أجمع النقاد في العالم العربي أن رواية(الشمندورة)للكاتب النوبي محمد خليل قاسم تعد من أجمل الروايات العربية وأحسنها في مجال الأدب الأنساني..مما يؤكد أن النوبيون في كل صروح الإبداع يتركون أثرا كبيرا..وبصمات واضحة..ذلك بحكم النشاة في أجواء تغمرها الطبيعة الساحرة على ضفاف النيل..وغابات النخيل الباسقة..والجداول الرقراقة تجري مياهها صوب حقول(القمح)!! وتجلت تلك المعاني الإنسانية بصورة جميلة في حياه الكثيرين من المبدعين من أبناء المنطقة مثل الراحل المقيم محمد خليل قاسم حيث شب عن الطوق في قريته (قته)وهو يراقب(البقرة)التي تدير الساقية فانداح أنينها على مسامعه مثل أنغام يحملها النسيم من القرى البعيدة..وكان يرى(الشمس)تبزغ من ركام السحب في تلك القرية النوبية..والبلح يبدل أثوابه في أشهر الصيف الحاره وأشجار الصنت وهي تنشر أريجها بعد غروب الشمس..فنمت روح الأبداع في كيانه. الروايه بـاسلوبها الأدبي الرفيع تمكنت من إبراز الصورة الحقيقة لواقع حياة النوبيين في تلك القرى التي كانت تسترخي على قيوف النيل قبل أن تغمرها مياه السد العالي..وجاءت في ثنايا حروفها كل السمات النبيله التي تنداح من تلك الوجوه..وما جبلوا عليها من صفات الصدق..والأمانه..والإيثار..ومنحت(الروايه)وصفا رائعا وجميلا للفن المعماري لتلك المنازل وحجراتها..والعادات والتقاليد التي تحلى بها النوبيون عبر كل الحقب. الإتكاءة على جدار تلك الحروف التي رسمها(المؤلف)في روايته تمنح لمثلي من الذين رضعوا من أثداء ذلك المكان الرائع فيض من الحنان..وتنساب في أعماقنا شلالات من الفرح..فنكاد مثل العصافير تحلق بأجنحتها في الفضاء المطرز بأضواء النجوم في تلك القرى المنثوره مثل الدرر..فينداح عطر الطفوله من مرابع الأمكنه بأريجها الفواح فتحملنا الذكريات بكل حنانها إلى قرية(إشكيت)وهي تستحم في بحر من الجمال حيث كنا نلتف في تلك الأمسيات حول(المذياع)فتصفق قلوبنا جذلا حينما تبث إذاعه صوت العرب أغنية (الشمندوره)بلغتنا(النوبية)إستهلالا للمسرحية التي كانت تروي عن حياة الإنسان النوبي. لقد قرأت في إحدى الصحف العربية مقالا حول صدور الطبعه الثانية من رواية(الشمندوره)وغمرت حاليا المكتبات المصريه..ورغم أنها جاءت متأخره إلا أنها أهاجت في الأعماق غبطة عارمه وإطمئنانا على الحضور للأدب النوبي..وياليت النادي النوبي في الخرطوم قد إحتفل بهذا(العرس)وجلبت للمكتبات السودانية كميات من هذه الإصداره..وكانت الطبعه الأولى لهذه (الروايه)قد صدرت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي..ولقيت رواجا كبيرا ..وأطبق صداها على الساحه الأدبية والفنية..وأكد معظم الأدباء والنقاد ومعشر المثقفين عن حلاوتها ومذاقها الأدبي..وأعترفوا بأنها من أجمل الأعمال..إلا أن الإهمال الذي تعرضت له وإستبعادها عن مؤسسات النشر الرسيمة في جمهورية مصر..والتجاهل النقدي والأكاديمي من قبل الجامعات أوغر في قلوب النوبيين جرحا غائرا. المعروف أن المؤلف كان ميلاده في عام 1922م ورحيله عن الدنيا كان في عام 1968م ..ذلك بعد صراع مع المرض وسجون النظام الناصري..وكتب هذه (الروايه)خلف أسوار السجن بقلم(كوبيا)وعلى ورق(بفرا)المخصصه للسجائر..وتمكن من تهريب(الأوراق)إلى خارج سجن (الواحات)ونشرها في مجلة صباح الخير في حلقات متتاليه..وكان والده يعمل مزارعا في قرية(قته)التي كانت تقبع داخل الحدود المصرية..واضطر إلى إرتياد مجال العمل التجاري بعد تعلية خزان أصوان الثانية في عام 1933م فغمرت مياه الخزان البقيه الباقيه من تلك المنطقة..والمؤلف بجانب تألقه في دنيا كتابة القصص والروايات كان أيضا مولعا بكتابة(الشعر)..وإعداد البحوث السياسية منذ أن كان طالبا في المرحله الثانوية وأشترك مع نخبه من الشعراء النوبيين في إصدار ديوان بعنوان(سرب البلاشون)وذلك في عام 1966م.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة