|
بين صمت النساء وصراخ اللغة (نفحات) يكتبها الوليد ادم مادبو
|
الفنان التشكيلي السوداني نصرالدين الدومة
(1) سياد الشرك زمان كان فيهم جسارة والعيين كانت فيهنَّ نضارة. لا ادر ما الذي حدث لكن الناس ما ياهم.
لعله الصبغ الذي مس الوعاء، ام هي المادة التي لوثت الاجرام، أو هو الضنك الذي وعدنا به حال الاعراض؟
(2)
كان من عادة أهلنا إذا قدموا على مليكهم ان يخلعوا احذيتهم ويضموا السبابة فلا يبسطوا أيديهم بالكلية حال مصافحته.
ترقى احد أبناء الزعيم في سلم التعليم حتى أصبح أستاذا جامعياً ومن بعد أنتدب ليكون وزيرا للدفاع. جاء يوما في مهمة رسمية لزيارة القرية، ما إن شارف الوصول إلى حضرة والده حتى هرع إلى خلع نعاله مما دفع كآفة اعضاء الوفد العسكري لخلع أحذيتهم. أعفاهم الزعيم القبلي من الجلوس على الأرض لكنه لم يعف ابنه من القيام بواجب الضيافة، بل كلفه بتناول الإبريق لتولى مهمة الغسل لأعضاء الوفد قبل وبعد تناول الوجبة، مما سبب حرجاً شديدا للعسكريين وجعلهم يتوسلون للزعيم بإعفاء وزيرهم من هذه المهمة. ما كان من الزعيم إلا أن قال لهم : "الرجل في بيته يتولى مهمة ضيفه."
أمد الله في عمر هذا الفتى حتى صار من أعظم الناس حلما وأرفعهم منزلة واسداهم رأياً ومشورة.
(ذهبت الوزارة وبقيت العبارة!)
(3)
اليومين دي الواحد يشيلوا من الوزارة يقرب يشوطن، وكأنه نسي الحكمة الشعبية: الدنيا ام بناية قش، المتحزم بيها عريان.
يا كافي البلاء لا تربية اسرية تُلزم الواحد التواضع ولا دينية تجعل الفرد يوقن بأن "الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين!"
(4)
تعمقت التعاليم الدينية في بلادنا حتي صارت تقاليدا شعبية، لم نكن في حوجه لكل هذا الصخب ولا ذاك النصب.
(6)
من سوء ظنهم بالله رجوعهم الي الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به.
(7)
كان الواحد منا يستحي أن يدخل غرفة والده ولو كان غائباً، والان العيال يداهمونك في غرفتك فلا تكاد تلحق على (تِكتَك) حتى تجدهم في مطرحك.
هل تسبب قرب المباني في طي المعاني؟ ما الذي يعين الاباء والابناء على فك الشفرة؟ هل من ربكة يمكن ان يحدثها عدم إمكانياتنا على التواصل؟
(8)
كبسولة المحنة التي يتلاقاها الفرد من جدته (حبوبته او ام مامته) اقدر على ترسيخ المعاني من بسط التعاليم، رغم حرص الابوين.
حيث أنها، اي الجدة، معنية بترقيك وغير مكلفة بتوجيهك، كما أنك غير ملزم بالامتثال، فقط التواصل الروحي الذي يزيل العقبات ويسهل مهمة التلقي.
حليل زمن الحيشان الكبيرة والقلوب الرحيمة. (اللهم ارحم والدينا ووالد والدينا وكل من له فضل علينا.)
(9)
في قريتنا رجل اشتهر بالمحنة حتى صار مضربا للمثل. اراد ان يتزوج فكان فيمن عرضن عليه امرأة مليحة ذات خلق قويم واسرة سديدة، إلا انها، اي الاسرة، اشتهرت بالجفا.
لم يُلفظ ذاك التحفظ حتي استولت علي والدته حالة اقتضت خروجها من وقارها وقولها: "رغي البطال ولا رغي الجفا !"
عشت حتى رأيت بأم عيني بصيرة تلكم المرأة ولم تزل تروعني حكمتها في كل وقت وحين. (10)
تعاقد راجل الزريبة مع سائق تاكسي سعودي، فكان يتولى توصيله وصحبه فترة قضائهم لمناسك العمرة، فيما كانوا يتحاورون قال أحدهم ممتدحا امرأة في البادية مروا بها وزوجها غائب، فأكرمتهم المرأة، بسطت لهم الفرشات ووضبت لهم الذبيحة. فما كان من سائق التاكسي اللفيف إلا أن تطفل مبديا رأيه وقال "لو هادي حرمتي بدبحها." خرج الشيخ عبدالرحيم البرعي عن صمته وقد كان مستمعا حتى هذه اللحظة و قال : لو مرتي ما عملت كدا أنا بضبحها.
(تلافي التقليد) ذهبت الغيرة بمروءة النساء وابقت عليها السماحة والوفاء.
(انصاف الحداثة) يجب ان نعمل علي تجسير الهوة الماثلة بين "صمت النساء وصراخ اللغة" من خلال التخليص الواعي للغة من فحولتها التاريخية وإدماج المرآة داخل أنظمة السياق الثقافي الانساني. ما الذي تود ان تقوله هي عن نفسها؟
(11)
ما إن استحكمت الأنظمة الثيوقراطية في بلادنا حتى هرع الخوارج الى هدم التماثيل على اعتبارها تصاوير لكنهم كانوا أكثر رحمة بالباشا غردون من الامير عثمان دقنة، فقد رحَّلوا تمثال الأول وهدموا تمثال الأخر.
لم ينفضوا الغبار عن رؤوسهم حتي استحالت منظومة القيم الروحية إلى ثالوث قيم مادية، هي بمثابة العجل وه########م بات رديفا للخوار. الم يكن من الأولى هدم الاصنام في قلوب عبادها؟
(12)
فيما تمضى الهتنا غير مكترسة وغير ابهه بتدمير موارد شعبها المادية والروحية، تعتمد الشعوب الأخرى نظماً لتطبيق أنظمة رشيدة لإدارة الموارد تعنى بتطوير برامج للتعاون الإقليمي الذي يجمع المزايا النسبية للبلدان التي تملك التكنولوجيا (اساليب زراعية متقدمة ومدعومة ببرامج البحث والتطوير)، رأس المال (الاقتصادي، السياسي والاجتماعي)، والموارد الطبيعية (الأراضي، الطاقة والمياه).
(13)
صمد صموداً مدنيا لا يقل عن صمود آبائه العسكري. لم يحقد حتى على أولئك الذين شوهوا سيوف أبائه وأحرقوا مقتنياتهم الأثرية – سيوف طالما زادت عن حرمه أهل دارفور. ظل الملك رحمة الله محمود واثقا من مقدرة الكيان الدارفوري على امتصاص مثل هذه الصدمات طالما بقي على قيادته رجال أثروا المسغبة وتحملوا الحصار كي لا تزور حقائق التاريخ ولا تجير إدارة الشعوب.
لم يحظ برنامج "اسماء في حياتنا" بمجرد لقاء واحد مع افخم رجل خدمة مدينة، شخصية اهلية سخرت 70 عاماً من حياتها لخدمة الشعب. الم يأن لنا ان نعي بأنه لم يعد لنا حياة، إنما حيوات؟
لا غرو، فإن المركزية الثقافية تسببت في تصدع وجداننا، لعل الفدرالية الثقافية تنجح في لم شملنا. نريد لأهل السودان كآفه ان يحتفوا بأبطالهم وان يعرفونا بهم فإن معرفة الذات هي السبيل الوحيد للتواصل مع الأخر.
(14)
"يا يوما الزمان ساقني بعيد خلاص جرعني كاس واتعذبت وادردرت يا يوما وريني الخلاص."
ظننت ان عذابات هذا الرجل نجمت عن غربة في النرويج او هونك كونغ، فإذا بصديقي "ابو همام" يبلغني ان هذا الشايقي ارتحل من مروي إلى ام درمان. يا حليل زمن المحنة والناس السمحين الذين اذا افتقدوك مرضوا واذا قلدوك بكوا!
(15)
إحتار أحدهم فيما يفعل، فأهتدى إلى فكرة تسجيل شعاري الهلال والمريخ.
من حسن حظ المريخ أن المسؤول عن الملكية الفكرية استطاع التعرف على شعار المريخ فرفض تسجيله (كيف لا ونحن نعلم ان عدد الانجم في السماء يفوق عدد حبات الرمل في الارض)، لكنه سجل شعار الهلال!
الهلالاب ساوموا الراجل لكنه رفض رغبة في المزيد. اضطروا إلى التحايل، فاستحدثوا تغييرا يحفظ لهم حقهم الرمزي ويضيع على "الراجل النجيض" قيمة المناورة.
أأمل ان لا نضطر يوما لتسجيل صقر من دون رجلين وقد بتر الجناحان.
|
|
|
|
|
|