كتبت قبل أيام مقالاً بعنوان (هل عاصمتنا حضارية)؟ قدمت فيه أمثلة شاخصة على بعض المظاهر غير الحضارية التي تتمرغ فيها عاصمتنا الخرطوم مقارنة بعواصم دول أخرى أفقر من حيث الموارد وأقل مساحة وسكاناً، وكنت قد كتبت عن ظاهرة المطبات التي تقيمها بعض الجهات وتحدثت عن الخسائر الناجمة عنها وذكرت كمثال لتلك المطبات المؤذية ذلك الذي أقيم في الشارع المؤدي لمستشفى رويال كير، فكتب لي الاستاذ راشد عبدالرحيم مذكراً بحادث وقع في ذلك الشارع أودى بحياة أسرة كاملة وإصابة عدد من الأشخاص، وقال راشد إن ذلك الحادث كان من الأسباب القوية لرحيله من ذلك الشارع، وبالطبع فإن ذلك الحادث كان سبباً في إزالة المطب والآخر المجاور له، فالحمد لله رب العالمين. فهل يا ترى يحق لنا أن نطمع في حملة تزيل بقية المطبات التي أهلكت الحرث والنسل وأعطبت كثيراً من المركبات، وفي حملة أخرى تصلح من شوارعنا المحفرة سواء في الشوارع العامة أو داخل الأحياء السكنية؟. قبل نحو شهرين قامت إحدى الشركات في صباح باكر بحفر شارع أمام منزلي مباشرة وكذلك جميع البيوت المجاورة وعندما استفسرت علمت أن إحدى شركات الاتصالات تعاقدت على عمل في المنطقة اقتضى ذلك (التخريب) مع شركة للحفريات.. احتججت لدى إدارة شركة الاتصالات المعنية بذلك العمل الذي شوه مدخل منزلي والمنازل المجاورة فما كان من شركة الحفريات إلا أن أجرت معالجة لمنزلي ولم تأبه للمنازل الأخرى. هذا مثال لحالة الفوضى التي تسود حياتنا للأسف الشديد ..يحدث ذلك رغم توقيع عقد بين شركة الاتصالات والشركة الأخرى يلزمها بإرجاع الأمر إلى ما كان عليه قبل الحفر .. لو كانت شركة الاتصالات تقوم بواجبها كما ينبغي لتحققت من قيام تلك الشركة بالالتزام بالعقد ولما سددت بقية المبلغ المستحق لها قبل التحقق من إنجاز العمل بالصورة المطلوبة ولكن !. ما ذكرت هذه الواقعة إلا لأبين أن ذلك الإهمال عبارة عن سلوك عام في القطاعين العام والخاص حيث يستلم المهندس الاستشاري العمل من المقاول قبل أن ينجز وفقاً للخرط والمواصفات، فكم من شوارع استلمت وهي في حال بائس؟، ولعل شارع الشهيد عبيد ختم يقف شاهداً على ذلك الإهمال المريع الذي أضاع أموال الدولة والأمر لا يقتصر على الشوارع والكباري عند الاستلام النهائي إنما يمتد إلى المراحل الأولى للتنفيذ والتي ينبغي أن تخضع لشروط صعبة للتحقق من الالتزام الصارم بالمواصفات ورغم ذلك لا توجد محاسبة تصحح من تلك الخسارة الفادحة وتردع من تكرارها. شارع السيد عبدالرحمن الذي يتوسط الخرطوم والذي كان مدمراً تحرك العمل فيه أخيراً بعد أن كان في حال مريع لكن ما الذي دمره بتلك الصورة؟. انفجارات خراطيم المياه في الشوارع خاصة خلال فصل الشتاء وطريقة التعامل معها تقف شاهداً آخر على تخلفنا الحضاري فبعد أن يصلح العطل ربما ينتظر إصلاح الشارع شهراً أو أشهر وقد لا يصلح إلى يوم الحساب . ذات الأمر يحدث مع أعطال الكهرباء وإذا تجاوزنا عن ظاهرة أعمدة الكهرباء بشكلها المتخلف وغير الحضاري وأسلاكها الممتدة كحبال الغسيل والتي كان ينبغي أن تختفي منذ عقود ليستعاض عنها بالكوابل الأرضية فإن أعطال الكهرباء وطريقة إصلاح كوابلها وأسلاكها من المظاهر القبيحة التي تزيد من تشوه وجه العاصمة. ما حكينا عنه من أعطال خطوط المياه والكهرباء يرجعنا إلى هيئة المواصفات والمقاييس بل يرجعنا إلى العقود التي تبرمها الحكومة تحديداً مع الشركات وإلى مواصفات المنشآت والشوارع والمباني وذلك أمر يطول شرحه، فالحكومة ووزاراتها تلجأ لمواصفات محلية رخيصة الكلفة عوضاً عن العالمية حتى تكثر من حجم الإنجاز لتتباهى به وتقيم احتفالات وكرنفالات الفرح على حساب النوعية التي تطيل عمر المنشأة أو شارع الأسفلت مثلا . كنت قد أشرت كذلك إلى أكشاك التمباك التي تعمل بتراخيص وفي أماكن تعج بالناس والمطاعم بالرغم من اللافتات المصورة التي تنشرها وزارة الصحة في الشوارع للتحذير من الأخطار الصحية المترتبة على تناول التبغ والتمباك . أشرت كذلك إلى تكاثر ستات الشاي والكسرة اللائي ينبغي إن يعالج إمرهن بصورة حضارية توفر لهن سبل العيش الكريم سيما وأن ظاهرة ستات الشاي والكسرة بالصورة التي تمارس بها تنطوي على أخطار صحية كبيرة. صدقوني أن ذلك وغيره كثير بما في ذلك الأزمة الاقتصادية يمكن أن يعالج وتتسارع وتيرته لو تمكنا من حل الأزمة السياسية وإزالة الأمية الأبجدية التي لا تزال تمسك بخناق قطاعات كبيرة من مجتمعنا السوداني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة