|
بوسطة ومدرسة وسطى
|
محمد أحمد إبراهيم الرياض – السعودية [email protected]
لا يزال البون شاسعاً بين الأحلام الكبيرة لمن يتعاطون السياسة ، وبين واقع البسطاء من العامة ، وليس ذلك عندنا نحن فقط فكل الدول التي تشابهنا في الاقتصاد والسياسة وتشاركنا قائمة "الأكثر فقراً" العالمية – تلك القائمة اللعينة التي لم نجد منها فكاكا لسنين عددا – تعاني من نفس الإشكالية وعبثاُ يحاول الساسة نقل العامة إلى دهاليز المصطلحات الرنانة والصقيلة وإن اجتهدوا في ذلك ، فما يهم العامة ويشغلهم أكثر واقعيةً ووضوحاً ومرارة . فبينما يختلف ساستنا مثلا في أيهما أصلح للحكم (الفدرالية أم الكونفدرالية) ، يتحدث البسطاء والعامة عن زيادة سعر "الرغيف" وعن معاناتهم مع "الجمرة الخبيثة" التي لا تكاد تبدأ بطاقتها لتنتهي ، وعن سعر البنزين و "ساندويتش الفطور" ورسوم المدرسة ... وبينما يقضي المثقفون وذوو الياقات البيضاء الساعات الطوال في الحديث عن الديمقراطية المبتغاة ، وحرية الفكر والكلمة ، والتنمية المستدامة ، وقضايا الهوية ، لا يزال حلم البسطاء والعامة يدور حول المطالبة بـ "بوسطة ومدرسة وسطى" كما جاء في الأثر السياسي السوداني القديم ... ! وبينما يتحدث فلاسفة الاقتصاد وجهابذة التجارة العالمية عن الأسرار الخفية لنظرية تحرير السوق وأثرها الإيجابي في وقف معدل "التضخم" وثبات "سعر الصرف" ، وعن ارتفاع معدل دخل الفرد ، يتحدث البسطاء والعامة عن زيادة تعريفة مواصلات "أمبدة الردمية" و "الكلاكلة صنقعت" ... ! البسطاء والعامة لا يهمهم ما يقال عن نظرية "الخصخصة" ومدى مساهمتها في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام أو إلى الخلف ، بقدر ما يهمهم أن يستيقظوا صباحا ليجدوا الأسعار كما تركوها مساءاً ... ! هذا "الفتق" الذي استعصى على "راتق" الساسة هو الذي جعل البسطاء والعامة يبتعدون عن معتركات "الصفوة" السياسية ومعاركها ، وهو الذي جعل اللغة التي يتحدث بها أولئك ، غير مفهومة لهؤلاء ، أو بمعنى أصح لم تعد تهمهم كثيرا ، وهذا هو سبب إحجامهم عن الانشغال بما يدور في دهاليز السياسة والاقتصاد ، فما عادت تهمهم التفاصيل سواء كانت تلك التفاصيل "بشياطينها" أو بغيرها ، ولم تعد لهم قدرة على متابعة ما يجري لأن "رهق المعايش" يأخذ جل وقتهم وهم ينتظرون "الخلاصة" لكل هذا الذي يحدث حولهم ليتأقلموا معها فقط لا غير .. لذلك نأمل من جميع ساستنا المتنفذين وغيرهم ، حكومة ومعارضة ، سواء اتفقوا أم لم يتفقوا، أن يضعوا نصب أعينهم هذا الشعب الذي ترك لهم الحرية ليقرروا نيابة عنه ، وأن يجعلوه همهم الأول والأوحد لأنه شعب يستحق .. وله الحق .. وكفى .
|
|
|
|
|
|