بما أن التعثر ظل ملازما للعلاقات السودانية الأمريكية لأكثر من ربع قرن، يصبح جائزا أن نبتدر تناولنا لهذا الملف الشائك بالسؤال، ترى هل بات في حكم المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت قرارها ليوم 12 يوليو 2017؟، وقضى القرار كما العادة بتمديد فترة الاختبار لستة أشهر أخرى “على أقل تقدير” قبل أن تقدم الإدارة الامريكية على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بصورة كاملة ونهائية..؟! هذا ما سأحاول الإجابة عليه، بالشواهد بعد ان تجلت الحجج واضحت واضحة بعد أن حققت الحكومة السودانية بعض الشروط التي حددتها خارطة الطريق الأمريكية (القديمة/المتجددة)، وفي مقابل ذلك أخلت ببعض البنود، الأمر الذي يرجح كفة التكهن بأن الإدارة الأمريكية الجديدة رأت أنه من المفيد تمديد فترة “الارتباط الرقابي” تحقيقا للأهداف الأمريكية ذات الصلة بالحريات وضمان حقوق الإنسان وايصال المساعدات للمتضررين في المنطقتين وإيقاف الحرب في دارفور وتحقيق الحل السياسي الشامل..! بالنظر لتصريحات “ستيفن كوتسيوس″ القائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم في حواره مع صحيفة التيار السودانية قبل ثلاثة أسابيع، وقوله أن المسارات الخمسة التي بُني عليها قرار الرفع الجزئي المؤقت للعقوبات الأمريكية في يناير الماضي تبقى منها مساران، هما المساعدات الإنسانية وايقاف الحرب في دارفور..! بالإضافة للمذكرة الأخيرة التي رفعها للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي كل من: السفير برينستون ليمان المبعوث الامريكى الخاص السابق الى السودان وجنوب السودان، والسفير دونالد بوث المبعوث الامريكى الخاص السابق الى السودان وجنوب السودان، والسفير جيري لانير القائم بالأعمال الأمريكي السابق في السودان، وجاء فيها ان تأجيل القرار يعد خيارا جذابا للإدارة الامريكية..! وقد نصت المذكرة على ضرورة إنهاء الصراع في مناطق النزاع، وتعزيز الإصلاحات وصولا لنظام حكم سلمي استنادا على مواصلة ما تحقق من بنود تدعم استراتيجية الحل الامريكية القائمة على خمسة مسارات، والفرصة التي تتيحها للولايات المتحدة لتحقيق تلك الأهداف عبر سياسة العصا والجزرة، مع ضرورة توخي الحذر في عدم التسرع باتخاذ أي إجراء من شأنه أن يقوض هذه الفرصة. واضح ان المذكرة الأمريكية فضلت انتهاج استراتيجية ثنائية غايتها تحقيق أهداف الولايات المتحدة بفرض النفوذ الامريكي على الخرطوم الساعية من جهتها وبلهفة شديدة لرفع العقوبات الاقتصادية، وإلغاء تصنيفها كدولة راعية للإرهاب، وتخفيف عبء الديون، واستعادة العلاقات الدبلوماسية والعسكرية الكاملة مع الولايات المتحدة مقابل تنفيذها للشروط الامريكية المدرجة في خارطة الطريق. لا يفوتنا هنا ان نذكّر بان المذكرة طالبت بوضوح إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب والكونغرس، معا، للمضي قدما في هذه المبادرة، وتحويل ما تحقق من تقدم في المسارات المتفق عليها في هذه المرحلة الأولى إلى إصلاح مستدام يحقق بقية الشروط..! الخطة الأمريكية حملت ايضاً اعترافا ضمنيا بأن سياسة العقوبات أخفقت منذ فترة طويلة في إحداث التغيير الذي تأمل الادارة الامريكية في رؤيته، وأقرت بان الضغوط الأمريكية كانت سلبية ولا مبرر لها على الصعيد الشعبي وما افرزته من خسائر للمواطنين مسألة يجب اخذها بعين الإعتبار. واستشهدت بأن الإجراءات العقابية لا يمكن أن تسفر وحدها عن تقدم في السودان. وطالبت بضرورة تحقيق الأهداف الامريكية المرجوة عبر الاستخدام الأمثل لسياسة الحوافز والضغوط، وصولا لمحطة الإصلاح طويل الأجل. عليه، واستنادا لما تقدم بالاضافة للتصريحات الصحفية والتلفزيونية السابقة التي وردت خلال لقاءات أجريتها مع السفير برينستون ليمان في لندن بتاريخ 7 يوليو 2011 ولم تتبدل منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا ودعمتها الشواهد ومسيرة الأحداث على الأرض، أستطيع “بكل أسف” ان أقول بأن حسابات الأرقام ترجح باننا امام فصل جديد من الاختبار للسودان، وان تأجيل رفع العقوبات هو الخيار الأرجح؛ علما بان بداية الحل السوداني (ولا أقول الأمريكي) للأزمة بين البلدين وصولا لقرار الرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية تبدأ من داخل السودان وتنتهي فيه..! ويبقى المحك في سؤال اخر لمرحلة ما بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو هل ستنفذ الخرطوم مستقبلا ما تبقى من شروط وصولا للرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية الامريكية في يناير عام 2018؟، سؤال الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عليه..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة