|
تأملات روحية في مقاصد الشريعة الإسلامية (1) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
كليات الشريعة الخمسة تدعو لها الفطرة السليمة وكل شرائع السماء. يقول ابن القيم: "ان الشريعة مبناها واساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها" (ابن القيم - اعلام الموقعين 3/5). وقال الغزالي: "مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو ان يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة" (الغزالي - المستصفى- 1/287). حفظ الدين هنا هو الإسلام بمعناه الأكبر والأصول والذي يعني الإستسلام والتسليم لله وهو ما دعا له جميع الأنبياء والذي خصه ربنا بقوله: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)" آل عمران. وقوله: "قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إبراهيم وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)" آل عمران. ويقول الامام الشاطبي: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة اخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً كما هو عبد لله اضطراراً" (الشاطبي - الموافقات 2/168). والهوى من الأماني التي لا يتبعها الحق، فالأمر ليس بأمانينا ولا أماني أهل الكتاب. تلتقي الشريعة الإسلامية مع الشرائع السابقة المنزلة ومع الكثير من القوانين الوضعية في الكثير من المقاصد. والدين درجات. أصول وفروع، مثلما هناك قواعد أصولية وقواعد فقهية (متفرعة من الأصول). والدين فيه المشقة والعنت من اجل التكفير عن الخطايا لأجل التأسيس، وكلما شق الإنسان على نفسه في البداية كلما يسر على نفسه في النهاية وعجل بإقترابه من مصدر ماء الحياة وعجل بخلاصه واقترب اكثر من الله. لذلك اهم عنصر في العمل الدينى هو الحرية والتطوع. قال تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)" البقرة. وقال: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)" يونس. وهاتان آيتان تتعارضان مع اي عمل قهري او قسري يجبر الإنسان على اعتناق فكر ما. الشريعة (بمعى الأحكام) بحدودها، النواهي والأوامر والعقوبات، وفي اطار تحقيق اهدافها ومقاصدها التي في مركزها الدين والحكمة منه، تمثل الحدود الدنيا من عمل قصد به التقرب إلى الله وتقريب الناس إليه. وتحقيق اقصى درجة ممكنة من الطهارة الفردية وطهارة المجتمع. فالنواهي حد ادنى الا المضطر والعقوبات القرءانية هي اوامر وحد اقصى لمن لا علاج له إلا بها. اولا يدلنا هذا على أن الأوامر يؤتى منها المستطاع؟ فالأمر فيه فسحة التعزير تخرجه من قطعية الحد. وللنظر في الآيات التالية: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)" خواتيم البقرة. و"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)" التغابن. بينما النهي حد. الحدود والنواهي والأوامر في الشريعة هي قوانين قصد بها تنظيم حياة الإنسان (علاقته بالله وعلاقته بأخيه الإنسان) والأسرة التي تسود فيها المحبة لا تحتاج لقانون لأن الحب فوق القانون. كلما تحققت قيم السماء والحب في قلوب الناس وفهمتها عقولهم كلما قل احتياجهم للقانون. لأن الحب والعفو والتسامح فوق القانون. الشريعة لها مقاصد ظاهرة ومقاصد باطنة. لها مقاصد ظاهرية يفهمها العقل ولها روح موجودة في النقل في آيات الحكمة والصراط المستقيم، يمكن للعقل كذلك ان يتلمسها. آيات الأحكام الإلهية لها علل واهداف وليست مجرد احكام، لأن خلق الإنسان له علل واهداف وليس لمجرد الرغبة في الخلق. فالإنسان الخليفة الذي اراده الله لعلة يعلمها هو ولهدف يريده هو لم يظهر بعد! علينا جميعاً ان نعمل من اجل ان نكون ذلك الإنسان الذي اراده الله تعالى منذ ان خلق آدم وحواء.
مكتبة شوقى بدرى(shawgi badri)
|
|
|
|
|
|