حينما قابلت ذاك الرجل كان في ذهني أن أسأله أين يقف من الأحداث في ولاية الجزيرة التي تتنافس فيها تيارات منافسة طاحنة ..عبدالباقي علي قطب الحزب الحاكم وأحد رموز مدينة المناقل كان دائماً ضد والي الجزيرة..حتى أن البعض حسب الأمر في إطار الصراع بين المدينتين..فاجأني الرجل حينما قال إذا ذهبت إلى حانة أو مسجد لن تجد مواطناً يعارض أيلا..كانت العبارة القابلة للتحقق حافزاً يجعلني أهتم بزيارة ولاية الجزيرة. مساء الجمعة كنت مع عدد من الصحافيين في القرية التراثية بمدني نشهد ليلة أدبية شرّفها الوالي أيلا..لاحظت أن الوالي يتمتع بشعبية عالية..محبة عابرة للانتماءات السياسية ومتجاوزة للفئات الجيلية..شابة أنيقة غير محجبة كانت ترسل عبارات ثناء في الهواء الطلق ..شيخ كبير داخل حلبة الرقص يصر على تحية الوالي ويتجاوز الحواجز الأمنية..طلاب يافعون يهتفون باسم أيلا..لكن في الجانب الآخر كان خطاب الوالي يسقط في المجلس التشريعي الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم. تجوّلت برفقة زملائي في أنحاء مدينة مدني.. مرافقنا يمر بشوارع جديدة ومعبدة ثم يخبرنا هذه صنعها لنا أيلا..يضيف محدثنا من قبل لم يكن الشارع عابراً دعك أن يكن مسفلتاً..كورنيش النيل بات مزدحماً بالأسر في الأمسيات..في الصباح كان الوالي أيلا يفتح كتاب الإنجازات ..كل المدارس في كل الولاية دخلت إلى حيّز الصيانة.. في ظرف عام دخلت مدينة مدني مئتا عربة نظافة ومن قبل كانت تقوم بالمهمة ثمانية (دفارات) فقط ..شيّد في كل المدن الكبيرة ملعباً رياضياً (إستاد).. أيلا ينفق نصف ميزانية الولاية على التنمية..في كل محلية كانت هنالك بصمة أيلا..كل ذلك دون أن يستدين مالاً من المصارف . سألت الوالي من أين له بالمال؟ ..أكد أيلا أنه قام بإعادة توظيف الميزانية..واكتشف أن السيارة الحكومية تكلّف أكثر من مرتب صاحبها، وأن الحافز الذي يتقاضاه الذين بيدهم القلم أكبر من رواتبهم..وأن منازل الحكومة تكلفة صيانتها عالية..بجرة قلم ألغى كل ذلك ثم انتظر المعارك عارياً..اتجه إلى الناس مباشرة ..جعل العون الذاتي يشكل رقماً مهماً في كل مشاريعه التنموية..بل أن معيار الشراكة مع المجتمع ومقداره يرتب أولويات التنمية. في تقديري.. نجح أيلا لأنه كان مستعداً لاتخاذ القرار الصعب ..كما أنه كان قادراً على أن يجعل الإنجاز شاهداً ..استخدم ببراعة قاعدة الخواجات (لا تتحدّث ...دعني أرى)..النجاح الأكبر كانت قدرته على التواصل مع عامة الناس ..تشجيع السياحة وعدم التدخل في تفاصيل حياة الناس، أطلق روحاً جديدة في الولاية التي كانت تظن أن مهمتها تنحصر في أن حراسة الدين أكثر من تحقيق رفاهية الناس.. ما حدث بالجزيرة حقق مفهوم حكومة صغيرة ومجتمع فاعل. في تقديري مطلوب بإلحاح من الوالي أيلا أن يتحرك في مساحات الالتقاء بالآخر..لدى محمد طاهر أيلا فرصة تاريخية أن يعيد بناء الجزيرة ومعه معظم القيادات التي تحاربه الآن..الحرب داخل الصندوق تكلفتها عالية وتصرفه عن كثير من المهام.. حينما يضمن أي قائد موالاة الشارع فسيكسب كل المعارك بيسر. بصراحة..ما صنعه أيلا في عام هو صحيفة اتهام ضد كل ولاة السودان باستثناء أحمد هارون في شمال كردفان..لو كنت واحداً من هؤلاء الفاشلين لشرعت في فتح بلاغ ضد أيلا بتهمة إشانة السمعة!! .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة