|
بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة أكتوبر بقلم شوقي ملاسي المحامي
|
أشيد بصحيفة الأحداث على نشر مذكرات البروفسير كليف تومسون التي قام بترجمتها المترجم القدير الأستاذ بدر الدين حامد الهاشمي وقد اطلعت عليها ويمكنني أن أقول بأنه قد قام بتغطية الأحداث كما حدثت في الثورة، رغم أنني أشير إلى أنه نسي بعض الأحداث وفات عليه ذكرها، وميزة هذه الترجمة أنها صادرة من شخص أكاديمي ليس له علاقة ما، تجعله يقوم بتغيير الوقائع وتزييفها كما فعل بعض المؤرخين السودانيين لعلاقاتهم الحزبية. وإنني سأحاول أن أتكلم عن الجزء الذي بدأ من يوم الخميس 21 أكتوبر، وهو اليوم الذي بدأت فيه علاقتي بثورة أكتوبر وألاحظ على ما كتبه البروفسير كليف أنه لم يكن دقيقاً. ففي يوم الخميس هذا ذهبت إلى المحكمة كالعادة لأجد إعلاناً في اللوحة بتوقيع عضو مجلس نقابة المحامين الزميل الدكتور سليم عيسى المحامي، فحواه استشهاد الطالب أحمد القرشي طه في ندوة بجامعة الخرطوم مساء الأمس، الأربعاء، وأن تشييع جثمانه سيبدأ من ميدان عبد المنعم بالخرطوم جنوب إلى مسقط رأسه في قرية – القراصة- على النيل الأبيض جنوب العاصمة. فذهبت مباشرة مع مجموعة المحامين المتواجدين بالمحكمة إلى ميدان عبد المنعم .. كان الجثمان موضوعاً على ظهر عربة نقل بوسط الميدان. الحشود الجماهيرية تملأ الميدان والشوارع المؤدية إليه، وقوات الشرطة والجيش بكامل الأسلحة داخل سياراتهم حول الميدان .. والحقيقة التي رأيتها وسمعتها بنفسي مع آلاف السودانيين ويجب أن تقال، هي أن الأخوين السيد الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي، وقفا عند عربة الجثمان وطلبا من الحضور التفرق بهدوء وترك الأمر لهما لمعالجته، ولكن أخذ منهما المايكروفون الأستاذ بشير الطيب المحامي – عضو الحزب الوطني الاتحادي- وصعد على ظهر عربة الجثمان وهتف إلى الجحيم يا عساكر إلى الجحيم يا عبود، فانطلقت هتافات الجمهور مرددة هذا الهتاف، وبدأت الجماهير في مهاجمة سيارات الشرطة، ودمرت بعضها. وفور إنتهاء الموكب رجعت مع عدد من الزملاء المحامين الذين كانوا متواجدين إلى دار المحكمة الجزئية التي كانت في البرلمان القديم. هناك قمت بكتابة إعلان لاجتماع في مكتب النقيب الأستاذ عابدين اسماعيل الساعة 11 صباحاً من يوم الجمعة. وفي الاجتماع طرح الزملاء عدة اقتراحات، كانت في رأيي غير مناسبة ولا تعبر عن تطلعات الجماهير، وهنا طلبت الكلمة فأذن لي النقيب، فتقدمت باقتراح أن تدعو النقابة للاضراب السياسي والعصيان المدني. وقد قام بتثنية هذا الاقتراح أستاذي وأستاذ الأجيال السيد محمد أحمد محجوب المحامي ورئيس الوزراء الأسبق، وتمت الموافقة عليه بالتصويت بالاجماع، هنا، اتصل بي السيد بابكر عوض الله وطلب مني الحضور لمعرفة موقف المحامين وفعلاً ذهبت إلى مكتب السيد بابكر عوض الله، وأوضحت له موقف المحامين، فهالني أنهم (أي القضاة) يقفون مع المحامين نفس الموقف. وعليه أخذت العريضة شكلها وبقى أن يتم التوقيع عليها من كافة القضاة، وذهبنا إلى القضائية لاخطار السيد بابكر عوض الله واطلاعه على المذكرة بشكلها النهائي، واقترح عليّ الأستاذ عابدين الذهاب إلى القضاة الذين كانوا غير متواجدين في مكاتبهم لأسباب مختلفة. ومن أهمهم المرحومين الأستاذ عبد المجيد إمام والأستاذ مجذوب علي حسيب، وفعلاً أخذتهما بالسيارة (السيد بابكر عوض الله والأستاذ عابدين اسماعيل) إلى منزل السيد عبد المجيد إمام، فأبلغنا الخادم، بأنه بداخل المنزل، وسمح لنا بالدخول إليه، فوجدناه نائماً، فأيقظه السيد بابكر عوض الله، وكان يتغطى بثوب من القنجه، وشرح له بابكر الموقف، وهنا قال عبد المجيد إمام، إن لبابكر موقف غريب من الجنوبيين قاله في احدى حفلات الدبلوماسيين. ودار نقاش عنيف حسمه السيد عابدين، فقبل عبد المجيد إمام التوقيع على العريضة، ووقع عليها فعلاً. كانت الساعة حوالى الثالثة بعد الظهر فطلب مني السيد بابكر عوض الله أن ألتقي به في الساعة الخامسة مساء في المقرن لنذهب إلى أم درمان للحصول على توقيعات مجذوب وبقية قضاة أم درمان، وفعلاً حصلنا على بعض توقيعاتهم وبقي مجذوب علي حسيب فتوجهنا إلى منزله فوجدنا السيد صالح اسماعيل سكر وأحد أبناء البرير فرحبا بنا، ولكنهما ذكرا أن مجذوب غير موجود بالمنزل وطلبوا منا أن ننتظره لأنه تلفن قبل مدة موضحاً أنه سيعود إلى المنزل، وفعلاً حضر السيد مجذوب، فانفرد به السيد بابكر عوض الله، وحصل على توقيعه، وكان يصحبنا في هذه الزيارة كل من المرحوم الأستاذ بدر الدين مدثر المحامي وأمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي وسعيد حمور المحامي وعضو حزب البعث والدكتورة صفية صفوت زوجتي، (التي كانت طالبة في الجامعة في ذلك الوقت)، وفجأة أذاع راديو أم درمان إعلان حالة الطواريء والأوامر التي صدرت باطلاق الرصاص على أي تجمع يتكون من أكثر من أربعة أشخاص. فطلب منا مجذوب والآخرين المبيت في المنزل معهم حتى لا نتعرض لمشاكل، وهنا ذكر السيد بابكر أنه لا بد من ذهابنا، وأصرّ على ذلك وفعلاً أخذت بابكر والآخرين بسيارتي إلى الخرطوم والغريب أننا ذهبنا بدون أي اعتراض من الشرطة في الطريق أو الكوبري، وعندما وصلنا إلى القضائية وطلب منا بابكر التوقف ليأخذ سيارته التي كانت تقف بالقضائية. وما أن ترجل بابكر من سيارتي حتى ظهر فوج من رجال الشرطة مدججون بالبنادق واحاطوا بنا، وطلبوا منا أن نتوجه إلى المديرية فذكر لهم السيد بابكر بأنه نائب رئيس القضاء وكل ما يريده هو أن يأخذ سيارته ليتوجه إلى منزله، فأطلقوا سراحه، ولكنهم أصرّوا على أن يأخذوا البقية إلى المديرية، وتوجهنا إلى هناك. وعند وصولنا إلى المديرية، سلمت المذكرة للسيدة صفية صفوت التي لم تتردد في تخبئتها. وقد كان هذا اجراءً احتياطياً ضرورياً لأننا نعرف بأن الشرطة لا تفتش السيدات حسب العرف السائد آنذاك. فأخذونا إلى مكتب القمندان المشرف على الأمن، فوجدنا السيد لويس سدرة، فواجهنا بأن طلب منا من نحن وأين كنا، وكنت قد ذكرت له اسمي بالكامل شوقي حسب الله ملاسي لأنني كنت اسمع عنه كثيراً من والدي عندما زامله في كلية الإدارة والبوليس، وهنا قال لي لويس سدرة- إنت ولد حسب الله ملاسي، وأعطانا الإذن المكتوب بالذهاب إلى منازلنا. وفعلاً أخذت بدر الدين وسعيد إلى منزليهما ومن ثم اتجهت إلى منزلي بالمساكن الشعبية في بحري وبصحبتي زوجتي الدكتورة صفية صفوت ومعنا المذكرة ولم يغب عن ذهني الخطر الذي سنتعرض له بحيازة المذكرة والعقوبات التي ستوقع علينا، وفعلاً قضينا الليلة بين الترقب والانتظار، وعندما أصبح الصباح، قررت أن أخذ زوجتي الدكتورة صفية إلى منزل شقيقتها وأذهب أنا للمبيت مع قريبي الأستاذ عبد الكريم الكابلي. ولكن في اليوم التالي ـ الجمعة- كانت هناك اجتماعات بدعوة من أساتذة جامعة الخرطوم. فذهبنا إلى مكتب نقيب المحامين، وحضر الحاج عبد الرحمن مندوباً عن اتحاد نقابات العمال والدكتور صلاح عبدالرحمن علي طه، عن نقابة الأطباء، إضافة إلى القضاة والمحامين.. كانت مقترحات العمال والأطباء تدور حول نفس فكرة مذكرتنا وأن تصدر عن كل هذه الهيئات إلى رئيس النظام تطالبه بالتحقيق في حادث اطلاق الرصاص بالجامعة ومحاسبة المسؤولين عنه، وأن يتم تسليم المذكرة بموكب ينطلق من أمام مبنى القضائية .. وبما أن المذكرة كانت جاهزة سلفاً وكنت مكلفاً بحفظها وجمع توقيعات القضاة والمحامين والمستشارين، فقد قام مندوبو بقية الهيئات بالتوقيع عليها. وفي صباح السبت ذهبت حسب الخطة وجمعت توقيعات المحامين والمستشارين في ديوان النائب العام. وفي الموعد المحدد من ذلك اليوم تجمعت الهيئات النقابية والفئوية وحشود من الجماهير أمام مبنى الهيئة القضائية. وقبل أن ينطلق الموكب الشعبي نحو القصر وصلت قوات كبيرة من الشرطة وقامت بتطويق التجمع الشعبي، بقيادة ضابط الشرطة آنذاك والمحامي لاحقاً المرحوم قرشي فارس. وأخذت تلك القوات تطلق النداءات والأوامر لنا بالتفرق وإلا فإنها ستطلق النار .. كان لتلاحم الجماهير وبينهم القضاة والمحامين والمستشارين وأساتذة القانون بالأرواب السوداء وهم يهتفون مع الجماهير مظهراً مهيباً .. وفي تلك اللحظات كان المرحوم الأستاذ محمد أحمد محجوب ونقيب المحامين عابدين اسماعيل ونائب رئيس القضاء مولانا بابكر عوض الله وقاضي المحكمة العليا عبد المجيد إمام، كانوا مع رئيس القضاء المرحوم أبورنات في مكتبه ليتابعوا معه اتصالاته الهاتفية مع القصر للسماح للموكب الشعبي أن يذهب إلى القصر لتسليم المذكرة للرئيس الفريق إبراهيم عبود. والموقف يزداد اقتراباً من الانفجار بالخارج أسرعت بالصعود إليهم في مكتب رئيس القضاء في اللحظة التي كانوا يتلقون فيها الإجابة بالرفض عبر الهاتف.... لقد كانت إرادة الله مع انفجار الثورة وانتصارها، لأنه إذا وافقت السلطة على الموكب وتسليم المذكرة لما تطورت الأمور نحو النصر، لأن الموكب كان محدود الهدف في تسليم مذكرة لا تؤثر كثيراً في الموقف ... دخلت عليهم وقلت لمولانا عبد المجيد إمام، لماذا لا تخاطب قرشي فارس وقواته وتطلب منهم الانصراف أو التوقف عن التهديد، خاصة وأن صفتك كقاض بالمحكمة العليا تجعلك مسؤولاً عن الشرطة قانونياً في ظروف إعلان حالة الطواريء- فوافق عبد المجيد ونهض الرجل مباشرة إلى الخارج وخاطب قرشي فارس قائلاً – أنا عبد المجيد إمام قاضي المحكمة العليا المسؤول عن الأمن، بموجب هذا آمرك بالانصراف .. فوافق قرشي فارس على تنفيذ الأمر دون تردّد وقام بأداء التحية العسكرية للقاضي وانصرف بقواته .. اشعل هذا المشهد حماس الجماهير فزاد الغليان الشعبي ... وانطلقت دعوة لاجتماع عاجل بقاعة المحكمة العليا، حيث قام المرحوم الأستاذ علي محمد إبراهيم المحامي بطرح نفس اقتراحي بالعصيان المدني الذي سبق أن طرحته على المحامين في اجتماعهم قبل يومين بعد التشييع بمكتب عابدين اسماعيل ووافقوا عليه في حينه، والآن أيضاً وافق الجميع على إعلان الإضراب السياسي ... وبعد انصراف قوات الشرطة بأمر القاضي قامت السلطة هذه المرة بارسال قوات من الجيش بكامل أسلحتها ومعها مدرعات صغيرة، بقيادة الضابط فيصل غندور، وأخذت تهديداتهم تتكرر أيضاً بإطلاق النار إذا لم يتفرق المتجمهرون. ولكنني سبق وأن اتفقت مع تنظيم الضباط الأحرار بواسطة الأخ حسين عثمان بيومي، الضابط المعروف، بأن المطلوب منهم هو عدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين حتى إذا طلبت السلطة منهم ذلك. وبالفعل إلتزم الأخ فيصل غندور بذلك الإتفاق. بعد اجتماع قاعة المحكمة العليا وقرار إعلان الإضراب السياسي، صعدت إلى شرفة مباني القضائية المطّلة على الساحة مع الأستاذ عابدين اسماعيل المكلف بإعلان الإضراب، وعندما أعلن الأستاذ عابدين الإضراب ارتفع التساؤل من بين الجماهير: متى نبدأ؟ فجذبت الأستاذ عابدين من قميصه وطلبت منه أن يقول لهم منذ هذه اللحظة، وبالفعل قالها لهم بصوت جهوري ... أسرع بابكر عوض الله بإغلاق مكتبه. وفي الحقيقة لم تكن هناك قيادة سياسية أو حزبية مهيأة لقيادة هذا الموقف المفاجيء للكثيرين ... من هناك تداعينا سريعاً للاجتماع بمكتب عابدين اسماعيل: نقابات ومحامون وقضاة. وفي الاجتماع تساءل الحاضرون: من نحن. وكيف ننفذ الإضراب السياسي؟ قال فاروق أبوعيسى، إنه التقى في ذلك الصباح بالسيد الصادق المهدي وتحدثا عن ضرورة اشتراك القيادات الحزبية في الموكب وضم قواهم لقوى النقابات ... فقاطعه بصوت واحد ومضمون واحد كل من بابكر عوض الله وعبد المجيد إمام قائلين: إذا كنتم تريدون إعادة نفس الأحزاب والوجوه سنعود فوراً إلى مزاولة أعمالناـ حاول فاروق أن يبرر حديثه ثم خرج بحجة أن لديه محاولات أخرى سيقوم بها ... وبعد نقاش قصير اقترح عبد المجيد إمام تسمية هذه القوى، قوى الموكب والمذكرة والإضراب، باسم الجبهة الوطنية للهيئات ـ وافق المجتمعون فوراً وقرروا إصدار منشور جماهيري، وتم تكليف الأخ الأستاذ الزين علي إبراهيم، من جامعة الخرطوم بمهمة طباعته بجامعة الخرطوم في نفس اليوم وتسليمه لمكان التوزيع بداخليات كلية الطب ليستلم مندوب كل نقابة كمية نقابته من هناك. ومن الذين أتذكرهم من حضور ذلك الاجتماع الإخوة: الدكتور طه بعشر، الدكتور صلاح عبد الرحمن علي طه، مولانا بابكر عوض الله، مولانا عبد المجيد إمام، بدر الدين مدثر، سعيد حمور، فاروق أبوعيسى، نقيب المحامين وشخصي.. وبذلك انطلقت حركة الثورة
وفعلاً قضيت ليلة السبت مع الكابلي. وفي الصباح الباكرمن يوم السبت، طرق أحد الأشخاص الباب وذهبنا لمقابلته واتضح أنه ذو علاقة باللواء أحمد التجاني، وأبلغنا أنه قد تم اعتقال كل من بابكر عوض الله وعبد المجيد إمام في منزليهما. وهنا اقترح عليّ الأستاذ الكابلي أن نذهب إلى أم درمان في محاولة لاقناع العاملين في الإذاعة بتوقيفها، وفي الطريق عند المقرن طلب مني الكابلي أن نتوقف ليذهب لمقابلة الأميرلاي أحمد عبد الله حامد، وفعلاً عاد بعد مدة لينقل إليّ ما قاله له الأميرلاي أحمد عبد الله حامد بأنه اتصل بالقبة في أم درمان وتحدث مع الأنصار، فأخبروه بأنهم سيخرجون في مظاهرة مسلحة، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، ومن هناك توجهنا إلى دار الإذاعة فطلب مني الكابلي أن أسمح له بدخول الإذاعة منفرداً وأبقى أنا بانتظاره خارجها، وفعلاً، دخل الكابلي الإذاعة ليعود ويخبرني بأنه أقنع المهندسين باتخاذ الخطوة اللآزمة، وأنهم سيوقفون البث الإذاعي في الساعة الثانية عشرة ظهراً بالضبط. وفعلاً اتجهنا إلى منزل بابكر عوض الله ومن حسن الحظ كان جاره الأستاذ بسطاوي بغدادي، فوجدنا منزل بابكر محاطاً بالشرطة وعلمنا من الأستاذ بسطاوي بغدادي بوجود نفاج بين منزله ومنزل السيد بابكر عوض الله، فكتبنا مذكرة للسيد بابكر نخبره فيها بتوقف البث الإذاعي قريباً، وفعلاً أخذوا المذكرة ووضعوها في حلة بها ملوخية غير مطبوخة وسلموها إلى أهل بابكر الذين نقلوها إلى السيد بابكر، فجاءنا رد بابكر، بأنه شاكر ومقدر للمعلومات. وفعلاً توقفت الإذاعة في ذلك الموعد المحدد. وفي يوم الإثنين أعلن الفريق عبود عن انعقاد المجلس المركزي، فقمنا بعقد اجتماع موسع وطاريء لمنظمات الاشتراكيين العرب وانعقد بداخلية بحر العرب، المجاورة لمبنى إدارة جامعة الخرطوم القديم، بحضور حوالى 30 عضواً وقرر المجتمعون تنظيم مظاهرات شعبية، خطتها أن تبدأ التظاهرة كبيرة وعندما تحضر قوات الشرطة أو الجيش تتفرق إلى مجموعات صغيرة في الأزقة الجانبية، ثم تلتحم مرة أخرى لتعود كبيرة في أقرب نقطة ممكنة بعد تشتيت القوة الأمنية وبغرض ارهاقها ... خرجنا بالفعل وكان الاستعداد واسعاً وسط الجماهير. فاستجابت بسرعة وكنا قيادة فعلية. وعندما وصلت قوات الشرطة قمنا بتنفيذ الخطة بدقة فوصل الإرهاق بأفراد القوة لدرجة اضطر معها أغلبهم إلى خلع ملابسهم الرسمية ورفض الاستمرار في ملاحقة التظاهرة ... وبالفعل نجحت تلك التظاهرة والمظاهرات الأخرى في تحقيق غرضها من تعطيل انعقاد المجلس المركزي وتجديد حيوية الشارع الشعبي ....
حلّ المجلس العسكري الأعلى الحاكم، كما علمت قد تم كما أكد لي العميد أحمد البشير شداد، عندما إلتقينا في لندن، وسكنت معه، أنه حدث عندما التقت دون إتفاق مسبق إرادة تنظيم الضباط الأحرار في الجيش وإرادة الجبهة الوطنية للهيئات على تطويق مباني القيادة العامة والقصر للضغط على الحكومة حتى يستقيل المجلس العسكري الأعلى. وفي ليلة حلّ المجلس العسكري الأعلى، خرجت المظاهرات تغطي العاصمةت. وفي شارع القصر التقيت بالأستاذ أحمد سليمان المحامي، قحملته على كتفي وهتفت بحياته وكانت الجماهير أخرجته من السجن الذي كان يقضي فيه عقوبة مدتها ثلاثة شهور. وبعد ذلك تم تشكيل الوزارة برئاسة الأستاذ سر الختم الخليفة من جميع الأحزاب السياسية، الأمة الشعب الديمقراطي، الوطني الاتحادي، الشيوعيين، الإخوان، الجنوبيين والنقابات. إلى أن حدثت واقعة يوم 7 نوفمبر، عندما أذاع فاروق أبوعيسى من الإذاعة بأن هناك إنقلاباَ عسكرياً، ودعا الجماهير إلى الخروج إلى الشوارع لحماية الثورة فيما عرف بليلة المتاريس، وقد إتهمه الإخوان بأنه تآمر شيوعي، وهذا الإنقلاب كان من المفترضً أن يتم بقيادة عثمان نصر عثمان، من أبناء بورتسودان، وشقيق اللواء محمد نصر عثمان. وفي تلك الفترة تم تعييني في لجنة التطهير وهي لجنة إدارية تابعة للّجنة الوزارية للتطهير، التي كانت تضم الوزراء، أحمد سليمان ومحمد صالح عمر وأحمد السيد حمد وأزبوني منديري وخامس لا أذكره، وكان معي في اللجنة كل من الدكتور علي محمد خير والقاضي الطيب عباس الجيلي وقسم الخالق إبراهيم، ضابط الشرطة، والأستاذ زكي عبدالرحمن وأمين عبد المقصود ويوسف نصرون. وقبل أن أختم مقالي لا بد من أن أقول، إن ثورة أكتوبر هي إرادة الشعب السوداني فهو بركان وانفجر، ولم تكن له قيادة سوى جبهة الهيئات وأن على كتّاب التاريخ أن يذكروا الحقائق المجردة دون أهواء حزبية، وعلى شباب الوطن أن يعلموا بأننا عندما شاركنا بدور متواضع لم نكن نسعى لمكسب من أي نوع وقد ستر الله أن الثورة نجحت ولم نواجه المصير المحتوم.
|
|
|
|
|
|