|
بخيته ... طفلة سودانية/ماهر هارون – محاسب قانونى
|
بخيته
بخيته ... طفلة سودانية - من قبيلة داجو- حملها قدرها فى عمر السابعة من دفئ أسرتها وربوع قريتها الصغيرة - ألقووسا غرب نيالا – الى إيطاليا لتصبح قديسة فى الكنيسة الكثوليكية بروما . الإسم بخيته (كما هو معروف لديكم مشتق من البخت و البخت من الحظ ) فرض عليها – بعد أسلمتها - من قبل سيدها تاجر الرقيق و الذى أعتقد أن هذه الصغيرة محظوظه لانها سوف تنعم برغد العيش فى كنفه ...سبحان الله .
قبل هجمات ثوار المهدية على مدنية الأبيض فى نهاية عام 1882 كانت المدينة مرتعا لتجارة الرقيق و كان أبطال هذه التجارة من التجارالعرب و الأتراك القادميين من خارج السودان
و لدت بخيته تقريبا فى عام 1870 و فى فيراير من عام 1877 كان قدرها أن يخطفها أحدعملاء تجار الرقيق عندما كانت ترتع مع رفيقاتها و سط الخضرة و الأشجار و بعدها أجبرت على السير قسرا على قدميها حتى مدنية الأبيض . وعند وصولها المدنية كانت قد بيعت مرتين وبعدها وقعت فى يد تاجر رقيق عربى أساء إبنه معاملة بخيته بضربها ضربا مبرحا أقعدها فى سريرالقش المخصص لها لمدة شهر وذلك لإنها كسرت زهرية.
أما سيدها الرابع فقد كان اكثر قساوة من سلفه و كان ضابطا تركيا حيث تعرضت بخيته لسوء المعاملة بصورة مستمرة من أفراد اسرة الضابط و اسوأ ماحدث لها حسب مذكراتها قيامهم بوضع علامات بإستعمال السكين والملح والدقيق لاثبات الملكيه على جسدها و بالتحديد على بطنها و صدرها و يدها اليمنى . و فى نهاية عام 1882 و عندما تعرضت الأبيض لهجمات الثورة المهدية قرر ضابط الجيش التركى العودة الى بلاده تركيا و فى دفئ عشيرته و بعيدا عن الخطر الذى أصبح يهدد مهمته و سلامة زوجته ووالدتها.
و فى رحلة العودة اراد الله فى عام 1883 ان يتم شراء بخيته بواسطة نائب القنصل الإيطالى و الذى احسن معاملتها–سبحان الله - وقد ذكرت تلك الفترة فى مذكراتها بانها الفترة الوحيدة - منذ بدأ رحلة إسترقاقها - التى شعرت فيها بالهدوء و السكينة. و بعد عامين و نيف فى كنف السكينة و الهدوء قرر سيدها الإيطالى العودة إلى إيطاليا و هنا توسلت بخيته لسيدها ان ترافقه فى رحلة عودته - و كان لها ما ارادت - وفى مارس من العام 1885 سافروا عبر سواكن و فى إبريل من نفس العام و بصحبة السيد و صديقه الإيطالى و صلوا مدنية جنوه و كانت فى إستقبالهم زوجة الصديق الإيطالي ، وهنا تم أهداء بخيته لزوجة الصديق الايطالى و الذين ذهبوا بها الى منزلهم فى ضواحى مدينة نيس الإيطالية وبعد ثلاثة سنوات اصبحت بخيتة مربية لطفلة سيدتها الجديده و بعدها عادت بخيته مع سيدتها و زوجها الى السودان و عاشوا بها تسعة شهورولكن عادوا الكرة الي إيطاليا مرة اخرى تاركين زوج السيدة فى السودان ولم يطيل المقام بالسيدة أليس فى إيطاليا حيث قامت ببيع منزلهم و عادت الى زوجها و تركت بخيته و إبنتها فى مدرسة الراهبات بمدينة فينسيا " البندقية". و فى آواخر عام 1888 عادت السيدة لإيطاليا من السودان لأخذ إبنتها و بخيته للعودة النهائية للإلحاق بزوجها فى السودان و الذى كان قد إستكمل تأسيس مشروعه التجارى بمدينة سواكن و هنا كانت المفاجأة حيث رفضت بخيته العودة الى السودان وبمساعدة مدرسة الراهبات حكمت المحكمة لصالح بخيته على أساس أن القانون الإيطالي لايعترف بالرق و أن السودان منع الرق فى 1834 إى قبل مولد بخيته و ان بخيته و صلت السنة القانونية لتقرير مصيرها. و هنا بدأت مرحلة انكبابها على المسيحية بالرغم من أنها كانت تقوم بأعمال النظافة و الطبخ و قد اشتهرت ببشاشتها و إستعدادها الفطرى لمد يد المساعدة و التفانى فى خدمة الكنيسة والسكان من حولها لدرجة أن سميت الأم السوداء و قد سألها أحد طلاب المدارس – و الذين كانوا يزورونها فى آخر أيام عمرها - ماذا سوف تعمل إن واجهة تجارة الرقيق و الذين قاموا بتعذيبها فقالت بدون تردد أو تفكير سوف أركع على قدمي و أقبل أيديهم و ذلك لأنهم كانوا السبب فى معرفتها وعبادتها للرب. و كانت بخيته قد تم تعميدها الى المسيحية فى 9 يناير من العام 1890 وتغيير إسمها الى جوزفين وحافظت على أسم بخيته و اصبحت رسميا راهبة فى 8 ديسمبر 1896. وعندما أسلمت روحها فى8 فبراير عام 1947 بروما بقيت جسمانها لمدة ثلاثة أيام حيث أصبحت مزارا للكل يتبركون بها وكان البعض يقوم بوضع أيدي أطفالهم على وجهها و بعدها المسح على وجوه أبنائهم . قام البابا بزيارة السودان خلال التسيعينات من القرن الماضى بالرغم من ممانعة حكومة السودان لمخاوف أمنية على سلامة البابا و عند و صوله للخرطوم قال البابا حضرت لكى أعيد بخيته الى وطنها الأصلى –سبحان الله. و فى عام 2000 قامت الكنيسة الكاثولكية بروما منحها لقب قديسة . هنالك ملايين من الرقيق الأطفال و النساء والشباب الذين لقوا حتفهم ولم يكونوا محظوظيين مثل بخيته . أدناه خلفية تاريخيه عن الرق و تجارة الرقيق.
إسترقاق البشريعتبر جزء من التاريخ البشرى و يرجع بداياتها الى ظهور الزراعة و التجمعات البشرية ، ففى مصر القديمة (كمت) لم يكن الإسترقاق ظاهرة إجتماعية أو إقتصادية و لكن كان يستغلون الرق فى المنازل و المزارع و الجيش و النساء كزوجات و الأطفال كأبناء و عند موت المالك يدفن كل مايمتلكه من العبيد. اما فى الإمبراطورية العثمانية كان الرق جزء هام من المجتمع حيث بدأت تجارة الرقيق فى القرن الرابع عشر 1300و أستمر حتى القرن التاسع عشر 1800 إى خمسمائة عام و كانت البداية فى الإمبراطورية العثمانية هو تجنيد الرقيق فى الجيش و الرقيق كانوا يعتبرون ملك للسلطان وقد أقام السلطان العثمانى محمد الثانى أول سوق لتجارة الرقيق تحت إسم يسرا عام 1460 . و قد درجت الإمبراطورية العثمانية بخطف الأطفال من البلقان (حاليا ألبانيا و بوسنيا و بلغاريا و اليونان ..الخ) و الأناضول ( المناطق التى كان غالبية سكانها أتراك و أكراد ) و اسلمتهم أولا و بعدها تدريبهم كقادة عسكريين فى معظم فتوحاتهم الإسلامية فى أوربا و قد بلغ عدد أفراد الجيش عام 1609 مائة ألف فرد. اما الرقيق الذين تم تسخيرهم داخل الإمبراطورية كان يتم أسلمتهم و تربيتهم و تدريبهم كإداريين لشغل الوظائف الحكومية و ذلك لضمان الولاء (لغياب الإنتماءالإقليمى) و تخفيض مستوى الفساد و قد بلغ حجم الرقيق خمس سكان إستنبول و التى كانت تسمى القسطنطينية فى ذلك الزمان. كان هولاء الرقيق من الشباب و النساء و الأطفال يستجلبون من اثيوبيا و تشاد و شمال نيجريا وفى السودان من النوبة و دارفور و كردفان و كان الشباب الذكور يستغلونهم لحراسة محظيات السلطان بعد خصيهم باساليب مختلفة منها قطع كامل للجهاز التناسلى وهذا ما كانت تقوم به الكنسية القبطية الأورذ ودكسية فى دير أبو غريب فى مصر و كان الأطفال يستغلونهم فى الحمامات العامة و القهاوى . و قد إستمر هذا الحال حتى قامت الإمبراطورية بإصدار آخر قانون منع الإسترقاق فى 1889 وكان أول قانون فى 1858 . تجارة الرق و إلاسترقاق مازال موجود بشكل أو آخر حتى يومنا الحاضروالأمثلة عديدة أذكر منها الآتى :
* إسغلال موارد و إمكانية شعب بأكمله لتحقيق أحلام ذاتية وعقائدية . * إستغلال جهل العامة بواسطة الأعيان والسياسيين و رجال المال و الدين لغياب المعرفة و القوانيين الحامية * توريث الأجيال الصاعدة و القادمة الشعور بالأفضلية السياسية و المكانة الإجتماعية و الدينية بدلا من القيم الإنسانية.
أما فى السودان و فى 651 هاجم جيش المسلمين بقيادة عبدالله بن أبى السرح الممالك النوبية (ناباتا و المقرة و علوة) من مصر (والتى وقعت فى يد المسلمين فى فى بدايات القرن 600 ) وبسرعة أيقن قائد الفتح الإسلامى عدم جدوى الإستمرارفى قتال هذه الممالك المسيحية ( 500 – 1300م) و التى كانت تغطى المنطقة من جنوب مصر و حتى بحر الغزال و الجزيرة و كردفان و كانت هنالك تداخل بينها و بين مملكة قندار - أكسوم الحبشية وأيضا تم أحتلال مملكة علوة بواسطة الفونج مملكة سنار و سميت العبدللاب ولكن تم تحرريها من الفونج الملك عجب العظيم. وعليه تم الدخول فى إتفاقية البقط مع ملك مملكة المقرة النوبية و الذى تم بموجبه إيقاف التوغل الإسلامى عن طريق القوة . و لقد كانت من بنود الإتفاق - حرية التجارة و التنقل - منع الهجرة و الإستقرار فى أراضى البلدين- تبادل المجرميين الهاربين والرقيق- النوبة مسئوليين للمحافظة على مسجد للمسلمين الموجدين و الزوار- المصريين غير مسئوليين عن حماية النوبة من هجمات من طرف ثالث - النوبة تسمح حصولهم على الرقيق من قبل عملائهم و فى عام 830 توقف ملوك النوبة من دفع إلتزمات الإتفاقية نتيجة لحدوث حرب أهليه فى مصر ولكن بمجرد حدوث الإستقراربدات مطالبة ملوك المقرة الإلتزام بشروط الإتفاقية و دفع المتأخرات ولكن فى عام 835 تمكن ملك النوبة زكريس الثالث من التفاوض مع خليفة المسليمين فى بغداد لإعفاء المتأخرات وتعديل الدفع كل ثلاثة أشهر بدلا من كل شهر. بخيته هى رمز للمعانة التى عاشتها أجيال من النساء و الأطفال فى السودان و مناطق أخرى من أفريقيا من تجارة الرقيق والذى إستمر لأكثر من خمسمائة عام . كل الشعوب عانت من تجارة الرقيق و لكن المهم هو أن تعى الأجيال الصاعدة و القادمة هذه المأساة الإنسانية و دراستها بالتحليل و النقد والخروج بمواعظ و دروس يمكن تغيير مفاهيم الأجيال القادمة فى الرق و الإسترقاق وفهم و إدراك معنى ما قاله عمر بن الخطاب رضى الله عنه " متى إستعبدتم الناس وولدتهم أمهاتهم أحرار" . و أود أن أذكر هنا م جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان المادة الرابعة " لا يجوز and#65165;and#65203;and#65176;and#65198;and#65239;and#65166;and#65237; and#65155;and#65261; and#65165;and#65203;and#65176;and#65228;and#65170;and#65166;and#65193; and#65155;and#65265; and#65207;and#65192;and#65210;، and#65261;يحظر الإستراقاق و تجارة الرقيق بكافة أوضاعهما " .
لكل إنسان الحق فى تقرير مصير حايته و العيش بكرامة لتحقيق مقاصد الحياة وذلك بالحصول على الصحة و الرعاية و التعليم و الأجر و الأمان . و الكرامة تتطلب حرية الإنسان فى إتخاذ قرارت حياته بإحترام وبدون إذلال . لقد كرم الله سبحانة و تعالى الإنسان و ليس هنالك فرق فى الإسلام فى إنسانية الإنسان و كرامتة ، ذكر كان أم أنثى ، فكل الناس بشر و لا فرق إلا بالتقوى و تقوى القلوب لا يجليها إلا الله كما جاء فى محكم كتابه" يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوب و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " صدق الله العظيم.
يجب أن نعلم الأطفال و النساء و الرجال و نجعلهم يدروكون بالتدرج معنى وضرورة الكرامة فى خلق اجيال أصحاء و متحررين من مؤروثات الماضى من التمييزوالعرقيه ، و يجب أن ندرك بأن الكرامة جزء متأصل فى الأسرة البشرية و إن البشرخلقهم الله سبحانة و تعالى بحقوق متساوية والذى إن تم تأكيده فى الواقع يصبح هذا الواقع أساس الحرية و العدل و السلام فى العالم. إن عدم مراعاة حقوق الإنسان والإفتراء والتعدى عليه والإستبداد والظلم هو الذى يقود الي التمرد و سفك الدماء وزرع بذورالفتن فى المستقبل ، على الجميع أن يدركوا إن عليهم مسئولية خلق البيئة التى يتمتع فيه الفرد بحرية القول و العقيدة و يتحرر من الفزع و الفاقة .
ولا يفوتنى أن أذكر هنا مقولة المفكر الهندى جيدو كيرشنمارتى و الذى ولد فى الهند فى 1895 و توفى فى 1986 " مافعله الإنسان بأخيه الإنسان لا حدود له – من تعذيب و حرق بالنار و قتل و إستغلال بشتى الطرق منها الدينى و السياسي و الإقتصادى ، الذكى يستغل الأحمق الجاهل" . هذا وقد أعتقد هذا المفكر و طالب بالتغيير الجذرى فى مفهوم البشرية و فى هذا السياق و ضع الأهداف التالية:
* الإهتمام بحقوق الآخريين. * ضرورة السلوك التسامحى عند الإختلاف فى وجهات النظر و الثقافة و المعتقدات. * أداء المهمام الإجتماعية بمسئولية ووعي وإدراك. * ترجمة حقوق الإنسان الى واقع إجتماعى.
و لتحقيق هذه الأهداف يرى المفكر و جود القيم التالية:
* نبذ للنعنف بكل أشكاله. * الرحمة. * التعاطف. * الإتزان .
و أخيرا اقول بأن الله قد فضلنا كبشرعلى جميع مخلوقاته وكرمنا بالعقل و الحجة و إن لم نستغل عقولنا لتأكيد إنسانيتنا فإننا سوف نكون كالآنعام لاتدرك ماتفعل و تحركها غرائز مجتمع الغابة .
أرجوا المعذرة إن تخلل هذا العمل خطأ أو تعدى غير مقصود أو ما قد يعكر صفوة أحد فإن القصد هو الصلاح عسى أن يجد أحد فى هذا العمل قبس يسوقه الى مدارك سامية و الله و لى التوفيق.
ماهر هارون – محاسب قانونى. 1 ديسمبر 2013
|
|
|
|
|
|