بينما كنت في حوش بيت الضيافة في طريقي إلى قاعة الاجتماعات حيث ينعقد لقاء آلية متابعة إنفاذ مخرجات الحوار رأيت وزير الخارجية بروف غندور واقفاً مع نظيره في دولة جنوب السودان دينق ألور ومعهما سفير الجنوب ميان دوت وآخرون كانوا جميعهم مع الرئيس .. توجهت نحوهم وسلمت على ألور وغندور وتبادلنا الضحكات والقفشات فسألت دينق ألور وأنا أضحك: (أوع تكونوا عاوزين ترجعوا الوحدة)؟! فسألني وهو يضحك :(أنت عاوز شنو) فقلت ، بعد أن تغيّر وجهي إلى شيء من الجد : (عاوز البلدين يعيشوا في سلام) بعدها ، وأنا في طريقي إلى لقاء آلية مخرجات الحوار كنت مستغرقاً في تفكير عميق حول القضية التي شغلتنا على مدى سنوات ولم استغرب الإجابات الدبلوماسية التي أدلى بها دينق ألور خلال الحوار الذي أجراه معه الصحافي اللامع فتح الرحمن شبارقة، فقد أبدى حرصاً على تطبيع بل وتقوية العلاقة مع السودان وتحدث عن زيارة وشيكة لسلفاكير للخرطوم وأنكر أن الجنوب يدعم متمردي السودان سواء قطاع الشمال أو حركات دارفور المسلحة وعندما سأله شبارقة (من أين أتت القوات التي تم ضربها في قوز دنقو) حار الرجل جواباً وقال:(هذه الأشياء لازم تنتهي)! . ما لا يستطيع ألور قوله إن الجنوب لا يحكمه مركز قرار واحد إنما هناك مراكز متعددة حتى داخل الحركة الشعبية والجيش الشعبي الذي تتنازعه رغبات وقناعات القادة العسكريين وكذلك داخل مجلس أعيان قبيلة الدينكا صاحب السطوة والقرار على سلفاكير بل حتى بين (كومبارس) القيادات المشاركة في حكومة الجنوب من القبائل الأخرى مثل تعبان دينق الذي حل محل رياك مشار في منصب النائب الأول للرئيس. اعترف ألور خلال الحوار بأن دولة الجنوب تعاني من (وضع صعب) وأن (الحرب والخلافات السياسية مستمرة) وأن (هناك متاعب والوضع الاقتصادي تأثيره كبير جداً لأنه لا توجد خدمات دعك من التنمية فالمعيشة أصبحت صعبة) والقوى الأربع المؤتلفة والمكونة للحكومة (لا يوجد تجانس بينها). لكن باقان أموم عدو السودان اللدود وكبير أولاد قرنق ورفيق عرمان في (الكفاح) من أجل إنفاذ مشروع السودان الجديد والذي أجرى معه الصحافي النشط عبدالرؤوف طه حواراً في (الصيحة) أضاف إلى اعترافات ألور حول الوضع الكارثي في الجنوب بعداً آخر أكثر إيلاماً. فقد قال الرجل الذي اختار اللجوء السياسي في أمريكا بعد أن هرب ونجا بجلده من محرقة الجنوب :( دولة الجنوب دولة فاشلة منذ الميلاد وتغوص حالياً في فوضى وانهيار تام وشعب جنوب السودان الآن مهدد بالإبادة الجماعية والمجاعة بسبب سياسات سلفاكير وانحرافه عن مشروع جون قرنق .. سلفاكير حوّل الجنوب إلى مليشيات قبلية ويعمل على هيمنة قبيلة محددة في دولة الجنوب وهو سبب الفشل الكبير في الجنوب) واعترف باقان بأنه طالب بوضع الجنوب تحت الوصاية الدولية وقال إنه قصد بذلك أن تخضع الدولة إلى الوصاية لفترة انتقالية تحقق الاستقرار وتضع البلاد (في الطريق الصحيح نحو الانتقال إلى السلام والديمقراطية). أعجب ما في الأمر أنه بالرغم من كل ما اعترف به الرجلان من انهيار وموت وخراب ودمار يمسك بخناق تلك الدولة الفاشلة لا يزالان يصران على انفصال الجنوب عن الشمال فقد قال باقان إنه ليس نادماً البتة وأن (الانفصال بكل تأكيد لم يكن خطأ وكان خيار الغالبية العظمى لشعب جنوب السودان)! إذن فإنه رغم كل ما حدث في دولة الجنوب ورغم أن الملايين من شعبه يهيمون على وجوههم خارج أرضه الملتهبة بالحرب الأهلية الطاحنة فأنهم لا يزالون يرفضون الوحدة مع الشمال فماذا بربكم عسانا أن نفهم من هذا الدرس البليغ ؟! assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة