بين أحزمة الضوء/الحاج خليفة جودة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 09:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-14-2013, 08:01 PM

الحاج خليفة جودة


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بين أحزمة الضوء/الحاج خليفة جودة

    بين أحزمة الضوء
    حين مشي كلداش علي كوكب الأرض في مدارات هلامية لم يحس بحركة المعمورة ولا بحركته وربما جهل موقعه من أسرته ومجتمعه وبيئة كبيرة أحاطت بفيزيائه... بيد أنه كان - مثله مثا آخرين وربما تفوق عليهم - يحس ويري ويسمع ويتذوق مرارة الحرمان ويشتم الأخبار من مسافات بعيدة. ولد كلداش بعد شهور تسع أمضاها بين دوي الرعد وانهمار أمطار غزيرة في خط أسمه الاستواء.... قضاهن كلداش لاواعيا ايضا بين أصوات المدافع وأنين الجرحي وعويل الأرامل وبكاء اليتامى... وكلداش لمن يجهل أصله نتاج طبيعي لتأوهات الشهوة وصراخ الطلق... لذا كان عليه أن يقطن مع والده وزوجته الأولي وأبنائها وبناتها.. أناس هم الأقرب إلي لحمه ودمه بيد أنهم الأبعد عنه بمؤشرات الإنسانية. كنا ندور في أفلاكنا والتي كثيرا ما تقاطعت مع مدارك يا كلداش... بعضنا يدور مثل جمل العصارة والبعض كدوران الساقية والبعض الآخر يدور عكس عقارب الساعة.. ربما تعجل بعضهم الحكم عليك حين صوبوا مناظير إنطباعية كانوا يظنون أنها لا تخطئ ولكن مداها بالكاد يتخطى مظهرك وبعض من تلك الأشياء التي تبين خارج ذاك السور من انفعالات العاطفة وحركات الجسد وتبادل الأحاديث... تدور الكرة الأرضية وتمضي الحياة في رحلتها ويحصل المسافرون علي مقاعدهم دفعوا ثمن التذكرة أم تحايلوا.. وقد تعترض الرحلة ما لا تشتهيها الأنفس فتضطرب الأعضاء وتتقلب الأمزجة عند اصطدامها بتقلبات الأمور تماما مثلما جري لك يا كلداش... أنا كنت صغيرا إلا أني كنت أكبر منك يا كلداش سنا... وأظن أني كنت أناصر الذين اهتموا بأمرك وبذلوا الجهد وربما لم يسعفهم في إصابة كبد الحقيقة أو الحل ولكنهم اقتربوا منك درجة بمقاييس الوطن والإنسانية والعدالة...لا أخفي عليك أني كنت أبحث عن السر الذي ضُرب علي حياتك يا كلداش ولا أدري ما الذي كان يدفعني إلي ذلك... حياتي لا تشبه حياتك فحواء التي كانت تطعمني وتؤويني هي ذاتها التي أنجبتني وأرضعتني وعلمتني من اللغات اثنتين وكانت تأتيني بعبارات وإشارات تبعا لتغيرات مواقف الحياة وأحوالها. رويدا رويدا بدأ لساني في تطويعها وغدوت أمشي بها بين أقراني في أزقة الحي وفصول الدرس وساحات اللهو واللعب... أما أسفل تلك الشجرة التي زرعها الحاج سلمان فكنا نستظل بظلها ونتناول وجبة الغداء في صمت ونسترق السمع لآبائنا وهم يثرثرون ويحكون عن الأيام التي أمضوها مقاتلين في أدغال الجنوب... ألا تؤمن مثلي يا كلداش أن اجترار الذكريات يمد العقول بفايتمين السعادة ولو إلي حين!.. لعلمي تلك وجبة وحيدة كنت تستمتع بها يا كلداش في يوم مقداره أربع وعشرون ساعة حتى وإن تعاقبت عليك فصول العام الثلاث إذ أن الربيع ظل يخاصم البلاد منذ أن لقت هذه الكرة...عندما تنفرد بنا تحكي لنا عن صنوف التعذيب وألوان العنف التي تمتصها أعضاء جسدك حتى أنك أصبحت مثل خالد بن الوليد.. ما من موضع علي جسدك الطري إلا وعليه خدش أو أثر لجرح مندمل أو آخر حديث النزف يذكرك بما ينتظرك من مؤامرات داخل الدار... والدك كان أمره عجبا لا يحرك ساكنا ولا يتدخل بينك وبين زوجته الأولي وأبنائها وهم أخوة لك ولكنهم غير أشقاء.. والدك ربما حظي بالسفر إلي باندونغ ووقع علي عضوية دول عدم الانحياز دونما نقاش... واحدة منهن كانت تبدي امتعاضها علي تلك القسوة ويبين ذلك تجهما علي وجهها ليزيد من جمالها سحرا... يفتح باب الدار ويغلق صباحا ونهارا ومساء... والناس يخرجون منه ويدخلون إليه.... الأسرة والأهل والجيران والأصحاب والأصدقاء والمعارف وبعض موظفي الحكومة وعمالها.. وأنت تحاكيهم يا كلداش ولكن تختلف عنهم بما ترتديه من خوف وتوجس... في الأيام التي يشتد فيها الحصار ويضيق عليك الخناق تتسلق السور لتتخذ من سقف احدي الغرف ملجأ تأوي إليه في كل فصول العام.. تصفو السماء.. ترعد السماء.. تزمجر السماء.. وتبرق السحب وتنهمر المياه... تصدنا عتبات الباب الخارجي وهنا منتهي حدود علمنا ومعرفتنا وفق ما تمليها شرائع المجتمع وعاداته والتقاليد.. ولمن أراد أن يستزيد سبل ووسائل شتي ولكنهم يلوون الأعناق ويغضون الطرف ولا يحاولون فك طلاسم المشكل بغية إيجاد الحلول أو حتى أنصافها...قنع أفراد أسرتك بسرد رواية واحدة وكأنهم اتفقوا عليها.. رب ضارة أو كما يقولون يا كلداش نافعة... وهل أنت بحاجة إلي مثل هذه الأمثال؟... ألذلك أصبحت قوي البدن سريع العدو وأنت تخطو نحو الصبا داخل بيت ينبغي أن تطعم فيه من جوع وتأمن من خوف؟.. ولكنهم أتخذوا من الأكل وسيلة تعذيب فأُرغمت مرارا وتكرارا علي تناول حصة الدار كلها من الخبز دفعة واحدة... هكذا خبز جاف ولا ادام... تتكور معدتك وتبكي بينما هم يستلذون برؤيتك متخما ويضحكون.. فصلوا لك زيا وألحقوك بالمدرسة الإبتدائية وملئت حقيبتك بالكتب والدفاتر وغدوت تروح وتؤوب وفي الدروب تتبخر المعلومات كتبخر الماء أو كما درست في حصة العلوم... كنت تشاركنا مجالس اللهو البريء واللعب الطفولي وتبادلنا الطرف والملح التي تتبلها بضحكات مجلجلات وإذا خفتت هلّت علي شفتيك ابتسامة واسعة جميلة. تقفز وتجري وتصيح كصغار البهم وتنتقل معنا من لعبة إلي أخري (شليل - كديس نطاك – الرمة والحراسة – شد وأركب).. تنشرح نفسك وتسكن المخاوف التي تقمصتك وتهدأ نوباتها التي تعاودك قبيل تخطيك عتبات باب الدار ولوجا.. ولو كان بمقدورك لأبقيتنا إلي جوارك حتى ينبلج الفجر ولما تركتنا عندما تقاعد والدك وغادر مدينتنا ليقيم في مدينة أخري تبعد عنا كثيرا ولكنها قريبة من أرض الأجداد. الآن وقد سكنتم البيت الذي يمتلكه والدك فماذا هم فاعلون بك؟.. تسربت إلينا الأنباء عبر قنوات عديدة وعرفنا أنهم لم يغيروا من نهجهم الذي ألفناه وساروا عليه سنين عددا.. قهر وظلم وتعذيب وقسوة.. ثم انقطعت الأخبار ردها من الزمان وخطوت يا كلداش نحو عنفوان الشباب وتواريت عن أنظار عالم يربطك به جينات الوراثة والتقاليد وحجزت لك مقعدا متأرجحا وبدأت روحك تغرد بعيدا عن السرب.. واقع لم يفرض عليك ولكنك كنت تلوذ به لتقي الجسد ومن غريب الأمر لتلبي احتياجات الجسد.. انهمرت الأخبار.. أينما حل كلداش طارت الأوراق النقدية واختفت الأجهزة الكهربائية والحلي عن أنظار صويحباتها.. لعلها أغرتك وقالت هيت لك تلك المجوهرات... أفلحت احدي الأرواح الشريرة من اختراق روحك وتلبستك.. في مهجري صحبتني حياتك بكل تفاصيلها وكنت أتعمد اجترارها مرارا عندما ينفد مخزون الحكي بعيد أنصاف الليالي.. ذات يوم ما التقيت هاشم في قهوة القاش وتجاذبنا أطراف الحديث علي أنغام الملاعق والأكواب الزجاجية وإيقاع رشفات المنبهات الحارة بكل ألوان طيفها.. الشاي والقهوة والزنجبيل السادة والحلبة والكركديه.. باغتني هاشم قائلا: "عندي لك مفاجأة الليلة"..
    قلت: "خير إنشاء الله"..
    أجابني: "وألف خير"..
    أختفي هاشم عن مسرح المنبهات برهة وتركني منزويا عن زبائن القهوة وقد أوشكت دوائر ذاكرتي علي الاحتراق جراء التفكير في الكيفية التي أفك بها قيود هذه المفاجئة.. الحمد لله لم يتأخر كثيرا ولكنه أتي برفقة شاب من شباب بلادي قوي البنية واثق الخطي.. أطلق الوافد الجديد لنظراته حرية البحث عن شيء ليس غريبا عليه... لدهشتي وقع اختياره علي شخصي الضعيف وخصني بتحية سودانية أصيلة.. إذا هذا الوافد واثق من ذاكرته أيضا.. ناداني باسمي ثلاثيا:
    "الهادي خليل جواد"..
    وكرره مرتين وربما ثلاث وأردف:" كيف حالك وكيف أحوال الأسرة والأهل.. لعلكم جميعا بخير"..
    "مر زمن طويل لم نلتق فيه ولكنك لم تتغير كثيرا ... هل عرفتني"...
    هذه من الأسئلة التي تلجمني ورجوته عن يكشف الستر عن نفسه ولكنه أردف قائلا:
    "نعم كبرت في السن ولكن ملامحك كما هي لم تمسسها شيء"... وددت لو أنه منحني ساعة أدخل الصالون الذي يجاور القهوة لأطلع علي الشيب... حسنا لقد أفصح عن اسمه الأول:
    "أمامك أمجد...."..................................................................................
    وكأن شيئا ما قد حفز ذاكرتي لتفيق من بيات النسيان... شيء لا أعرف كنهه جعلني أصيح أعلي صوتي:
    "أمجد كلداش مرشد النور كشروم شلبي"..
    فاضت سيول من الأحداث أم هي حمم بركانية... تدفع بعضها بعضا وتتدافع عبر حقبة تزيد علي العقدين قليلا في مدينة تتوسد النيل الأزرق..مدينة وكأن كل أهلها يعرفون بعضهم بعضا ..هناك حيث تنثر الشمس أشعتها الذهبية علي المياه التي تنساب تياراتها هادئة لتربت علي شواطئها الخضراء.. تصحو المدينة علي زقزقة الطيور وحفيف أشجار المانجو والجوافة والليمون وأوراق أشجار الموز الكبيرة التي تبدو كآذان الأفيال وتعزف مع هبوب الريح كالطبول الأفريقية... هناك قبل أعوام مضين ولعقدين كاملين لعب كلداش دوره في بعض فصول من حياة تلكم المدينة الصغيرة ثم انزوي... رغم أنه برع في الأداء إلا أنه خرج أو أُخرج دونما أي ضوضاء.
    ثم مضي جليسي يسائلني عن فلان وفلان وفلان... وأنا أجيب وأجيب وأجيب إيجابا أو سلبا... ولكني هذه المرة لن أدعك تفلت من بين يدي دون أن تجيب علي سؤال ظل يتخمر في دواخلي مذ أن التقينا أو عرفتك لأول مرة يا كلداش... في ذلك الزمن كنت يا كلداش صبيا رجلا.. عرفت حقوقك في وقت مبكر من حياتك وبدأت معركة الذود عنها.. تدافع عن نفسك قدر استطاعتك..وكل كما قيل ينال من حقوقه حسب مرمي مدافعه...
    تشجعت ولم أشيح ببصري عنه وسألته: "هل عثرت علي والدتك.............."...
    استنشق كلداش كما هائلا من الهواء وزفره سريعا دفعة واحدة قبيل أن تعالجه رئتاه..
    أتدرون بما أجاب:
    " لقد عثرت علي رأس خيط من بين خيوط وخرق خيوط كثيرة ملتفة ومتشابكة... إذ أني كنت ممسكا بالإبرة سنوات طويلة... ظلت هكذا توخز يديّ وقلبي وأنا متشبث بها ولم أبال... سرقت صورة تجمعهما التقطت عندما زفت إليه وخبأتها في مكان آمن بعيدا عن أفراد الاسرة... وكنت قد عرفت قبيلتها من أخوتي إذ كانوا يعرونني بها. لقد جسر عار القبيلة المسافة ما بين صاحبة الصورة واحدي أخواتها... هدتني خالتي إلي بعض أفراد ينتمون إلي العشيرة فدلوني إلي قريتها في أرض الأجداد.. كانت الحرب اللعينة مستعرة أوارها ولكني غامرت ودخلت عليهم من احدي أبوابها... لم تزل بعض الجثث المحترقة ملقاة علي شوارعها الحجرية... كنت أري آثار الرماد في كل مكان.. وصفوا لي دارها فوقفت عليه ولكني لم أبك ربما لأني تأخرت قليلا.. قالوا إنها عبرت الحدود والتحقت بمعسكر للاجئين في دولة من دول الجوار.. اقتفيت آثارها عبر قريب لي يعمل في منظمة غوث طوعية.. تشير المعلومات التي توفرت لنا أنها غادرت تلك الدولة ليعاد توطينها في بلاد العم سام... والآن علي أن اشرع في رحلة بحث أخري..."..
    هكذا أجابني كلداش وانتهي لقائي به وافترقنا علي أن نلتقي في قهوة القاش لنجتر ذكريات الطفولة والصبا.. ودعته وعدت إلي شقتي..
    في ساعة متأخرة من صبيحة اليوم الذي تلي لقائي بكلداش ولج غرفتي طائر جميل عبر فرجة صغيرة في أعلي الباب.. طفق الطائر يضرب بجناحيه في فضاء الغرفة ويتشبث ما أمكن بالجدار ليلتقط أنفاسه كي يعيد محاولات الخروج مرة أخري... فتحت احدي شرفات النافذة فتسللت أحزمة من ضوء الشمس إلي الغرفة... طار العصفور عبر النافذة.. عدت إلي حيث كنت أنام وتغطيت من البرد إلا أني تركت رأسي حاسرا وظلت عيني مفتوحتان تبحثان عن والدة كلداش بين أحزمة الضوء...
    الحاج خليفة جودة
    البريد: [email protected]























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de