حديث المدينة ٢٦يوليو ٢٠١٦ في دار الوثائق القومية قرأت في الصفحة الأولى لصحيفة "الرأي العام" الصادرة في سبتمبر عام ١٩٦٥ خبراً عجيباً.. أشاركك فيه: ((مدينة القضارف تواجه أزمة حادة في المياه.. الشخص الواحد ينفق ٢٠ قرشاً لشراء البيبسي والفانتا ليروي ظمأه..)). ربما هو خبر قريب من القصة التاريخية الشهيرة للملكة أنطوانيت التي عندما اشتكى لها الشعب من عدم توفر الخبز إجابتهم بمُنتهى البراءة ولماذا لا تأكلوا (كيك)، لكن ليس هذا ما أقصده. في عام ١٩٦٥ القضارف تُعاني من مشكلة مياه الشرب.. في العام ٢٠١٦ تنضم إليها غَالبية أحياء العاصمة الخرطوم.. ولا حاجة لسرد قوائم المدن الأخرى.. بحساب بسيط نقرأ فنجان مُستقبلنا.. لنكتشف أنّ هذه المُتوالية تقودنا الى آخر قطرة من أملنا في وطن مُنعم بالحقوق الأساسية للمواطن.. حق الحصول على ماء الشرب.. لا أكثر. لكن المصيبة ليست في (يبقي الحال على ما هو عليه) مع مزيد من التدهور.. بل المصيبة في (البرنامج المصاحب).. أتعلمون ما هو (البرنامج المصاحب).. خلال الأيام الماضية قلبت صفحات الصحف بدايةً من العام ١٩٦٥ حتى آخر ١٩٦٧.. والله لو استضفنا رجلاً من الفضاء الخارجي وعرضنا عليه هذه الصحف لأقسم أنّ هذا البلد هو الأغنى وشعبها الأكثر سعادةً.. كل الأخبار تحكي عن معارك الأحزاب حول أي شيء إلاّ مصالح الشعب.. تَصريحات وأخرى مضادة وسيوف تلمع ودماء (معركة في خشم القربة خلال انتخابات 1965 قتل فيها العشرات) ولا كلمة واحدة عن التنمية أو أي مشروع في أي مجال.. وطن الساسة مخترع بالسياسة التي تدور في خواء مشبع بالهواء. ما أشبه الحال اليوم بالحال.. تصريحات تنطح تصريحات وأحزاب تفتك بها أحزاب.. وزعامات تفصل من أحزاب.. وبين الشهيق والزفير لا شيء غير الهواء المبثوث في الهواء.. وربما الحال كان أفضل في الماضي، فعلى الأقل سكان القضارف كانوا قادرين على شراء البيبسي بدل الماء المعدوم. لا أبكي على وطن لا يتغيّر.. لكني أتحسّر على شعب أصبحت أغلى أمانيه أن يصحو صباحاً ليجد الشمس وقد اشرقت من الشرق.. ونفخ الصور لإعلان النهاية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة