|
بعد رحيل شريف .... عودة الي وردي ( 2 – 3 )
|
كتب صلاح الباشا من السعودية
تمهيد :
نحن حين نذكر هذه الذكريات ، لأنها وقائع تظل راسخة في الذاكرة مدي الحياة ولأنها ترتبط بكنز ملأ الدنيا إبداعاً وسكنت أعماله الغنائية داخل وجدان أهل السودان تماما ، ألا وهو إمبراطور الغناء الأفريقي وفنان افريقيا الأول الراحل المقيم ( محمد عثمان حسن وردي ) عليه الرحمة . ولكن مايثير الدهشة والحيرة معا أن بعض مدعي النضال سواء في الاسافير أو في غيرها يحاولون دوماً توجيه السباب والشتائم البذيئة لمن يحاول الإقتراب من منطقة أي مبدع أو رمز إجتماعي من حركة اليسار السوداني إن كان هذا الكاتب أو الصحفي لا ينتمي لحركة اليسار السوداني ، وهي عقدة مستديمة لم يستطعوا منها فكاكا لأنهم قد تربوا علي مسألة إتباع طريقة محاولة ( إغتيال الشخصية ) ، غير أنه هذه المرة سوف نتصدي لهم بالكتابة الرزينة المتزنة ، ونقوم بتمليك القاريء العزيز الحقائق كلها دون توجيه أي إساءة سواء لمدعي النضال الوهمي اولمجمل أعضاء حزب اليسار الذين لهم ادوارا مشهودة في حركة التنوير السياسي علي امتداد تاريخ العمل الوطني بالسودان ، لأننا لا نعرف هذا النوع من الكتابة الكئيبة والقبيحة . كما ان محاولة إحتكار الموروث الابداعي للرمزين الراحلين محمد وردي ومحجوب شريف لشيء يثير الدهشة ، فتلك المسيرة الابداعية الوطنية والثقافية والفنية للرمزين تعتبر ملكا حرا لأهل السودان بمختلف أيدلوجيات والوان شعبنا السياسية . فبدلا من أن يكتب امثال هؤلاء عن الادوار الابداعية لمسيرة الراحلين ، تجدهم يقفزون للأساءة إلي من يحاول كتابة وسرد ذكرياته معهما .. نعم إنه تصرف يدعو للدهشة فعلاً .
وعن الموسيقار محمد وردي وذكرياتنا معه ، نواصل ما قلناه بالحلقة الأولي هنا ، بأن هناك إعتراضا قد أظهره أستاذنا الراحل الموسيقار محمد وردي للذهاب إلي الدوحة في بداية الأمر عند نقاشي معه حين كنت بالخرطوم في اجازتي السنوية ، وقد كانت قصة هذه المناقشات كالتالي : ذات يوم وقبل مغادرتي عائداً إلي عملي بدولة قطر وبعد زيارتي لمقر نزل ألأستاذ وردي بحي الصافية في يوليو 2002م حيث كنت قد إستأجرت في ذات الحي شقة لعائلتي بعد عودتهم من الدوحة بسب إستقرار إبني وبعض بناتي للدراسة الجامعية بالخرطوم مثلما ذكرنا في الحلقة الأولي ، وبعد أن زرت الأستاذ وردي في ذلك المسكن بالصافية ، قمت بتسجيل زيارة له أثناء فترة الغسيل التي تستغرق في الغالب أربع ساعات بمركز الكلي بالخرطوم شرق التابع للجامعة ، وقد وجدت معه الدكتور حمدوك المدير العام للمركز والدكتورة الراحلة سلمي محمد سليمان ، وهنا تواصل نقاشي مع الأستاذ عن تجديدي لفكرة أن يأتي إلي الدوحة ، خاصة وأن بها جراح نقل كلي مشهور جدا وهو البروفيسور السوداني الفاضل الملك رئيس قسم زراعة الكلي بمستشفي حمد العام بالدوحة التابع لمؤسسة حمد الطبية ، فكان رد الأستاذ وردي : ياباشا أنا لن أذهب إلي الدوحة ، وهنا سألته : لماذا يا أستاذ ؟؟؟ تصوروا ماذا كانت الإجابة وقد أدهشتني تماماً حيث قال : لأن الدوحة قد مات فيها مصطفي سيد أحمد قبل ست سنوات ( أي في العام1966 م) .. فقلت للأستاذ وردي : أن مصطفي سيد أحمد قد إنتهي أجله المكتوب هناك بعد فشل زراعة الكلي التي أجريت له في موسكو وقد إضطر لمواصلة غسل الكلي بالدوحة منذ العام 1992 وحتي رحيله في العام 1996 ، وبالتالي ليس هناك تخوفا من إجرائك لعملية نقل الكلي هناك طالما أن مسالة سفرك لأمريكا تعقدت ، وسفرك لألمانيا لإجراء نقل الكلي باهظ التكاليف.. صمت الأستاذ وردي قليلاً ، وهنا تدخلت الراحلة دكتورة سلمي محمد سليمان قائلة له : خلاص يا أستاذ نحن ممكن نجري العملية هنا بالخرطوم ومن الممكن أن نأتي بصديقنا وزميلنا البروفيسور الفاضل الملك من الدوحة إلي الخرطوم حيث توجد عدة مستشفيات مجهزة لإجراء عمليات النقل كإبن سينا وأحمد قاسم وسوبا.
وهنا لم يعلق الأستاذ وردي علي العرض الثاني المقدم من دكتورة سلمي ، وظللت أنا جالساً في كرسي أمام سرير وردي أراقب الحديث ، وعند خروج الدكتورة سلمي من الغرفة ، قال لي وردي هذه الكلمات التي لازلت أذكرها تماما كعشاء البارحة كما يقول المثل : يا صلاح أنا أؤمن تماما بأن الأعمار بيد الله ولكل أجل كتاب ، ثم أضاف : وأقول لك سر وهو أن الدكتور المتابع لحالتي في لوس أنجلوس بأمريكا سبق أن قال لي أن في مثل عمرك والذي بلغ السبعين فضلا علي أنك مصاب بمرض السكر فإن الكلية التي سيتم نقلها لك مهما كانت كفاءتها فإنها ستتوقف عن مواصلة الفلترة بحد أقصي بعد خمس أو ست سنوات من تاريخ نقلها لك ، وأضاف وردي مواصلا حديثه ، هكذا الخواجات يضعونك في الصورة تماما في كل الأحوال ، وأنا شخصيا ماعندي إعتراض لإجراء نقل الكلي بالخرطوم ، فقط أنني أخاف من مرحلة النقاهة للشهور التي تعقب العملية بسبب أمراض البيئة التي لا يد لنا فيها مثل الملاريا والتايوفويد وكثرة الزوار والأمراض الأخري نظرا لأن الإنسان الزارع للكلية يكون في أضعف حالاته بسبب تعطيل جهاز المناعة حتي لايرفض الجسم الكلية الجديدة المنقولة . ( طبعا فيما بعد كانت توقعات الطبيب الأمريكي غير صائبة حيث ظل أداء الكلية المنقولة للفقيد الراحل وردي تعمل حتي قرابة العشر سنوات ) .
قلت له إذن ما العمل وباب أمريكا مغلق أمام المتبرع وربما أيضا اوروبا مغلقة للدخول إلي دولها ، بجانب كلفتها الباهظة جدا ، خاصة وأنني كنت عائداً في مساء اليوم التالي إلي عملي بالدوحة بعد أن انتهت إجازتي .. فقال لي الأستاذ ، سافر بالسلامة ( و خليك علي إتصال بنا ) .. ولم يزد أكثر من ذلك ، فخرجت منه بعد أن ودعته وذهبت إلي زوجته الراحلة علوية محمود رشيدي بالمنزل بحي الصافية ببحري قبل أن أذهب إلي شقتي في الصافية ذاتها ، وودعتها بعد أن أبديت لها رغبتي في عمل تحرك بعد عودتي الي الدوحة لإحضار الأستاذ إلي لنقل الكلية هناك ، فأبدت هي موافقتها ووعدتني بأنها ستبذل جهدها مع الاستاذ بعد الإنتهاء من حفلاته التي تقرر إجرائها بمعرض الخرطوم الدولي لصالح شركة الخرطوم للمنتجات الغذائية التابعة لمجموعة دال ( كوكا كولا ) وعددها ثلاث حفلات علي مدي ستة أيام .
عند عودتي إلي الدوحة ظللت أتصل بالأستاذ وردي مساء كل جمعة للإطمئنان علي صحته ولمدة شهر كامل ، حتي نهاية أغسطس 2002م حيث طلب مني الأستاذ وردي أن أبدأ في المسعي الجاد لإستخراج التصديق والموافقة من إدارة مستشفي حمد العام بالدوحة لنقل الكلية هناك ، حيث حزم وردي أمره هذه المرة وتوكل علي الله في هذه الخطوة ، وعندها لم تسعني الفرحة ، فشرعت فورا في الإتصال بالبروفيسور الفاتح الملك إستشاري جراحة الأعصاب والعمود الفقاري في ذات المستشفي حيث سبق أن نشأت علاقة معرفة بيننا وهو جراح مبدع وفنان يطرب لوردي ومحمد الأمين حسب ماذكره لي في حوار قديم قمت بإجرائه معه لجريدة الشرق القطرية التي كنت أنشر فيها كتاباتي التوثيقية في الفن السوداني لمدة خمس سنوات متصلة ، وقد كنت وقتها لا أعرف البروفيسور الفاضل الملك استشاري زراعة الكلي ، لكن تربطني علاقة قديمة مع البروفيسور عمر إبراهيم عبود رئيس قسم المسالك البولية في المستشفي وهو لحسن الطالع كان عضوا في مجلس إدارة مؤسسة حمد الطبية التي يقع تحت إشرافها مستشفي حمد ، ويرأس مجلس الإدارة وزير الصحة القطري شخصيا وهو الدكتور حجر أحمد حجر . ومعرفتي بعمر عبود أنه قد كان هو الطبيب المعالج لموظفي شركة طيران الخليج بالخرطوم في زمان قديم ، حيث كنت وقتها اعمل مراقبا ماليا لذلك الطيران قبل سفري للعمل بدولة قطر. طلب مني البروفيسور الفاتح الملك أن أنتظر لأربع وعشرين ساعة ثم يفيدني بالموقف بعد أن أبدي رغبة قوية جدا بل وبفرحة غامرة لإنجاز أمر الموافقة بالتصديق لمسألة الأستاذ وردي ، وأذكر أنني كنت قد قلت لوردي بألا يصرح لأي فرد أو صحيفة بمحاولات سفره إلي الدوحة لأن الموضوع يحتاج إلي موافقات وتصديقات للدخول ، ولاندري هل سننجح أم لا ، حيث كانت الصحف وقتها تتابع أخبار الأستاذ وردي منذ عودته إلي السودان. كما نقلت ذات رغبة السرية في الأمر للدكتور الفاتح الملك .
لم تمر أربع وعشرين ساعة إلا ويتصل بي صباح اليوم التالي البروفيسور الفاتح الملك هاتفيا وقد كنت في مقر عملي ، فأخبرني بأن البروف عمر عبود مسافر إلي لندن ويعود بعد أربعة أيام ، أما د. الفاضل الملك فهو في العاصمة العمانية مسقط ويعود بعد يومين .
وبعد يومين بالضبط إستلمت مكالمة بالمساء من رقم غريب لم يكن مسجلا عندي في ذاكرة الهاتف الجوال ، لكنه – علي أية حال - رقم من داخل دولة قطر ، فحياني المتحدث ، وقد كانت المفاجأة بأنه هو الفاضل الملك نفسه حيث أخذ رقمي من د. الفاتح ، ومباشرة قال لي هذه الكلمات لتبليغها للأستاذ محمد وردي وقد كانت كالتالي : نحن والله يا أستاذ صلاح كنا نتابع كتاباتك بالصحف هنا وبالنت حين تكتب عن مسيرة وردي الفنية وعند الترحيب به بعودته من امريكا إلي السودان ، وبالتالي أود تبليغك بأنه فخر لنا جدا في أن نجد الفرصة لتقديم بعض جمائل الأستاذ وردي للشعب السوداني ، وسنبذل قصاري جهدنا لأخذ الموافقة ، وسوف نضع دكتور عمر عبود في الصورة تماما ، فإنتظرونا ليومين فقط لحين عودة عمر عبود من لندن للبدء في الترتيبات . وفورا إتصلت بالمساء بالأستاذ وردي وأبلغته بحديث الطبيب المعالج د. الفاضل والذي سيجري العملية وحدثته بتفاصيل حديثه معي لنقله لك ، وهنا فقد ذكر لي الأستاذ وردي بأن هناك علاقة صداقة قوية تربطه مع د. عمر عبود الذي سبق أن زار وردي في مدينة لوس انجلوس . وبعدها بيومين .. إتصل بي البروفيسور عمر عبود من داخل الدوحة ... فماذا قال وماذا طلب ؟؟؟ نواصل ... الحلقة الأخيرة قريبا ومعها صور تذكارية للحدث من الدوحة وقتذاك إنشاء الله ،،،،
|
|
|
|
|
|