذج لهذا البحث الموجز. كذلك يعمر الفضاء الاسفيري بنظم شعراء أغنيات محدثين أمثال صلاح جاح سعيد ، اسحق الحلنقي ، عبد الوهاب هلاوي ومختار دفع الله ومحمد يوسف موسى. وفرت أشعار هؤلاء فرصة للتحقق من طبيعة الغناء العاطفي في السودان المعاصر. إلا أن تجربة الشاعر الراحل عثمان خالد تظل محط اهتمام هذا البحث المختصر. طبيعة وغنائية الشعر الغنائي حالياً: لقد نظم أغلب الشعر الذي نظمه عثمان ورصفاؤه من شعراء الأغنية المعاصر ، نظم للتعبير عن تجربة الحب والتعبير عنه (مسائل الغرام في ظروف تاريخية تأرجح فيها المجتمع السوداني وثقافته وأدائه بين التقدم والتردي وبين التحرر والقمع. وعلى من تردى في جميع أوجه الحياة في السودان القابع تحت نير استبداد التقويين الإسلاميين ومختلف أنواع الـ Rebbes (الكهانة المضلة). إلا شعر الأغنية العاطفية لم يرتدع فقد استمر في نهجه الذي اتسم بما يلي: - عمر بالقدر الكبير في الـ Sexism (الجنساوية). - حاول كل شاعر غنائي معاصر تحويل الحي إلى عاطفة عظمى (Grand passion). - سرت محاولات شعراء الأغنية العاطفية هؤلاء في الثقافة الجماهيرية Pop-culture. - كما توضح هذه الأشعار يوجد الاعتقاد الواسع في السودان بأن المحبوب يستاهل كل شئ (منحه الروح بل الدنيا باسرها) وأن الحبيب والمحب متكاملان وهما "لكل في الكل" وكل شئ آخر في العالم لا يهم. - يمكن إجمال هذا الحب في جملة واحدة "المزيد منه ومن بعد المزيد" إذ أنه لا يرتوي وقد لا يتحقق الوصال إى أنه لا يسبب الكلل. هذه هي بعض خصائص ما هو راهن من شعر الغناء إلا أن شعر عثمان خالد تفوق لأسباب منها: - غلبة روح الـ Romance (الروح الرماتيكية وعنف الغرام) على أشعاره. - تمتلئ أغلب أشعاره بروح العمل الدراماتيكي: الاسترسال في الـ Romance والتي تكتسب صنيعة الهيام والتعلق الزائد عن الحد والتأثر على نحو مفصلelaborate affections (هو عشق وحب وغرام وشوق وحنين وذكريات ... الخ). - التجريبية فيما يتعلق بأشكال الشعر (التربيع والقبض والبسط وتنوع القوافي وتوالي الصور الشعرية والمجازات ... الخ). - بقيت الروح الأدبية للأشعار منتشرة ووسط الأبيات وبين الأشعار وترواحت هذه الروح بين المثالية اللافلاطونية والواقعية العاطفية المحببة. ولهذه الأسباب بدت أغلب أشعاره مدهشة ومثيرة للعواطف وحفزت القلوب. وحرص عليها المغنون والموسيقيون وعشاق الشعر.
ملحوظة
هذه الدراسة هي جزء من كتاب عثمان خالد شاعر الزمن الجميل الذي سيري النور قريبا من إعداد الاستاذ عادل عثمان عوض جبريل و إصدار مركز كوش
للمساهمة و المقترحات الرجاء التواصل علي الإيميل [email protected]
إلى مسافـرة
ع. خالد
بعد السنين الكنت ما بحسب .. حساب الوقت فيها ولا بعد ..
بعد العلاقة الطيبه والحب اللي عاش .. في الأرض .. فّدمّره .. وبعد..
ما كان موده ورقه .. ما كان طيبه .. واستلطاف وتحنان متقد..
ما كان مواسم فرحه .. ما كان .. يهمي بالنشوى .. ويعد ..
ما كان أماسي رحيمه تطرب ديمه .. وأنت نعيمه .. يا ست البلد ..
ما كان صباح .. لا مره راح .. من عيني لا نوره ابتعد ..
ما كان وكان وأنا كنت قايل .. نفسي إني أعيشه فرحان للأبد ..
ما كنت واضع في حساب الدهر .. قسوة ولا دموع كاويات في خد ..
ما كنت قايل يوم حأنزف .. قلبي يا مكتول كمد..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
يا قلبي يا مكتول كمد .. أعصر دموع .. هات غنوه .. لي سيد البلد ..
يا حليله .. قال سايب البلد .. يا حليله .. كيفن يبتعد .. وكيفن نسيبه يروح بعيد..
في رحله مجهول الأمد .. .. كل العمرِ كان لحظه واحده .. نشوفه والشوق يتّقد..
نسكر .. نغيب .. من لطفه .. من دله الحبيب .. من لونه .. من كرز المغيب ..
الرامي محلوّ الثمر .. في شفايفه زي ياقوت ندر .. في شكله زي نص القمر ..
مُبتَل .. مثير .. مخلوق عشان أحلى الثغور .. وأشواقنا تتعطر .. تتطير ..
من نفحه .. من مجرى العبير .. من لفته من جيده النضير ..
من لفظه .. من ثغره المثير .. الفيه ريّان الثمر .. شوفوا القلوب كيف تأتمر ..
لو مره سيد الناس أمر .. في نظره بتذوّب بحر .. بي بسمه بتطول عمر ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
يا حليله .. قال ناوي السفر .. ناح الغروب .. جمره إستعر ..
وا غربة الفل والزهر .. وا غربة النيل والقمر .. وا غربة الطير والشجر ..
وا غربة النسمة الرقيقه .. وشوقه لعناق الشعر .. وا شوقي لي رعشة شفايفه ..
الحلوه لما أقول شعر .. وا شوقي للخدر اللذيذ .. لما العيون ..
تملاني بي شحنات خدر .. وا غربتي .. ما كان صباحي ودنيتي ..
وأغلى الكنوز .. أغلى الدّرر .. يا حليله .. قال سايب البلد ..
ناوي السفر .. خلاني ألعن في القدر .. مالو القدر ؟
أهديته إضمامة زهر .. داس الزهور .. جرّعني كاسات الكدر ..
ما راعى للقلب الحنين .. والفيه عايش من سنين .. جوه الضلوع فرهد .. كبر ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
يا حليله قال سايب البلد .. كم ليل طويل .. وأنا جفني لا نام لا غمد ..
مشدوه أمام لوحة جمال .. لي حسن أخاذ ما اتوجد .. ألوانه بتداعب الخيال ..
بي حرف ريّان ما اتولد .. النهد فيها عنيد .. عنيد .. عمره في يوم ما سجد ..
لي ربه لا اتمجّد عبد .. والوجه في قلبي سنين .. من شفته لا زال لا ابتعد ..
وعيون بنظراته الحنان .. كم زول شقى .. وكم زول سعد ..
قدّامه كم مرهف بكى .. قدامه كم فنان سجد .. قولوا الصلا .. ما تقولوا لا ..
تكفيه من شر العيون .. من شر حاسد كان حسد ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
الليله مالك يا زمان .. تحسدني في أجمل نعم .. ما كنت عايش في أمان ..
ما كنت تغمرني السعاده .. الصادقه لامن يبتسم .. يا حليله لامن يبتسم ..
واحلاته وكتين يبتسم .. أرحل .. أطير .. في كون نعم ..
وأعيش على واحات عبير .. تحملني أرجوحة نغم ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
يا حليلو قال سايب البلد .. من بعده كيف حال البلد ..
وكيف حال عيونا ما بتشوف.. حسناً براكا ولا بترد.. وكيف حال قليباً ما عرف..
غيرك حناناً أو عبد .. بعد السفر كيفن حياته .. وكيف يضوق بعدك سعد ..
ما كان بسبح للعيون .. لي سحرهن ياما سجد .. ما كان بيفتن بالخدود ..
يا أحلى فتنه وأندى خد .. ما كان بينسى الدنيا لامن .. حرف من إسمك يرد ..
ما كان بموت بي نظره منك .. ويحيا بي هزة نهد ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
يا حليله .. قال ناوي السفر .. من بعده ما عارفين مصير ..
غير الدموع .. غير السّهر .. وعشانه ما أحلى السّهر ..
وعشانه ما أحلى الدموع .. الصادقه لامن تنهمر .. ما دموع رجال ..
بتهد جبال .. هداره زي رعد المطر .. ما حب عنيف لكن رقيق ..
في لطفه زي أنسام سحر .. من بعده مين يحرق جبين ..
بي نظره والحب يستعر ؟ .. مين يرضى بي شاعر خجول ..
بيقضّي ليله مع القمر ؟ .. الحب عنده سفر خيال .. يرتاد بحار .. يرتاد جزر ..
مين يرضى بي إنسان يعيش .. الدنيا من أجل الشعر ؟ ..
مين يفهم الحب البيسري .. مع الأنامل في خدر .. مين يرضى بي فنان بيعصر..
قلبه لو الحب أمر ؟ .. مين يرضى بي عابد جمال .. عايش وحيد بين البشر ؟
الحب عنده سفر خيال .. في كون عيون وقت السّحر ..
مين يرضى بي صياد حروف .. مكتول جمال .. مصروع قدر ؟
من بعده مين يدّي الحنين .. ويكفكف الدّمع الطفر .. يا حليله قال ناوي السفر ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
حزن النهار والليل بكى .. ودفق دموعه عليك بحر .. وا غربة القلب اللي عاش..
يا غالي نشوان بيك عمر .. وا ضيعة النغم الليّ ذوّب .. نفسه في ثغر الوتر ..
بيغني للوجه الصَّباح .. والليل على خصلة شعر .. وا ريدي يا سيد القلوب ..
لي ضو شروقك .. للسّحر .. وا ريدتي لليل .. للقمر ..
يا ويلي من لحظة وداع.. آمالي فيها تصير ذكر ..
يا ويلي من عمراً أعيشه .. براكا يا واهب العمر ..
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
يا حليله قال سايب البلد ..
ناوي السفر .. كيف الوداع .. لامن يحين وقت السفر ؟ .. أهديك زهور ؟
حاشاي وانت ندى الزهر .. أهديك حروف .. يا أحلى أحرف في الدّهر ؟
أهديك حنان ؟ .. ما قلبي عندك من زمان .. وأنا راجي عطفك منتظر ..
أهديك دموع ؟ ما دمعي سايل فيك بحر .. أهديك نجوم ..
معقوده بخيوط الزهر .. باقات زنابق حلوه .. في لون القمر ..
ودموع محب .. يا أغلى حب .. من قلب في حبك صبر .. كتم الغرام ..
من سبعه عايش بالسلام .. لا قال حرف .. لا أفشى سر ..
أهديك خواطر في الخيال .. في حبك اترامت زُمَر .. أهديك حب حيّر عقول ..
من بعده قلبي خلاص عقر .. حب زول يعيش بالنظره منك ..
وناوي تحميه النظر .. أهديك غيوم .. وقطيع نجوم .. ومحب عفيف ..
بين النجوم هيمان سدر .. أهديك سحابه من الحنان .. تحميك دوام من كل شر ..
أهديك حروف ما قاله زول .. وما أظن يقوله وراي بشر ..
أهديك عيوني عشان أتوب .. الدنيا بعدك ما بتسر ..
|
|
|
|
|
|